الطريق

أمل المنشاوي

تخصنا دون غيرنا، ولا تسمح بمن ينوب عنا، تشهد اشتداد العود وتضحك من سذاجة أحلامنا وبساطتها وتبكي معنا وقت تأبينها، وتعرف يقيناً أنها لحظات صعبة لميلاد حلم جديد أكثر واقعية ونضجاً.

تتقاذفنا بين جدرانها القدرية وتؤلمنا بأشواكها حتى نفيق من مطاردة الوهم والأمنيات التي لن تأتي أبداً.

تصنعنا على مهل وتتمهد أمامنا على قدر الجهد والسعي، وتنير عتمة النفوس كلما أطبق عليها اليأس.

تقذف عقولنا بألف سؤال في بدايتها وتغلف تعرجاتها بالغموض وعدم الفهم، وكأنها تريد لأقدامنا المضي دون توقف أو اعتراض أو ملل.

تفتح أبوابنا نحو الغد والمستقبل والتغيير والبديل الذي لا يخون ولا يتخلى، وتكشف لنا على طول الرحلة قبح الوجوه وتلونها وصدق الصادقين ونبل الأخلاق وسيئها، وتُعلمنا الصبر وتجاوز الأزمات والامتنان لما في أيادينا من نعم.

تضع أمامنا من يشبهنا وتقرب بيننا وبين من يستحقنا ويفهمنا وتمنحنا على قدر حسن نوايانا وطيب معدننا، وتغفر تذمرنا وتمسكنا بتلك الأشياء التي لا تناسبنا، حتى ينير الله جل وعلا قلوبنا فنرى حكمته وخيرية أقداره في كل ما يواجهنا.

نحزن كثيراً حين تحيد بنا عمن تعودنا عليهم ومنحناهم من عمرنا وسكبنا في دمائهم مشاعرنا وائتمناهم على سعادتنا، أو حين تُغير مسارنا في دراسة أو عمل، أو تُبدل بنا الدار والمقام.

إنها الطريق، طريق الحياة التي لابد لكل منا خطوها والمرور عبرها مهما تصورنا أن بوسعنا الابتعاد عنها وتجنب مسيرها.

تخفي سرها عنا صغاراً رأفة بنا وببراءة فهمنا وضيق عقولنا، ثم تبدأ رويداً رويداً في كشف حقائقها حتى تنتصف رحلتها فندرك يقيناً أنها الأفضل لنا وأن عثراتها وكبواتها مردها إما سوء تصرفاتنا واستهتارنا بالوقت والجهد أو لأنها كانت تصهرنا لتخرج جواهرنا وتقوي إرادتنا.

طريق الحياة طالت رحلتنا أو قصرت تضيق وتنفرج وتضيء وتظلم وتمنح وتمنع وتُسعد وتُشقي لتختبر قوتنا وقدرتنا على التحمل والمواصلة، وتُكافئنا في نهايتها بمثل ما نحمله من نوايا بخيرها ولؤمها.

ما أقصرها طريق تلك التي على طولها الممتد بالأمل، تنطوي وتصغر كلما نظرنا خلفنا، وما أعقدها طريق تلك التي تلهينا ملذاتها رغم رحيل كل من عبروها وتركوها لنا حين حل دورنا.

طريق الحياة بقوانينها الإلهية وعدالة أرزاقها، تتسع بالرضا والتسليم، وتُجذل العطاء والهبات لمن ينثر الخير في أرجائها، وتتجمل لمن يتغافل عن الزلات ويغض الطرف عن الأعراض ويتحلى بجميل الخلق.

• «تفتح أبوابنا نحو الغد والمستقبل والتغيير والبديل الذي لا يخون ولا يتخلى».

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر