نعيشها أم نشاهدها؟

أمل المنشاوي

نشاهدها حين ننكمش على هامشها نرقبها من بعيد خوفاً من الفشل والألم والسقوط، فإذا بها تمر بالعمر والأحلام دون أن نعيشها ونختبر معها مواهبنا وقدراتنا على تحمُّل أوجاعها.

نشاهدها حين نترك الوقت يمر بلا جهد حقيقي وعمل دؤوب يمنحنا الراحة بعد يوم مليء بالسعي والامتثال لقوانين السماء وعدلها الأزلي بأن «لكل مجتهد نصيب».

نشاهدها حين نستسلم للعثرات والكبوات ونترك أرواحنا للهموم تنهشها وتسلبنا الشغف دون محاولة النهوض ومواصلة المسير.

نشاهدها حين نغلق الأبواب والنوافذ على الحب القديم والحلم الوحيد والفرصة التي لن تتكرر، حين نحرم أنفسنا براح الكون وصباحاته الملونة وبِشره بأن على الطريق فرصاً أفضل ونجاحات حقيقية وقلباً حنوناً ينتظرنا، وعقلاً متفتحاً يحتوينا ويعيد ثقتنا بالناس والأشياء، ويخبرنا كل وقت بأن الدنيا بخير.

نشاهدها حين نستأثر بنعم المولى عز وجل ظناً منا أنها ملكنا وحدنا، ونُضيع على أنفسنا تلك المتعة العظيمة في العطاء وفي مد يد العون لمن حولنا.

ونعيشها حين نقبلها بكل تفاصيلها، أوجاعها وأفراحها، انكساراتها وانتصاراتها، حزنها وسعادتها، فكل ما بها من وجع وألم في جوهره انتصار لها ولمغزاها والهدف منها.

نعيشها حين نقف في صف الغد والمستقبل والأمل في الأفضل، نعيشها حين تبكينا وجعاً وانهزاماً فنتعلم كيف نجفف الدمع السخين، ونخفي الوجع ونطبب الجراح بالصبر وننهض من جديد.

نعيشها حين يصدمنا الواقع بألوان قاتمة تطمس ألق الأحلام وبهجتها وقدرتها على تخيل المستحيل، حين يقيد قدرتنا على التحليق فوق المستحيل، فندرك لاحقاً خيرية الأقدار ولطف القدير بنا أنْ جنَّبنا ما لا يناسبنا.

نعيشها حين يفتك بنا الحزن ويقتلنا الحنين لمن رحلوا وتركونا، فنتذكر مرورنا العابر فيها وبأننا حتماً على ذات الطريق، فنوقظ ضمائرنا ونستعد بصدق لعظيم اللقاء.

هكذا الحياة، كل الأشياء وضدها، وكل منا يختار إما أن يعيشها ويتذوق شهدها ويتجرع علقمها ويفخر بنفسه في نهاية طريقها، أو يقبع على هامشها مكتفياً بمشاهدتها خائفاً من صنيعها دون أن يبادر هو بتطويعها، أو يحاول النيل يوماً منها.

الحياة ليست لمن يهابها أو يجلس على هامشها متفرجاً على أحداثها، الحياة بكل ما فيها لأولئك الشجعان الذين يعرفون قيمة الوقت والجهد وأهمية الجد والانضباط والالتزام، لأولئك الذين يتشبثون بأحلامهم ويفتحون نوافذ أيامهم، ويحسنون الظن بالمولى عز وجل، وينتظرون الخير والسعادة مع كل فجر.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر