هولاند وباتنسون يتباريان أداءً

«الشيطان كل الوقت».. صراع النفاق الديني والآثام في أبشع صورة

صورة

فيلم The Devil All the Time، «الشيطان كل الوقت»، وهو من إنتاجات نتفليكس الأصلية، ومقتبس من رواية لدونالد راي بولوك المنشورة عام 2011 وتعد روايته الطويلة الأولى بعد سلسلة قصص قصيرة؛ يحكي قصة جيلين تأثرا بالعنف وسط الولايات المتحدة. يوثق الفيلم كيف يختلط الإيمان بالشر خلال السنوات وكيف يستغل رجال الدين الناس لارتكاب جرائم بشعة.

استخدم مخرج الفيلم أنطونيو كامبوس كاميرا سينمائية لتصويره وليس كاميرا الشرائح الرقمية، وكان هذا من قراراته الذكية لإبراز العنف وجعله محسوساً وملموساً أكثر للمشاهد. هذه قصة حزينة وعنيفة وتأخذ منحى ظلامياً أكثر مما ينبغي للكثير من المشاهدين. هذه قصة عوائل عدة تأثرت بجرائم قتل وتراجيديا.

هي قصة آباء وأبناء، يعود ويلارد راسل (السويدي بيل سكارسغارد) إلى المنزل في نوكيمستيف بولاية أوهايو من الحرب العالمية الثانية محملاً بأثقال اضطراب ما بعد صدمة الحرب.

صدمته النفسية اختلطت بالإيمان جزئياً بسبب اليوم الذي مر فيه بجانب رجل مصلوب في جزيرة في المحيط الهادئ حررتها الولايات المتحدة من اليابان، وكان الرجل المصلوب على قيد الحياة لحظة العثور عليه.

عندما ينظر ويلارد إلى صليب في الغابة خارج منزله فإنه يتذكر ذلك المنظر الكئيب على الجزيرة المحررة. ابن ويلارد اسمه آرفن (مايكل بانكس ريبيتا) وتحتل قصته الجزء الأول من الفيلم عندما كان في التاسعة من العمر.

والدة آرفن تدعى شارلوت (هيلي بينيت)، تمرض وعندها تتحول كل أجواء الفيلم إلى القتامة الشديدة بشكل مميز ولافت للنظر، وتظهر بشكل واضح الخطوط الفاصلة بين الحياة والموت والطقوس المصاحبة لها في النص. يعلم ويلارد ابنه كيف يرد على العنف بعنف مماثل ويعلمه أن التضحية بشيء ما قد تكون أحياناً جواباً مقبولاً لمواقف في الحياة.

المذكور أعلاه يكفي لفيلم كامل لكنه في الحقيقة ليس سوى جزء يسير من قصة الفيلم الممتدة 130 دقيقة. من تلك المشاهد الواعدة في بداية الفيلم، يأخذ كامبوس وشقيقه باولو، اللذان اقتبسا الرواية، الفيلم في اتجاهات متفرعة عن أناس ترتبط قصصهم بقصة راسل، ومنها قصة شرطي فاسد يسمى لي بوديكر (الرائع سباستيان ستان خارج بدلة باكي بارنز)، وشقيقته ساندي (رايلي كيو، حفيدة المغني الأيقونة ألفيس بريسلي) المتزوجة بقاتل سفاح اسمه كارل (جيسن كلارك).

ثم تقفز القصة ثمانية أعوام إلى الأمام 1965، ونرى آرفن شاباً اشتد عوده يجسده توم هولاند. آرفن مازال يعيش في نوكيمستيف ويحاول حماية أخته بالتبني لينورا (إليزا سكانلين)، والتي كانت أمها (ميا واسيكوسكا) ضحية جريمة قتل ارتكبها قس (هاري ميلينغ).

ثم تأتي قصة قس آخر فاسد اسمه بريستون تيغاردن (روبرت باتنسون) لتدخل النص، وعلى آرفن أن يقرر إن كان قادراً على إيقاف دورة العنف.

«الشيطان كل الوقت» فيلم دسم، وبخلاف فيلم «باور بروجيكت» على نتفليكس أيضاً، فإنه يتسع بما يكفي لاستيعاب كل أحداثه. أول نصف ساعة غريبة جداً وغامضة ولا تكشف نوع الفيلم، إذ تظنه رعباً أو دراما سياسية عن شرطي فاسد يحاول كسب الانتخابات المحلية أو ربما هو قصة قاتل متسلسل يختار ضحاياه بعناية مع زوجته قبل أن تعود القصة إلى آرفن، لتقول في نفسك ربما هي قصة هذا المراهق الذي يحاول تجاوز محنة موت والديه.

الفيلم بطيء إلى حد ما لكنه ليس مضجراً، لأن المشاهد يشعر بوجود شر غامض في القصة ويريد اكتشافه. كل مشهد يمر ثقيلاً وتفوح منه رائحة موت أو غدر. لا يشرق الفيلم مطلقاً وإنما يغوص أكثر في الظلام والقتل والدماء والبؤس.

الفيلم بحاجة إلى صبر حتى تتضح الصورة الكاملة إذ سيشعر المشاهد ببعض التشتت أثناء الانتقال من قصة إلى أخرى، لكن هناك الكثير من التفاصيل المعقدة والمثيرة للاهتمام. يوجد أداء قوي في كل قصة حتى من ممثلين لم يحصلوا على وقت كافٍ على الشاشة. سكارسغارد في دور رجل يعاني اضطراب ما بعد الصدمة يقلق لأنه يظن أن الله لا يسمعه ولا يستجيب له. يثبت هولاند أن الدراما أفضل له من «سبايدرمان» ويظهر قدرات لم نرها منه سابقاً، ولم تكن متوقعة أصلاً.

كيو وكلارك شريكان مزعجان في جرائمهما، وهناك المبدع المتألق باتنسون (باتمان القادم) وهذا ممثل قد لا يعرفه الكثيرون لكنه يظهر عاماً بعد آخر أنه الأحق بجوائز الأوسكار المنحازة في تصويتها للسياسة بعيداً كل البعد عن الفن.

هذا فيلم أداء، ورغم أن باتنسون يظهر أداء مصطنعاً نوعاً ما أكثر من زملائه، إلا أن على المشاهد تفهم أن الرجل يريد تجسيد شخصية قس مخادع يريد إخفاء خوائه الروحي والفكري أمام أتباعه المخلصين علناً، وإبراز غريزته والجانب المظلم منه خفاء. هذه الفكرة العامة للفيلم وهي تصادم بين الدين والآثام.

الفيلم لن يتحمله البعض لكنه جيد جداً في مجمله، وقد يكون تحفة لو كان مسلسلاً قصيراً. يحضر الفيلم إلى الذاكرة فيلمين: الأول Frailty عام 2002 الذي أخرجه الراحل بيل باكستون، وهو عن رجل متدين يتحول إلى قاتل لأنه يظن أن ربه يأمره بذلك.

الآخر Live By Night من إخراج بين أفليك عام 2016 ولا يشبه هذا الفيلم إلا من ناحية كثرة الشخصيات وغزارة تفاصيل القصة، لكن أفليك أخفق في التركيز إذ حشر تفاصيل كثيرة في ساعتين لم تكونا كافيتين أبداً لهذا النوع من القصص الأقرب إلى ملاحم، بينما نجح كامبوس في ذلك إلى حد كبير أو أكبر من أفليك.

يذكر أن مؤلف الرواية نفسه يروي الفيلم بصوته، وهو قرار لم يكن موفقاً بالكامل إذ لم يكن الفيلم بحاجة إليه، لكن الغرض الوحيد الذي خدمه هو إضفاء نوع من القتامة بصوته الأحادي النبرة على الجو العام للفيلم.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


- هذه قصة حزينة وعنيفة وتأخذ منحى ظلامياً أكثر مما ينبغي للكثير من المشاهدين.

- يوجد أداء قوي في كل قصة حتى من ممثلين لم يحصلوا على وقت كافٍ على الشاشة.

تويتر