القصاصات البيضاء

أمل المنشاوي

كتبت فوق أولى قصاصات العام الجديد «مرحباً»، ورسمت على حوافها وروداً تشبه تلك التي منحتني إياها يوماً ما مع قلبك واسمك.

تأملت ساعاته الأولى والعالم يجدّد إنسانيته ووحدته ولو لدقائق معدودة وتعجبت، كم هي قصيرة لحظات الفرح التي نتشارك فيها نحن بني الإنسان!

شاهدت حفاوة الاستقبال مع دقات منتصف الليل، وصرخات الصغار وبهجة الألعاب والسماء التي تسع أنوارها وأصواتها في كل بقاع الأرض بلا استثناء، ووددت لو مددت يدي لكل أطفال ونساء غزة بهدايا تليق بصمودهم تحت برد الشتاء.

تذكرت مع طيّ آخر قصاصات عام يرحل، كم كان مليئاً بلطف الله وفيض كرمه ومدده الذي يأتي دوماً حين ينقطع الرجاء.

سكبت على آخر قصاصة ندماً على كل الأوقات عديمة الفائدة، وكل الانتظار والالتفات إلى الخلف الذي جاء على حساب حاضر لم يسعفني مروره السريع بالانتباه والعيش فيه.

تمنيت كلما تصفحتها في عقلي لو تجاهلت أكثر وتغاضيت أكثر، ولم أفكر في الهموم والعثرات أكثر، وددت لو أطلت النظر أكثر في وجه أمي الذي يصارع تجاعيد العمر، ولاحظت أكثر فارق الطول بيني وبين أصغر أبنائي، وتفرّغت أكثر للانبهار بأدائهم في الحياة.

تذكّرت بين أوراقها القديمة وجوه من رحلوا وتركوا في القلب ذكراهم حية لا تموت، ودعوت الله كثيراً لهم أن يؤنس وحدتهم ويتجاوز عنهم.

رأيت على وجهها وجوه أولئك الذين وقفوا صفي وخلفي، ولم يغيبوا في كل الأوقات.

قصاصات العام أيام وشهور وأوقات تمر من أعمارنا، تتلون بلون ما يعترينا من أفراح وأتراح، وتترقب ما سنكتبه فيها خيراً أو شراً، ثم يطويها العام الجديد وما به من بهجة البدايات.

عام جديد بقصاصات بيضاء جاء سريعاً وسيرحل سريعاً، وما بين لياليه وأيامه يمنحنا فرصة أخرى للعمل والسعي، وتذكر أن الوقت لا ينتظر أحداً، ونهر الحياة لا يتوقف عن السريان.

عام جديد بقصاصات برّاقة تبشر بأن القادم أجمل وأفضل؛ طالما أخلصنا النوايا، وترفّعنا عن الأذى، وأفسحنا مكاناً للحب والعدل والسلام.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر