إرث الأحزان

أمل المنشاوي

تقول إحداهن «قالت لي أمي، حين حكيت لها قصة حبي التي انتهت بفراقٍ أليم، إن الحياة بها الكثير من الأحزان والقليل من الفرح، وإن عليّ أن أعلّم قلبي كيف يكون شجاعاً وقوياً في مواجهة الألم، وقتها سكبت الدمع السخين، وشعرت بأن الطريق سيكون قاسياً».

«أتذكر أنني نمت وقتها لمدة أسبوع كامل، اعتزلت فيه الكون بأكمله، ثم طويت كل شيء خلفي وبدأت من جديد، ويا لها من بداية تلك التي تنكرنا ولا نعرفها، ترفضنا ولا نتقبلها، لا ترحب بنا ولا تصادف ما نهوى وما نريد».

«مرت سنوات ثقال، وأيام منطفئة، كنت وقتها أحدث نفسي كل ليلة: هل حقاً هي دنيا أحزان؟ وما الذي يجعلنا بتلك الكبرياء الهزيلة التي تضعنا في منتصف الأشياء ومنتصف القرارات ومنتصف العلاقات؟ وما الذي يجبرنا على الصمت عند وجوب الرد؟ ولماذا لا نقول (لا) بملء الفم حين لا يعجبنا الكلام؟».

«صحيح أنني تعافيت إلى حد كبير، لكن مازالت كلمات أمي تقفز كلما واجهتني المصاعب».

هكذا تحدثت ذات الـ25 ربيعاً عن ماضيها القريب الذي خلق بداخلها خوفاً عظيماً من الفرح، وأنه نذير شؤم لابد أن تعقبه مصائب.

للأسف ما تقصه الفتاة، وما أصّلته الأم، ربما بحسن نية وخوف عليها من الصدمات، موروث خاطئ، أصّلته الأغنيات ونهايات الأفلام والمسلسلات، التي جاء جلها قاتماً حزيناً، ونقشه الشعراء أبياتاً وقصائد، وكتبه القصاصون والأدباء، حتى بات الحزن لوناً غالباً على حياتنا، رغم براح الكون وجمال ألوانه.

موروث الأحزان يغلق الصدور، ويقضي على فرص البدايات الجديدة التي غالباً ما تكون أروع وأعظم.

موروث الأحزان عكس ما حثت عليه كل الأديان من البِشر والتفاؤل وحسن الظن بالله وبالقادم، وينافي طبيعة الإنسان التواقة للخير والحب والسعادة والبعد عن الألم.

الحزن يجلب المزيد منه، ويورث الأمراض، ويتعب القلب، ويكسر الروح والهمة، ويمتص طاقتنا وقدرتنا على التحمل ومواصلة الطريق.

نحن الأمهات مطالبات بغرس الأمل في نفوس أبنائنا، مهما كانت أخطاؤهم وعثراتهم، علينا أن نخبرهم دوماً بأن المولى عز وجل عادل في عطاياه، وهناك دوماً أيام سعيدة بانتظارهم، مهما امتلأت نفوسهم عتمة.

صاحبة القصة ظلت سنوات تعيش أسيرة ما سمعته من أمها، لذا فالأم وكلماتها دوماً مفتاح للنجاح أو الفشل، وباب للأمل والتفاؤل، أو إرث ثقيل من الأحزان.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر