النفوذ الناعم
في عام 2012، كنت أحضر برنامجاً مكثفاً لتعلم الإنجليزية، عبر موقع يتخذ من لندن مقراً له، ويقدم خدماته عبر الإنترنت لشتى أنحاء العالم، ويتعاون مع مدرسين من دول متعددة، بشرط أن تكون أصولهم إنجليزية، يتقنون اللغة بلكنتها البريطانية العتيقة.
سألتني المعلمة - وكانت وقتها تقيم في جنوب إفريقيا - عن مقر عملي، فقلت: الإمارات، فأجابت بإعجاب شديد: «أعرفها، فقد زارتها صديقتي مرات عدة، وأخطط أنا لزيارتها في المستقبل»، مضيفة: «أحياناً أشاهد إعلانات سياحية عن دبي وأبوظبي على تاكسي لندن عند زيارة جدتي في الصيف. رائع أن تجتمع كل هذه الرفاهية في مكان واحد».
شيئاً فشيئاً بدأت ملامح خطط الترويج السياحي الخارجي تفرض نفسها على الخريطة السياحة العالمية، وأصبحت دبي وأبوظبي علامات تجارية وسياحية رابحة وعالمية.
وأصبحت الطرق المبتكرة والجريئة لتنشيط السياحة وجذب الاستثمارات، مثل حملة سيارة الأجرة الطائرة في قلب لندن، وغيرها، تجارب تفاعلية، تلقي الضوء على طموح الإمارات وما أحدثته من تغيير كبير في مفهوم التواصل والتعايش، وتسخير الإمكانات لسعادة ورفاه الناس.
أخيراً افتتحت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، بالتعاون مع شركاء من القطاعين العام والخاص، مركز أعمال دولياً جديداً «دبي هب لندن»، يعد الأول من نوعه في لندن، بهدف توسيع حضورها الاقتصادي عالمياً، وجذب المستثمرين البريطانيين بشكل خاص نحو السوق الإماراتية، وربطهم مباشرة بفرص الأعمال في دبي، عبر منصة شاملة توفر خدمات ما قبل وبعد التأسيس.
فكرة التسويق الاستباقي، وتوسيع الحضور الخارجي، وتوفير بوابات رقمية لاستخراج التراخيص دون الحاجة للسفر إلى هنا، عبر تصدير بيئة العمل والاستثمار إلى لندن، تعد نموذجاً للنفوذ الاقتصادي الناعم الذي نجحت فيه الإمارات ودبي بقوة على مدار العقود الماضية.
العالم تغير كثيراً، ومعايير القوة اختلفت، ففي السابق كانت الحكومات تتسابق على تصدير نفوذها عبر الفن والثقافة ونشر لغتها، والآن أصبح الاقتصاد والمصالح والتبادل التجاري في مقدمة كل ذلك، والبند الأكثر أهمية في جدول أعمال الساسة وأصحاب القرار، بل ومحرك بوصلتهم في التعاون وبناء الشراكات.
أما الأكثر إبهاراً في نفوذ الإمارات الاقتصادي فنعومته التي تحرص بها على الإنسان، وتبحث عن راحته، وتقدمه في خططها على أنه الهدف رقم واحد.
@amalalmenshawi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه