البيوت العتيقة

أمل المنشاوي

تعرفنا أكثر ما نعرف أنفسنا، وتترك فينا رائحتها وعطرها وسرها الغامض مهمها كبرنا وتبدلت أحوالنا، تسكننا ذكرياتنا بها وتستعصي تفاصيلها على النسيان.

يعلق في أرواحنا نسيم هواها ومداخل أبوابها وأشجار حدائقها، وذاك الأمان الذي واجهنا به حماقات العالم وقسوته سنوات طوال.

تحفظ ملامحنا وتميز أصواتنا مهما طال الغياب، وتبتهج جدرانها لضحكاتنا وعودتنا، تشاطرنا الفرح وتنشر السعادة في أرجائها وتتشح بالحزن في الأيام الثقال.

تشهد خطواتنا الأولى واشتداد أعوادنا وبساطة الأحلام، وخيال الحب الذي يرسم كل ليلة ألف حكاية مبهجة لا تعترف ببؤس النهايات أو استسلام للفراق.

تتذكر جيداً آباءنا وجلساتهم وصلواتهم ونكهات طعام أمهاتنا وطيب دعواتهن وأمنياتهن التي تعرف طريقها للسماء في كل الأوقات.

تخبئ في أركانها شجار الأخوة وألعابهم وتفرش براحها لزيارات الأهل وود الجيران وتهاني الأعياد والمناسبات السعيدة وصوت الأغنيات وقصص الجدات.

تلك هي البيوت العتيقة المتماسكة التي عاش كل منا فيها أجمل سنوات عمره وأكثرها راحة وسلاماً، قبل أن ندرك أن خارج جدرانها عالماً مختلفاً وقاسياً.

لكل منا ذكرياته الحميمة في بيت أهله وأوقات سعادة محفورة على جدران القلب، وطعام يعلق مذاقه في الحلق، وسكينة لا نجدها في أي من بقاع الأرض.

البيوت العتيقة، جبال راسخة على مر الزمان تفتح أبوابها ونوافذها لشمس الصباح كل يوم وتنتظر الغائب وتبتهج بعودة المسافر وتنشر دفأها وأمانها على سكانها كل مساء.

البيوت العتيقة، ملاذ وهدوء وسط صخب المدينة وحداثتها، وأوقات هانئة وهادئة بعيداً عن فوضى العالم وسرعته، واسترخاء بعد طول عناء.

البيوت العتيقة، دنيا مبهجة عاشها كل منا في كنف آبائه، وشهد بعض تفاصيلها أبناؤنا ومن الظلم تركها بلا اهتمام أو ترميم بحجة أنه أصبح لكل منا بيته الخاص، خصوصاً إذا كان يسكنها الآباء والأمهات الذين ضعفت سواعدهم وهدأ شغفهم بالتجديد وإعادة البناء.

بيوتنا العتيقة بعض منا، تسكننا قدر ما سكناها وأمضينا فيها من العمر، ولها ألق وحضور ونور لا ينطفئ مهما أوقدنا مصابيح البيوت الجديدة وأنفقنا عليها بسخاء.

احرصوا على تجديد مراتع طفولتكم وأمان صباكم وعز شبابكم واجتمعوا فيها ومن تحبون كلما سمح الوقت، وتمتعوا ومتعوا عوائلكم بأوقات غالية يدوم أثرها فيكم سعادة وهناء.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر