على الرغم من المعاناة التي يتعرّض لها العمال

بنغلاديش أرخص الأمكنة لإعادة تدوير السفن في العالم

صورة

انتهت حياة محمد إدريس (38 عاماً)، كما عرفها في حوض لإعادة تدوير السفن في بنغلاديش، في الساعة 11.30 من صباح يوم السبت 11 أبريل عام 2015. وكان هذا الشاب المتخصص في تقطيع المعادن، يعمل مع 100 آخرين مثله في سفينة لنقل الحاويات تزن 19 ألفاً و600 طن، تسمى «يوروس لندن»، في حوض سفن تابع لشركة «فردوس ستيل كوربوريشن» في مدينة شيتاكونغ على ساحل بنغلاديش، عندما وقعت الكارثة.

العمل 14 ساعة يومياً

يعمل (إدريس)، الذي جاء إلى شيتاكونغ في بنغلاديش وهو في سن 14 عاماً، لمدة 14 ساعة يومياً، ستة أيام في الأسبوع، ويحصل على ما يعادل 17 درهماً يومياً، وهو واحد من آلاف العمال الذين تعرّضوا للأضرار في أحواض السفن هذه، التي يتم فيها إعادة تدوير السفن القديمة، منذ ظهورها في ستينات القرن الماضي. وليس هناك إحصاءات رسمية عن الوفيات والإصابات، ولكن مجموعات العمال تقول إنه خلال العقد الماضي وقعت 125 حالة وفاة.

وكانت مهمة (إدريس) تقطيع عَنَفة الدفع العملاقة التي تحرك السفينة، التي يبلغ وزنها 40 طناً، بواسطة آلة تطلق لهباً قوياً يقطع المعادن. وفجأة رن جرس الإنذار، كما يقول (إدريس)، عندما شاهد المنصة المعدنية الضخمة التي وضعت تحت العنَفَة لمنعها من الوقوع في الطين، وهي تتحرك. وقال (إدريس): «أخبرت المشرف علينا وكذلك عاملين آخرين، بأن تحرّك هذه المنصة خطر، لأنها يمكن أن تتحرك إلى الخلف عندما تقع عليها قطعة العَنَفة. وأخبرتهم بأني لا أستطيع القيام بهذا العمل، لكنهم أصروا على أن أنجز عملي»، وأطاع (إدريس) الأوامر، وكاد يدفع حياته ثمناً لذلك، إذ إن قطعة من عَنَفة الدفع سقطت على المنصة المعدنية، ودفعتها إلى الخلف، كما توقع، وأدى ذلك إلى بتر ساقه من تحت الركبة، وإصابة إحدى عينيه بالعمى، وكاد يكسر ظهره.

ودفعت له الشركة المسؤولة عن حوض السفن تكاليف العلاج في المستشفى، وأعطته 125 ألف تكا (5944 درهماً) تعويضاً، و460 تكا أسبوعياً لمدة تسعة أشهر. والآن أصبح مع سبعة من أفراد عائلته يتلقون الإعانة، ويعتمدون على ما يقدمه الأصدقاء من الصدقات. ولكن ومن خلال قضية قانونية رفعت ضد شركة «زودياك مارتايم»، وهي شركة شحن مقرها لندن كانت تدير سفينة يوروس لندن، قبل أن يتم بيعها كخردة، تبين أن الشركة يمكن أن تكون مسؤولة.

ونظراً إلى أن حيثيات القضية ترى أن ملاك السفينة ومديريها من البريطانيين والأميركيين والأوروبيين، يمكن أن يكونوا مسؤولين عن العديد من الحوادث والوفيات، التي تقع كل عام في أحواض السفن البنغالية والهندية والباكستانية، قامت شركة قانونية بريطانية، تدعى «لاي داي»، بمقاضاة «زودياك»، بتهمة الإهمال، لمصلحة (إدريس). وادعت الشركة القانونية أن «زودياك»، التي تدير نحو 150 سفينة ضخمة، كان يتعين عليها أن تدرك مدى خطورة أحواض تفكيك السفن في شيتاكونغ، عندما تم بيع السفينة كخردة لشركة «الخليج للخدمات البحرية» التي مقرها الولايات المتحدة، وهي شركة استثمارية. وقال مدير شركة «لاي داي»، مارتين داي: «تعرف شركة زودياك، أو يتعين عليها أن تعرف أن هناك خطراً متوقعاً لحدوث ضرر جسدي على العمال، عندما سمحوا ببيع سفينتهم إلى حوض سفن في شيتاكونغ عبر وسيط».

تعتبر شيتاكونغ حالياً

أضخم مركز لتفكيك

السفن وبيعها

كخردة في العالم.

وفي العام الماضي

تمت إعادة تدوير

230 سفينة، حيث تم

الحصول من خلالها

على 10 ملايين طن

من الحديد، ما يعادل

60% من إجمالي

الحديد المستخدم

في بنغلاديش.

ويقول أنصار البيئة والنقابيون، إن ثمة حاجة إلى اتخاذ إجراءات قانونية جديدة، بسبب العدد المتزايد من الوفيات والأضرار التي تصيب العمال. فمن ناحية، فإن إعادة تدوير السفن هي واحدة من أكثر الصناعات احتراماً للبيئة، نظراً إلى أنه تتم إعادة تدوير كل صمولة، وكل برغي وكل صفيحة معدنية من جسم السفينة. وهي توظف مئات الآلاف من الأشخاص في عدد من أكثر دول العالم فقراً. ولكن النقاد يقولون إن مالكي السفن، يدركون أن هذه الصناعة تسبب معاناة قاسية للعمال عن طريق إرسال سفنهم، لإعادة تدويرها على الشواطئ الآسيوية. وأرسلت الشركات، التي تعمل في بريطانيا، 28 سفينة لتتم إعادة تدويرها في آسيا خلال العامين الماضيين، حيث تم إرسال ست منها إلى مدينة شيتاكونغ، كما أن هناك سفينتين تنتظران تفكيكهما في هذا الحوض، كانتا تعملان تحت إدارة «زودياك».

ويقول مدير منظمة «شبريكنغ بلاتفورم»، وهي ائتلاف مقره في بروكسل للدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان وحقوق العمال، أنغفيلد جينسين، معلقاً: «يحمي ملاك السفن أنفسهم من المسؤولية، عن طريق بيع السفن التي يريدون التخلص منها عبر وسطاء. وهم يبيعونها لأكبر سعر يحصلون عليه»، وأضاف «جميع السفن التي تصل إلى أحواض السفن، في كل من بنغلاديش وباكستان والهند، تأتي من خلال الوسطاء، وجميع صفقات البيع التي تتم عن طريق الوسطاء هي صفقات خردة، وهذا يعني أن هذه السفن سيتم إرسالها إلى أحواض السفن لتفكيكها وإعادة تدويرها على أيدي العمال البسطاء».

ويتم التخلص من نحو 800 سفينة ضخمة سنوياً، حيث يجري بيعها كخردة إلى أحواض سفن تقوم بإعادة تدويرها. وتذهب غالبية هذه السفن إلى الشواطئ الآسيوية. ويستطيع ملاك هذه السفن الحصول على ما بين مليون وأربعة ملايين دولار إضافية لكل سفينة، عند بيعها لأحواض السفن الآسيوية عن طريق وسطاء، بدلاً من بيعها إلى أحواض إعادة تدوير يتم فيها العمل بأرفع معايير وتدابير السلامة، كما يقول جينسين، الذي أضاف: «ليس هناك من يجبر هؤلاء الملاك على إرسال سفنهم كخردة ليتم تفكيكها في أحواض الشواطئ الآسيوية. وإنما هم الذين يختارون بإرادتهم إرسالها إلى هناك».

وتعتبر شيتاكونغ حالياً أضخم مركز لتفكيك السفن وبيعها كخردة في العالم. وفي العام الماضي تمت إعادة تدوير 230 سفينة، حيث تم الحصول من خلالها على 10 ملايين طن من الحديد، وهو ما يعادل 60% من إجمالي الحديد المستخدم في بنغلاديش. ويهاجر معظم العمال من المناطق الريفية، ويتم تشغيلهم كمجموعات، وهم يعيشون في أكواخ مكتظة، قريبة من أحواض السفن التي يعملون فيها. ويشبه حوض الفردوس لتفكيك السفن غيره من الأحواض الأخرى. وهو مختفٍ خلف بوابات معدنية شاهقة العلو، وينحدر نحو خليج البنغال. ويستغرق العمال الشبان أشهراً عدة حتى يتمكنوا من تفكيك سفينة كبيرة، باستخدام المطارق الكبيرة وقاطعات المعادن عن طريق استخدام اللهب.

ويقول المشرف على منصة تفكيك السفن في حوض الفردوس، محمد علي شاهين: «شيتاكونغ هي أكثر الأماكن رخصاً في العالم، لتفكيك السفن وتحويلها الى خردة، ولكن هذا السعر المنخفض يقود إلى معاناة شديدة يتكبدها العمال، إذ إن القانون في بنغلاديش لا يمنح العمال أية حماية تذكر»، كما يقول شاهين، مضيفاً «قوانين الاتحاد الأوروبي تمنع تفكيك السفن التي تحمل أعلام دول الاتحاد الأوروبي في أحواض السفن الآسيوية، ولكن نظراً إلى أن ملاكها يستطيعون بيسر وسهولة تغيير العلم الذي تحمله السفينة، فإن ذلك يجعل تلك القوانين قليلة التأثير».

تويتر