تعتبر دولة محورية في منطقتها

تنشيط الشراكة مع كينيا بوابة بايدن لتجديد الدبلوماسية الأميركية مع إفريقيا

صورة

باتت الجملة التي دأب معظم الرؤساء الأميركيين على تكرارها، والتي مفادها أنهم سيركزون على تطوير إفريقيا، مملة تقريباً، إلا أنهم جميعاً فشلوا في تحقيق أي شيء يُذكر. وقام الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بزيارة مدتها 10 أيام لدول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية، وقال واعداً «الولايات المتحدة مستعدة الآن لتقديم المساعدة لكم»، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية في حينه مادلين أولبرايت متفاخرة في 20 أكتوبر 1999 «إدارتنا أمضت من الوقت والاهتمام والمال على إفريقيا أكثر من أي إدارة أخرى»، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإنه كذلك بسبب الإهمال الكبير للإدارات السابقة. ومع ذلك، وبعد إدارة كلينتون التي استمرت لثماني سنوات، لم يكن لدى الولايات المتحدة الكثير من الإنجازات في القارة الإفريقية، مع أن كلينتون استثمر أكثر بعد خروجه من السلطة في تنمية هذه القارة.

بوش الابن

وربما كان الرئيس جورج بوش الابن، هو أكثر رئيس أميركي يكرس جهده لإفريقيا، على الرغم من أن أحداث 11 سبتبمر وغزوه للعراق هي التي ألقت بظلالها على إرثه في البيت الأبيض. والتقى مع 25 رئيس دولة إفريقياً خلال أول عامين له في البيت الأبيض، ورفع المساعدات الأميركية لإفريقيا إلى مستويات قياسية. ولكن الإرث الأعظم الذي تذكره القارة الإفريقية لبوش الابن هو التزامه المستمر في محاربة وباءي الإيدز والملاريا. ولم يكن التزامه بإفريقيا لمجرد موقف إعلامي.

وعلى الرغم من أن العديد من الرؤساء أمضوا معظم وقتهم بعد التقاعد للعب الغولف أو إلقاء الخطابات التي تدر عليهم أموالاً طائلة، إلا أن بوش الابن استمر في تقديم المساعدة في برامج مختلف أنواع المساعدات والتنمية لإفريقيا، حتى بعد تقاعده من الإدارة، دون إثارة أي ضجة بقدر ما كان يفعله كلينتون، وكان يتقصد عدم الظهور أمام الأضواء وأجهزة الإعلام.

وكانت قارة إفريقيا بأكملها تأمل أن يركز الرئيس الأميركي باراك أوباما اهتمامه بالقارة الإفريقية خصوصاً بسبب علاقات عائلته بدولة كينيا. ونشرت مؤسسة «ناشيونال بابلك راديو» الأميركية على سبيل المثال، تقريراً يتحدث عن جذور أوباما في كينيا خلال حملته الانتخابية، وخلال الاحتفالات بانتخابه، وكانت «الآمال والتوقعات بأن إدارة أوباما ستساعد هذه القارة التي تعتبر هي الأفقر في العالم»، وبالتأكيد فإن الرجل لم يخيّب الآمال من خلال خطاباته، حيث قال في أحد خطاباته «لقد حان الوقت كي نغير الصفة النمطية لقارة إفريقيا، باعتبارها غارقة في الفقر والصراعات. ويجب على العالم أن يعترف بتطور إفريقيا الاستثنائي» ووعد بتقديم الكثير من المساعدات لقارة إفريقيا، ولكنه في نهاية المطاف فعل القليل مقارنة بالصين والهند، وحتى تركيا. وفي واقع الأمر فإن معظم إرث أوباما في القارة السمراء هو حرب الطائرات بلا طيار والأمن أكثر من الاقتصاد والتجارة.

ترامب لم يهتم

وأما الرئيس السابق دونالد ترامب فلم يهتم كثيراً بإفريقيا، وانتقدها بقوة واصفاً دولها بأنها دول «القذارة» ولكن بالنظر إلى سنواته الأربع الصاخبة، في البيت الأبيض، وخلف رفضه، وقلة تركيزه، وانفجارات وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قام فريقه بعمل مهم. فقد عمل مستشاره للأمن القومي، جون بولتن، على وضع استراتيجية جديدة لإفريقيا تدعو إلى التنافس مع المواجهة مع الصين، وكانت تركز تماماً على المصالح الأميركية وأعربت عن الرغبة في العلاقة التكافلية، وليس تلك التي تعتمد على المساعدات مع دول القارة.

ومن ناحية حدسية يبدو أن ترامب نفسه قد تبنى مفهوم الدول المحورية، مثل نيجيريا وكينيا. وكان بعض هذه الدول، يعتبر الأكثر نفوذاً في منطقته، إذ إنها كانت ترسل الرسائل إلى واشنطن عبر سفراء الولايات المتحدة، وربما من خلال سفاراتها في واشنطن، وفي الواقع فإن اتصالات هذه الدول كانت تتعثر غالباً نتيجة البيروقراطية الأمنية في وزارة الخارجية الأميركية. ولكن في ظل إدارة ترامب كان قادة الدول الإفريقية المهمة، يتجاوزون وزارة الخارجية ويصلون إلى البيت الأبيض مباشرة.

وكانت ردة فعل الرئيس الأميركي جو بايدن السريعة إثر وصوله إلى السلطة، هي القيام بعكس كل ما كان يقوم به ترامب، ولكن في ما يتعلق بإفريقيا، عليه البناء على كل أمر ناجح حققته إدارة ترامب. وبمجرد مغادرة وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو الوزارة، سعى العديد من دبلوماسيي مكتب شؤون إفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأميركية، إلى التركيز على تنافس الدول العظمى، والعودة إلى الوضع السابق المتمثل في توزيع المساعدات، كموظفي مساعدة إنسانية ويحملون جوازات سفر دبلوماسية.

غطرسة

ولا تحتاج إفريقيا إلى مثل هذه الغطرسة أو الاستعلاء الأميركي. ولقد كانت معاملة ترامب لكينيا باعتبارها دولة محورية في مكانها تمثل قراراً حكيماً، ويجب على بايدن الاستمرار في ذلك وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. وكما تلعب المغرب دور واحة الاستقرار في شمال غرب إفريقيا، فإن كينيا يمكن أن تلعب الدور ذاته في شرق إفريقيا، إذ إن إثيوبيا تعاني بعض الاضطرابات، كما أن الصومال لاتزال تعاني الفشل، وأما دولة جنوب السودان، فهي حديثة العهد بوجودها في المنطقة، وأما موزامبيق فإنها تواجه اضطرابات ناجمة عن أفرع «داعش» في إفريقيا.

ومن الناحية الاستراتيجية، فإن كينيا دولة حيوية، كما أنها تعتبر العمود الفقري لمهمة الاتحاد الإفريقي في الصومال. وفي الوقت الذي تتعاون فيه قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا مع كينيا ثمة متسع كبير لتوسيع هذا التعاون. وفي مارس 1997 شكلت الدول المطلة على المحيط الهندي «اتحاد ريم للدول المطلة على المحيط الهندي»، والذي انضمت إليه الولايات المتحدة، إضافة إلى الصين كشريكين في الحوار. ولكن الولايات المتحدة، والبنتاغون بصورة خاصة، كانت تقوم بطرح نقاش حول المحيط الهندي، وتركز على أستراليا ودول جنوب آسيا وتتجاهل دول إفريقيا، ولهذا فإن تعزيز العلاقات والشراكة مع كينيا من شأنه أن يحل هذه المشكلة.

كينيا الأسرع نمواً

وعلى الرغم من أن الدول الإفريقية الأخرى يمكن أن تكون مضيفة طبيعية لأي قاعدة أميركية، إلا أن الشراكة الأميركية الكينية يجب ألا تقتصر على الأمن. إذ إن كينيا ليست من أكبر اقتصادات إفريقيا فقط، وإنما أحد أسرعها نمواً. ولا يعتمد اقتصاد كينيا على استخراج النفط، والغاز، أو صناعة المناجم فقط، وإنما على حزمة من السياحة، والزراعة، والصناعة، والنقل والتكنولوجية التي تتقدم بإطراد. وإذا اتبع بايدن خُطى ترامب وركز على أن الأعمال والتجارة هي رأس الحربة في السياسة الأميركية، فلن يكون هناك أي مكان يمكن أن تزدهر فيه هذه السياسة أكثر من كينيا. وقبل عامين زرت الجامعة الأميركية الإفريقية الدولية في نيروبي لإلقاء محاضرة. وأظهر الطلبة الحاضرون إضافة إلى الطاقم التدريسي قدراً مذهلاً من الطاقة والنشاط. وإنه لأمر سيّئ للغاية بالنسبة للولايات المتحدة أنها لم تتعرف على الفرص التي يمثلها جيل الشباب من الكينيين.

وإذا كان بايدن سينفذ وعوده المتمثلة في تجديد الدبلوماسية الأميركية، فإنه الوقت المناسب من أجل الشراكة مع إفريقيا. وعليه التخلي عن الممارسات السابقة والمتمثلة في القيام برحلات قليلة الى إفريقيا، واستخدامها كخلفية جميلة لتقديم وعود فارغة، وبدلاً من ذلك عليه تعزيز العلاقات مع الدول المحورية التي يمكن أن تكون مراكز ليس للشراكة التجارية الأميركية فقط وإنما للقضايا الأمنية أيضاً. ولو أنه فعل ذلك فإنه لن يجد أفضل من كينيا كبداية.

مايكل روبين - باحث وكاتب أميركي

تويتر