هكذا الأوطان

أمل المنشاوي

مساحة بحجم الكون براحاً وراحة مهما حدتها الحدود وامتداد بمدد البصر وأحلام سقفها السماء، هكذا الأوطان.

مراتع طفولة ونوم عميق بلا هموم أو قلق وسلام نفس ودفء من برد الشتاء، هكذا الأوطان.

شمس وهواء نقي وزرقة بحر وخلطة سحرية من الذكريات تأبى أن تفارقنا ما حيينا وأحبة مهما فارقونا بقوا أحياء، هكذا الأوطان.

سُكنى أمان ومودة ولو افترشنا ترابها وتلحفنا فضاءها، وثقة في اليوم واطمئنان للغد القادم وصلاة ودعاء ورجاء، هكذا الأوطان.

طيبة الجيران ومشاغبات الأخوة وصداقات الخطوات الأولى نحو الحياة وصوت المآذن وتكبيرات الأعياد وبهجة اللمة وأنس حكايات المساء، هكذا الأوطان.

الإحساس بالامتلاك والفخر وزهو الانتصارات، وهتافات الملاعب وصدى الأغنيات وبائع الحلوى ودلال العيش في كنف الآباء، هكذا الأوطان.

أشجار الزيتون ونخيل التمر وأوقات الحصاد، وصيد البحر وركوب الأمواج والقلوب التي لا تهاب ولا تعرف رياء، هكذا الأوطان.

تعلم حروف الهجاء ومفردات اللغة وجمال الشعر وخيال الشعراء والكتاب والأدب الرفيع الذي يثري الروح ويزيد العقل بهاء، هكذا الأوطان.

مطاردة الطيور ومحاولة الإمساك بها أو تقليدها واللعب فوق العشب المبتل والخوف من عقاب العودة المتأخرة للبيت ودموع التوسل التي تفتح أحضان الأمهات والآباء، هكذا الأوطان.

هنا في كل وطن عربي قصة وتاريخ يحكي كيف ارتباطنا بالأرض، وكيف أننا نتوارث حب الأوطان كما نرث لون البشرة وصفاء العيون والحفاظ على الشرف، هنا في كل وطن عربي علمونا قيمة العَلم ورمزية ألوانه وأخبرونا كيف أنه مرادف ومعنى للكبرياء.

هنا في كل وطن عربي أجداد كتبوا بدمائهم ملاحم عصية على النسيان وتواريخ محفورة في وجدان الشعوب وإرث من الكفاح لا لأجل الرحيل بل لأجل البقاء.

هنا في كل الأوطان العربية، شعوب لا تموت ولا تنسى ولا تتهاون، وتاريخ ترويه الجدات والأمهات وصور ترسمها في عقول الصغار، وكرامة وإباء.

هنا في كل الأوطان العربية أبواب مشرعة على الأمل والحلم بالغد الأفضل والعيش في أمان وسلام، حيث البيوت والمدافئ والضحكات والخير الممتد على الطرقات مرحباً بالغرباء قبل الأصدقاء.

هنا في كل الأوطان العربية، صبر لم تختبره أيٌّ من شعوب الأرض مثلنا، وأرض نُدفن فيها ولا نتركها وحب في الخير والسلام بقدر ما نبغض الاعتداء.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر