الحالمون

أمل المنشاوي

ينتشلنا من قسوة الواقع حين يفرض قوانينه الأزلية بلا رفق أو تمهل، نختلي به لنطبب الجراح التي لا يعالجها الوقت أو النسيان، ونتكئ عليه إن ضاقت بنا السبل، وأعيتنا الحيل.

نلوّنه كيفما نشاء، ونعيش فيه مع من نريد، وإن باعدت بيننا وبينهم المسافات، واستحال اللقاء بعد الرحيل.

ندرك كم هو في أحيان كثيرة صعب المنال، ولربما لن يُطال، لكنه يبقى شعاع النور وسط عتمة الروح وقتامة الأيام، والمساحة الخاصة الوحيدة التي لا يشاركنا فيها أحد، والخيال الذي يُحلّق بنا فوق المستحيل.

يصاحبنا في اليقظة والمنام، ويعرف كيف يرسم لنا صوراً بهية وسط الانكسارات، تجفف الدمع وتحيي فينا الأمل، وتجدد الإقبال على الحياة والناس والأشياء.

يسمو بمشاعرنا، ويعلّمنا فن الممكن، ويعزف على أوتار قلوبنا، ويسافر بنا عبر الزمان وفوق حدود المكان، فنجد أنفسنا وسط عالم من الفرح والبهجة والسعادة.

يُحفزنا على بذل الجهد حين يحضر شاخصاً مكتملاً قبل نهاية الطريق، ويخبرنا كلما تكررت العثرات أن القادم أجمل، ولابد من وقت يرتاح فيه المتعبون.

نتخيل به الغد كل ليلة، ونتمنى أن يأتي مع فلق الصبح أو شمس النهار، ونعزّي أنفسنا حين يخذلنا أن هناك دائماً فرصة جديدة، وحظاً أوفر مهما طال الانتظار.

إنه الحلم، وذاك حال الحالمين، متنفس يخلق لحياتنا ألف معنى، وألف غاية، ويدفعنا لمواصلة الطريق رغم أشواكها وتعرجاتها، ويكافئنا القدير، جلّ وعلا، بتحقيقه قدر إخلاص العمل، وبذل الجهد والالتزام.

الأهداف العظيمة تبدأ بحلم صغير، يتحول لواقع وحقيقة، حين نؤمن بأن علينا دوراً لابد من القيام به، وعملاً شاقاً لا يحتمل تراخياً أو اتكالاً أو توقفاً في منتصف الطريق.

خيط رفيع بين الأحلام التي تطلق طاقاتنا، وتشحذ قوتنا، وتلك الأوهام التي يعيش فيها المتكاسلون ومن اختاروا البقاء على هامش الحياة.

الأحلام الكبيرة تحتاج إيماناً قوياً بأنفسنا وقدرتنا على بذل العرق لأجل تحقيقها، كما تحتاج تسليماً واطمئناناً بخيرية الأقدار، وحسن تدبير المولى، عزّ وجلّ، حين لا يكون الحلم مقدراً لنا.

احلموا في كل وقت بالأفضل والأجمل والأكثر وداً وعطفاً، احلموا بالمستقبل وبالحب الصادق وبالنجاح في كل محفل، واعملوا على تحقيق ما تحلمون به، وعلموا أولادكم كيف ينسجون الأحلام، ويتمسكون بها، وإن كان سقفها السماء، فحقاً «لم يغير وجه الدنيا سوى الحالمون».

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر