أهذا كان قلبكِ أم قلبي الذي وهبته الحياة، وفرحتِ بدقاته، وتحسست حركاته؟ أهذا كان جسدك أم جسدي الذي حملته داخل روحك وحفظت ملامحه وكتبتِ ميلادك يوم ميلاده؟ أهذه كانت يديك أم أرجوحتي ومهربي وأماني؟ أهذه كانت ابتسامتك أم مصدر ثقتي ودليل صوابي؟
هي، من توقظ الحياة كل فجر حولها، وتلوّن الصبح بألوانها، وتنفس في أنفاسه عطرها، فينتعش الكون طرباً وتبسماً وتفاؤلاً بها. هي، من تغسل هموم الأمس بنور الشمس كل يوم، وتُخبئ أحزانها خلف الأمل، وتغزل الحلم تلو الحلم على طول الطريق. هي تلك، التي
نأنس لحديثهم ونطمئن رفقتهم ونرتاح جوارهم ونضحك معهم من القلب. يشبهوننا، يحبون الألوان ذاتها ونكهات الطعام بعينها ويرون الجمال والنور في كل شيء، رغم صخب الحياة وعتمتها. نفوسهم نقية وسريرتهم بيضاء، تسبق الابتسامة خطواتهم لتُعرف بهم من حولهم،
نخوضها على طول الرحلة، صراعاً تلو الآخر، وقلقاً يسلمنا إلى قلق، وأحلام لا ينتهي بريقها وإجهادها، وتطلعات لا تعترف بسقف أو حدّ. يدفعنا إليها طواعية، حب امتلاك كل شيء دفعة واحدة، والإصرار على صورة مكتملة لا تحتمل نقصاناً، والتنافس والتسابق
من لم يمتن لوجوده في الحياة، ويعرف قدرها وقيمتها ومرادها، وكم هي قصيرة رحلتها.. من لم يمد يد العون لمن حوله، ويكفّ أذاه عن غيره، من لم يرَ الله في الجمال والسلام والعدل، لم يقع في الحب. من لم يترفع عن الصغائر، ويشد على الأيادي المرتجفة،
كانوا تحت الأغطية وحول مدافئ الشتاء ينتظرون الغد ليبتسموا لأطفالهم كعادتهم كل صباح كانوا يأملون أن تتحقق كل الأحلام المؤجلة وتنفرج المشكلات المستعصية ويتبدل عسر الأحوال لليسير. كانوا يفكرون بالسنوات الممتدة والأيام البهيجة والنجاح الذي
تعزف على أوتار القلوب فتأنس وحشتها ويهدأ ضجيجها، تحفر نقوشاً من الذكريات تقفز مع كل استماع لها، فتعيد الماضي بكل تفاصيله الجميلة والموجعة. لا نعرف سرها ولا كيف تفعل بنا ما تفعله، بهجة وسعادة ووجداً، توقظ أحلى ما فينا: إحساس مرهف ومشاعر
تلك المخبأة في حشايا القلب، وبين صفحات الروايات القديمة، ودفاتر اليوميات الخاصة، وعلى أحرف القصاصات الوردية، وفوق وسادة المساء وأمنيات ما قبل النوم، وفي الآمال التي لم تختبر بعد الإخفاق والخيبات. تلك المخبأة في زجاجات العطر، وبين ثنايا
تمنحنا الحياة فيه حق الاختيار، لكنها لا تقبل منه شيئاً في المنتصف، نأخذه كاملاً أو نتركه كاملاً، ولا تعترف برمادية ألوانه، إما أبيض ناصع واضح وإما أسود معتم. ندفع مقابله ثمناً باهظاً مكلفاً من أعمارنا وصحتنا، وتدمي أقدامنا أشواك الطريق قبل
ما بين عام وعام ينساب العمر سريعاً وتتعاقب الأيام فلا تأبه لمتخاذل ولا تتنظر كسلاناً.. ما بين عام وعام نفتح كل صباح ستائر الأيام لنستقبل نور الكون وصخب الحياة، ثم ما نلبث أن نُسدلها مع مغيب الشمس فلا ندري كيف رحل الوقت وانقضت الساعات. عام
نحن النساء نحب من ينصت لنا، يسمع كامل قصتنا، ويفهم وجعنا، ويحترم غضبنا، وفي نهاية كل يوم يخبرنا أنه بصدق يقف في صفنا، يقوي ضعفنا، ويحزن لحزننا. نحن النساء، نحب من يهتم لحالنا، ويحفظ تفاصيلنا، ويسعد لسعادتنا، ومستعد دوماً ليخسر نقاشه معنا،
تحلم به صغيرة، وتتمناه أميراً، تنتظر قدومه كل يوم، وتبحث عنه وسط العيون، ترسم صوره في أحلامها البسيطة فارساً محباً عاشقاً، ثم شاباً وسيماً تحسدها عليه الأخريات، ثم رجلاً مقتدراً قادراً على تحقيق الأمنيات، ثم نموذجاً مكتملاً لا نقص فيه
يرتبط في وجداننا بصورهم ولون ملابسهم وتعابير وجوههم وإحساسنا المدفون بهم وسط العروق. يتجدد به الشجن والحنين لمن فارقونا، ويعيد تأكيد ارتباطنا بمن معنا وجوارنا، وتعلق رائحته في أرواحنا طيباً تطيب به الصحبة والأوقات. يحضر قبل صاحبه فتنفتح به
تبدأ كل يوم قصة جديدة وحكاية ممتعة، تسطر فيها تاريخاً وحضارةً بمفهوم مختلف، فجرها سلام، وصباحاتها خير، ونهارها سعي دؤوب، وليلها سرور وبهجة لا تنتهي. تجدها حيث الأمل لا يعرف مستحيلاً، والرزق يقبل القسمة على الجميع، حيث الشوارع والبيوت براح
حين يقف خلفنا، يقوي ضعفنا، ويقبلنا بعيوبنا، ويحدب علينا كأم حانية أو أب عطوف. حين يختار في كل وقت صفنا، فنكون الاستثناء دون العالم، والأولوية على كثرة الانشغال والهاتف الذي لا يحتمل تأخير الرد، والتواريخ المحفورة في القلب قبل الذاكرة. حين
لا ندري في أيهما نحبك أكثر، ليلك الذي لا يغمض جفنه أم نهارك الذي يضج حياة؟ وكيف هي بدايات يومك هل هي من شرفاتك المفتوحة على الأمل والمستقبل في أحلك الأوقات، أم من أبواب أهراماتك التي توقف التاريخ وتصنعه وتجدد شبابه؟ وإلى متى ينساب نيلك في
هنا على ضفاف الخليج صنعوا من الحلم مجداً واقعاً وحياة.. هنا تفتح المدن المزهوة بالإنجاز ذراعيها بودٍّ خالص ويد ممدودة بالسلام، وترحاب بطعم التمر، ومذاق القهوة المعتقة بالحب. هنا أهل فزعة وبيوت كرم، وشوارع تحتضن زوّارها بالأمان والبهجة. هنا
«التفاخر لكسر القلوب، يتجاهل أن وراء كل نعمة سبباً وحكمة ربانية» ساحة حرب نفسية، واستدعاء للحسد وضيق الصدر، يخلق مسافات بين الأهل والأصدقاء والجيران، وباب واسع للمقارنات والنظر لما في يد الغير. يعمي البصر والبصيرة عما بين أيدينا من نعم،
نبحث عنهم وقت الضعف والانكسارات، فهم لا يعرفون استسلاماً لهزيمة أو انحناءة للريح، نُعري ضعفنا أمامهم بلا خجل، ثقة منا بنبل أخلاقهم واستيعابهم، نلقي على بابهم المشرع دوماً على الأمل المخاوف والهواجس، بحثاً عن الهدوء والطمأنينة بأن كل شيء
يستهلك من العمر والصحة الكثير، ويملأ الصدر ضيقاً وحرجاً، ويورثنا المرض إن رافقنا في كل موقف ودرب.. يغير ملامحنا كمداً، ونصرع به هدوء عقولنا وثبات أفكارنا، ويهز ثقتنا بأنفسنا وقناعاتنا الخاصة.. نخسر بسببه الصاحب والقريب والجار، ونُجهد به
يأتي الليل ليسدل أستاره بعد سعي النهار وصخبه، ناعماً هادئاً مؤنساً ساكناً، يعرف الجميع أنه وقت لراحة النفوس والأبدان، فلا ضجيج ولا فوضى ولا صوت مرتفع. يتجوّل في الشوارع وعلى جنبات الطريق وبين أزقة المساكن كل يوم ليجد في الإمارات أماناً
تأبى النفس السوية فكرة التعايش معه أو حتى الصمت عنه، وتحاربنا في قبوله فطرة الحياة التي فطر الله الخلق عليها حتى ولو كان ما يحدث بعيداً عنا. تُفزعنا ألوانه وخفي مقصده وتسلله المقيت لبراءة أطفالنا وشبابنا عبر فضاء لم يعد بوسع أحد كبح تمدده
بشوشة الوجه، سمحة الملامح، في بساطة حديثها اعتداد بأصلها وماضيها الطيب وثقة في حاضرها الذي ترعاه عين الله ويحرسه رجال مخلصون. جاءت تحمل «حلوى عمانية» صنعتها بيديها، وترحاب يسبق خطواتها، اعتادت عليه بفطرة سوية وبصحبتها زوجة ابنها وحفيدتها.
هل من بابك المفتوح للقريب والغريب أبدأ، أم من بابي أنا المفتوح ليلاً ونهاراً، أمناً واطمئناناً، أبتدئ الحديث؟ وماذا أكتب والحروف على براحها لا تسع براحك الذي وسع الإنسان من كل جنس ولون بلا فوارق ولا تمييز؟ وكيف لذاك العهد القديم المتجدد
تبدو أمامنا في بداية العمر ممتدةً نحو مجهول ٍغامض، مظلمةً وقت الضجر، خاويةً من حولنا في الليالي الموحشة. تُسقطنا عثراتها وكبواتها مراتٍ ومرات، وتؤلمنا أشواكها كعادتها، فما كانت أبداً ممهّدةً لأحد، فلكلٍّ منا حظ من أوجاعها. نمر بها عابرين
يكبر فينا صغاراً، ويلازمنا أعواماً ونحن كبار، يحتل عقولنا وتفكيرنا إن لم نتعلم كيف نروضه ونطوعه رفيقاً وقريناً لرحلة لا نعلم متى تنتهي. يسلبنا الاستمتاع بالحاضر وما به من نعم وخير، ويقفز في مخيلتنا كطفل عنيد لا يهدأ إلا إذا غلبه النوم،
كم هي قاسية ومؤلمة، تلك التي يحملها غدرٌ أو خذلان أو خيانة، تصدمنا حين تأتي وسط شعورنا بالأمان والاكتفاء، حين نظن أننا أصحاب الحظ الأوفر في الحياة، وأننا راضون وسعداء، تحفر وجعها في العروق وشماً، وتترك في القلب ندباً، وتأبى الرحيل وتستعصي
تدهشنا فكرتها، ونستبعد أن تكون واقعاً ناجحاً، فنحاول تأخيرها بكل ما أوتينا من سبل، نخبرهم أن سواعدهم مازالت غضة، ومعارك الحياة طاحنة. ترفض قلوبنا المتلهفة إطلاق أجنحتهم للريح العاتية، أملاً في إبقائهم بجوارنا حتى اللحظة الأخيرة، وتخشى
يأتي كل يوم مصطحباً معه بدايةً جديدةً وفرصةً أخرى ممكنة، وأملاً قريب المنال.. يطرق أبواب المستيقظين، ويشفق على الغافلين كيف فاتهم كل هذا الخير، ينشر في النفوس إحساساً مفعماً بالحب، لكونٍ فسيح تتجلى فيه عظمة الخالق البديع، ويُهدئ القلق،
كم كان مبهجاً وحالماً، يأتي حاملاً نسائم عبقة، وضحكات من القلب، وسمر حتى الفجر، يجمع البعيد ويعيد المغترب، ويرمم إجهاد العمل والدراسة. فرصة ذهبية للتنقل بين خيال القصص الحائرة حتى آخر سطر ومناسبة عظيمة للاحتفالات والأفراح، وموعد مؤكد مع
تباغتنا، موجعة، مفاجئة، غامضة أحياناً، وصريحة واضحة أخرى، لا يأبه أصحابها للسهام التي عادة ما تصاحبها ولا أي آلام تخلف وراءها. تُفسد الود وتوغر الصدر وتخلق مساحات تباعد في العلاقات الاجتماعية نادراً ما تعود بعدها أبداً كما كانت. يجيدها من
تبحث عنه في يومها، ليستمع لحكاياتها وإن كانت فارغة، ويستمتع معها بالأشياء مهما كانت تافهة، ويضحك لفكاهاتها ولو كانت ساذجة. تأنس للأمان بجواره، فتبوح بمكنون نفسها بلا خوف من غدرٍ أو فُجرٍ أو خصام أو تقلب ود، تحفظ بيته وعهده، وترى الكون
يُفسحون للود مساحات بحجم الكون، ويتقبلون الأعذار، ويغفرون الزّلات، ويفتحون صفحات بيضاء مراتٍ ومرات. يحاولون البقاء والاستمرار مهما تكررت الأخطاء وزادت التراكمات، أملاً في الإصلاح، ولخاطر سنوات طوال من الحب أو صلة الدم أو الجيرة أو الصداقة.
يحفز الهمم ويستنفر الطاقات ويجعلنا نؤدي أدوارنا في الحياة كأفضل ما يكون، يخلق تميزاً وإبداعاً وتألقاً، ينير الطريق ويدفعنا نحو المزيد بلا كلل أو تعب. يرفع في عروقنا النشاط والقوة، ويُخرج أفضل ما فينا؛ فنحب معه الوقت والجهد ونحارب به وطأة
نرسمه صوراً مكتملةً لا تحتمل النقصان، نحفر ملامحه في الوجدان، نترقبه كل صباح علّه يطرق الباب بلا موعد أو استئذان. نرفض أن نتنازل عن أحلامنا وخيالنا وتطلعنا للعيش في ظل غيره بحجة أنه قادم لا محالة، دون أن ندرك أنه جاء مرات ومرات طارقاً
عالمٌ سرمدي من الخيال والسحر والجمال، وصورٌ زاهية كنقش فرعوني عصي على الطمس أو النسيان.. يحمل بين طياته ماضياً عَبِق برائحة الجوري ومستقبلاً يباهي الماضي بالدهشة والتعجب. يسلب وجداننا برفقٍ كأبٍ عطوف أو أمٍ حانية؛ فنجلس رفقته ساعات بلا ملل
حزنٌ بلا فزع، وبكاءٌ بلا خوف، وفراغٌ بحجم العالم، لكنه مملوء بالأمان، هكذا الحال على أرض الإمارات الطيبة، يرحل الطيبون فيخلفهم مثلهم، قومٌ قطعوا عهداً قديما بالوفاء، وتسابقوا في حب العطاء، وتواضعوا فرفع الله شأنهم، وأعزّ ديارهم. كم كان
تتشكل في وجداننا مع البدايات المبكرة في التعرف على الحياة، صوراً بألوان الفرح وخيال جامح لا يعترف بالمستحيل، تأخذ ملامحها من الطريقة التي تربينا عليها ومن نظرتنا للناس والأشياء حولنا ولما نتمنى أن نكون عليه في قادم الأيام. تترعرع بين
يأتي ليجدد فينا حب الحياة، ويحفر ذكرياته المبهجة في الوجدان، ويشد على الأيادي تواصلاً وتهنئةً، ويرحل سريعاً تاركاً البيوت عامرةً بالخير والتراحم. هو العيد.. كل شيء فيه بطعم مختلف، الملابس وألوان الفرح في عيون الأطفال، وأطايب الطعام المعدة
نتقلب فيها أعواماً وراء أعوام حتى نعتادها، ما بين أمن وصحة ومال وولد وسُمعة طيبة وستر ونجاح ومحبة من حولنا. لكل منا نصيبه العادل منها، فهنا نقص يكتمل هناك حتى تتواصل الحياة ويتكاتف الإنسان مع أخيه لتستمر حاجة بعضنا بعضاً، سرٌ رباني يضمن
ارتبط اسمه وتاريخه بالخير، وحفظ القاصي والداني مواقفه، وعرف العدو قبل الصديق حكمته وقدره وقيمته. يترحّم عليه حفظة القرآن الكريم، وطلبة العلم والمرضى في المراكز والمدارس والمشافي التي بناها في كل بقاع الأرض، دون تمييز بين جنس أو لون. يعرفه
يطرق القلوب قبل الأبواب، ينشر خيره في البيوت والطرقات، يغمر النفوس سكينة وسلاماً، توقظ فينا ذكريات قدومه كل عام اللهفة ذاتها والاشتياق نفسه. يقرب المسافات ويمحو الخلافات ويصلح ذات البين، تمتد موائده عامرة فلا جائع ولا فقير ولا محتاج. تصل
أنتِ: يا سيدة البيت والقلب والماضي والحاضر والمستقبل يا عبق الصبح ورائحة الورد ولون الأيام الحلوة. أنت: يا بهجة العيد وفرحته، ومفتاح النجاح ودعوته، يا أمان الخوف وهدوء النفس وطيب الخاطر وملاذ المجروح والمغترب والمحتاج، وسند الأوقات العصيبة
ننتظرهم بشوق العالم ولهفته، ونتعجل وقت قدومهم للحياة، ونستقبلهم بحفاوة وفرح بالغين، وإحساس يظل محفوراً ما حيينا في الذكريات. تتشكل صورهم من ملامحنا، فنجدهم مرآة تحمل تفاصيلنا صوتاً وصورةً وسلوكاً في الحركات والسكنات. نسترجع بالنظر في
تجدها في حكايات المساء جمالاً وحُسناً وقمراً ينير عتمة النفوس، ويبدد وحشة الأوقات. تقرأها في الكتب والقصص المخبأة في القلوب والأدراج كنقش فرعوني عصي على الطمس أو النسيان. ترى طيفها وذكراها والإحساس بها كلما نظرتَ إلى البحر، وتتساءل عن سرها
كأميرات حكايات الصيف الممتعة، تأتي طلتها بين حين وآخر بهيةً ومتجددةً، لتكون القصة والعنوان والخبر. تصنع كل يوم مجداً جديداً وبهجة جديدة تأسر بها القلوب محبة وسلاماً لكل قادم ومودّع. تُحب الجميع وتُسعد الجميع، وتمنح الأمل كل صباح للكون
هي كما قيل في وصفها «قيد ترسف العزة فيه والإباء»، و«عذاب من يرددها»، و«انحناء ينتقص الكبرياء». تفسد ملامحنا وتطبعنا بطابعها الممل من كثرة تكرارها، تحمل في طياتها تذمراً وسخطاً دائمين، يُنَفر منا القريب والغريب. تحرمنا الاعتداد بالنفس،
تبدأ حياتنا به، منذ الصرخة الأولى، حين يضعه الله في قلوب أبوينا حنواً ورحمةً وحمايةً، تمتد ما وسعهم العمر فيضاً خالصاً من الود، ومشاعر صافية عصيّة على الوصف. تتلقفنا في ظله الأيادي المحبة لنا ونحن صغار، فنظل نركض ببراءة الأطفال خلف إحساسنا
القويات، أولئك اللواتي يشرعن كل صباح ألف يد في مواجهة الحياة، ويجابهن بجميل الصبر عثرات الطريق، ويخفين خلف التماسك ألف ضعف، وألف خوف. أولئك اللواتي يحملن الأعباء بلا كلل، ويقدسن العمل، ويعرفن قيمة الوقت، ويعترفن بالجميل، ويقدرن الآخرين دون
يدافعون عنها من القلب ويقفون وراءها بلا تردد ويتمنون لها دوام الخير كل صباح، ويرددون بمشاعر صادقة «حصنتك باسم الله يا وطن». يحبونها كبيتٍ كبير يسع الجميع بالعدل والمساواة، يشفقون على الكاره والحاسد يقيناً منهم بأنها لا تلتفت للصغائر ولا
كلنا نحبهم، أولئك البسطاء الذين لا يفتشون خلف الكلمات، ولا يهتمون بتفسير ما لا نعنيه أو نقصده من أقوال وأفعال. نحب أريحية صحبتهم ومتعة الحديث معهم، يقيناً بصدق إحساسهم بمن حولهم دون تكلف أو رياء. نحب نقاء نفوسهم وبهاء حضورهم كأنهم فيض من
وحده دون غيره يستأثر بها، يمنحها بلا مِنَّة ولا تفضُّل، تخرج من قلبه صادقة لا تكلف فيها ولا مجاملة، مشاعر حب صادق وخوف حقيقي وحماية تتصدى للعالم بصدر مفتوح وذراع عاريةٍ دفاعاً عنا. تمتد يده بالعطاء فياضةً بلا حساب أو عتاب وكأنها فيضٌ من يد
كثيراً ما تقذف بنا الأقدار في طريقهم بلا موعد ودونما ترتيب وعلى غير ما نرغب، ثم يزداد الوضع سوءاً حين نختلف على أمرٍ ما سرعان ما يتحول إلى شجار على أشياء لا تستحق، تسابق على مقعد حافلة، طاولة طعام، مكان لصف السيارات، نقاش عمل حاد، رأي
نُلام في حب الإمارات، يقولون اتخذناها وطناً، نحمل هويتها، ونعشق هواها، ونتمنى لها الخير في كل فجر. نعرف شوارعها، وعناوين أيامها، وتواريخ أعيادها، ونبارك نهضتها، ونذود عن سمعتها كأبناء بارين. نشتاقها في البعد، ونسعد بالعود، ونتفاءل معها كل
لا أملك يا أملي مهما حاولت سوى قلبي.. لا أملك إلا كلماتٍ تبقى تعبيراً عن حبّي. تعذّب بحبها وكتب لها أشعاره هذه، وتتبّع أخبارها واكتفى بالأمنيات، وأخذت هي ما كتبه فيها وأعطته لصديقاتها يقرأنه ويتعجبن كيف لكل هذا الحب ألّا يُحَس ولا يحرك صخر
«اكتب اسمك أولاً، وعرف التاريخ من تكون، ودعه ينتظر حتى ترسم ملامح وجهك على صفحته، ليظل محفوراً في القلوب، هنا فوق تراب الصحراء اسكب ماءً وازرع نخلاً وعمّر بيتاً ولا تأبه للمتخاذلين»، «أنا الحياة، أفتح ذراع الأمل كل صبح للمخلصين، وأشد على
أشفقَ كثيراً على من لم يختلِ بالله يوماً ولو لحظات، أشفق على من يختزل الإحساس به والشعور بعظمته فقط في فرض صوم أو صلاة أو زكاة. أَشفقَ على من لم يرَ الله في كونٍ فسيح يقبل الاختلاف والتناقض والأضداد، ويُعلي من قيم الحق والصدق والإخاء.
تماماً كوجع البعد، الاقتراب الشديد أيضاً موجع، حتى ولو بدافع الحب أو الخوف أو الحماية.. فلا ضير أبداً من مسافة في أي علاقة مهما كان عمقها. أدْوَم العلاقات عُمراً أكثرها اعتدالاً، لكننا لا ندرك ذلك إلا بعد أن يجهدنا الصدّ من أخ يرفض حماية،
كعادتها لا تعرف هزيمة ولا تعترف بالفشل، ولا يحوي قاموسها كلمة «مستحيل»، تُجدد مع كل أزمة نفسها وشبابها وعطاءها لشعبها وللعالم في صمت، فتخرج من الأزمات قوية عفية عصية على الكسر، وقادرة على الاستمرار. تُعرض عمن يتجاهل قدرها وقيمتها، وتكيل له
نلهث دوماً خلف الكمال ننفض كل صباح حلم الأمس لنبدأ آخر جديداً، ننظر إلى حياتنا كل يوم لنفتش في جوانبها عن نواقص الصورة دون أن ندري أن الثمن هو أعمار وأوقات خالية من البهجة والسكينة والرضا. نريد عملاً مميزاً وحباً متأججاً وزواجاً مستقراً..
ترحل أرواحنا أحياناً عن مكان ونحن فيه، وعن أناس ونحن معهم وبينهم، وهو أقسى أنواع الرحيل، حين تغادر الروح بينما الجسد باقٍ يأكل ويتحرك ويتنفس ويعيش دون حياة. الرحيل ليس مغادرة المكان فهذا أسهله على الإطلاق، بينما المؤلم والموجع رحيل النفس