عاملات منازل في بريطانيا يعشـــــــن كالعبيد

إصدار نحو 16500 تأشيرة دخول للخدم إلى بريطانيا سنوياً. أرشيفية

بعد أقل من أسبوع على وصولها إلى بريطانيا قادمة من إفريقيا، أدركت روز أنها ارتكبت خطأ جسيماً، ففي البداية تم سلبها رب عملها جواز سفرها، وبعدها ذهبت الوعود التي قُدمت لها أدراج الرياح، وبعد ذلك، تحولت الإهانات إلى صفعات. وفي أحد الأيام، دعتها المرأة التي تعمل عندها، لكنها لم تجبها، وعند مجيئها، تقول روز «جرتني من الطابق الثاني حتى الأرضي وضربتي. وكلما زاد صراخي من شدة الألم، تزايد ضربها لي، وقالت لي اسكتي، فقلت لها أنت لايُسمح لك بضربي في هذا البلد، لأن الشرطة ستأتي».

لم تأت الشرطة، لأن عذاب عمال المنازل يمر من دون أن يلاحظه أحد. ويتم إصدار نحو 16500 تأشيرة دخول للخدم إلى بريطانيا سنوياً، حيث يعملون في خدمة البيوت أو رعاية الأطفال أو العناية بالحدائق أو طباخين، ويعيشون في منازل خاصة، ويلقى بعضهم معاملة طيبة. لكن، نظراً لانعزالهم واعتمادهم على أرباب عملهم والغموض الذي يلف حقوقهم، فذلك يجعلهم عرضة للمعاملة السيئة.

جاءت روز إلى بريطانيا لتعمل مربية أطفال، واعتقدت أن الأجر الذي ستتقاضاه قد يساعدها على تعليم أشقائها وابنتها في الوطن، لكنها حُرمت من الحصول على أجرها، وأُجبرت على العمل خادمة. وقالت «كنت أعيش في سجن أو قفص، ولا عائلة ولا أصدقاء، ومرّت عليّ أيام فكرت في الانتحار». ولكن، لحسن حظ روز، لم تذهب صرخاتها هباءً، ففي أحد الأيام، سمعت جارتها ابيجيل صرخاتها التي صارت مألوفة لها، تسمعه يومياً.

وفي اليوم التالي، شاهدت روز في الحديقة، فسألتها عن مصدر الصراخ، ولاحظت انتفاخ عينيها، وقالت ابيجيل «عندما قالت لي إنها تتعرض للضرب أصابني الرعب، فأنا لا أصدق ما كان يجري في المنزل المجاور لي». وأخذت ابيجيل رقم هاتف روز النقال، وساعدتها على الهروب إلى منزل آمن. وقامت ابيجيل بتعريف روز على منظمة كالايان الخيرية التي تدافع عن حقوق عمال المنازل، حيث يجري تسجيل نحو 350 عاملاً منزلياً في المنظمة الخيرية سنوياً. وتقول المدافعة عن نزلاء «كالايان» كاميلا بروان، «عندما يأتي إلينا هؤلاء العمال، تكون هذه المرة الأولى التي يتحدثون فيها عن قصتهم. وهم يشعرون بالخوف، ومن الصعب عليهم أن يثقوا بأننا لسنا جزءاً من النظام الذي جاء منه أرباب عملهم».

حقائق مرعبة
وتراوح هذه القصص التي يرويها هؤلاء العاملون في المنازل ما بين إجبارهم على النوم في الحديقة، إلى شرب المنظفات بهدف الانتحار من شدة اليأس. ويكسب 52٪ من هؤلاء العاملين 50 جنيهاً استرلينياً أسبوعياً. وينشر تقرير منظمة كالايان السنوي حقائق مرعبة كثيرة، إذ ليس لدى 60٪ من عمال المنازل عطلة، ولا يسمح ل 59٪ بالخروج من المنزل من دون إشراف، وليس لدى57٪ منهم غرفة خاصة.

وبالنظر إلى أن عمال المنازل يأتون بتأشيرات فردية، وليس عبر وكالات تشرف على إحضارهم، ليس هناك من يلجأون إليه، ويؤدي هذا العزل عن الناس إلى حرمانهم من الإنترنت التي يتواصل بها عمال المنازل. ويعتمد معظم هؤلاء على المصادفات ولطف أرباب عملهم في الوصول إلى المنظمات الخيرية.

وتبتسم بيلا (أم من لندن)، وهي تتذكر في «كالايان» لقاءها الأول مع العاملة سي، عندما تحدثت بصورة عابرة مع مربية الأطفال الإندونيسية، بينما كانت تقدم لطفلتها الصغرى قطع البطاطا المقلية «شيبس». وتقول بيلا «سألتها إذا كان لديها عمل جيد، فأجابتني (جيد جداً)، وهي تذرف الدموع، وبعد ذلك، قالت إنها لست سعيدة جداً، ثم نظرت حولها بتوتر، وقالت لي إن (سيدتي قادمة الآن، من فضلك ساعديني). وعرفت لاحقاً أن هذه المرأة تعمل سبعة أيام في الأسبوع، ولا تدرك حقوقها، وكانت تبدو كأنها معزولة عن العالم.

حقوق
ولم تكن سي لوحدها، فمن الواضح أن قضية حقوق عمال المنازل تحتل مكاناً ضبابياً في قانون التوظيف البريطاني، وهو ما تسعى كالايان لتغييره. وتقول براون «تعاونت كالايان مع منظمتي (أوكسفام) و(تي يو سي) لمطالبة لجنة الحد الأدنى من الأجور بتعديل قانون الحد الأدنى من الأجور، ونحن نريد إزالة أي شكوك بشأن حصول عمال المنازل على الحماية الأساسية».

وتقول العائلات التي تتصل بلجنة الحد الأدنى للأجور إن اللجنة تخبرهم دائماً إذا تمت معاملة عامل المنازل لديهم كأحد أفراد الأسرة ليس هناك حاجة للتقيد برفع الحد الأدنى للأجور.، لكن وكالة الحدود (الدنيا والعليا) البريطانية تؤكد أن عمال المنازل يتمتعون بحماية قانون التوظيف البريطاني.

ويشير هذا التخبط إلى أن القضايا التي رفعها عمال المنازل ضد أرباب عملهم يمكن أن تستند إلى حقائق، مثل ما إذا كان أرباب عملهم اشتروا لهم «آيس كريم» عند خروجهم في مشوار معين، أم جعلوهم يحملون الأمتعة فقط. وهذا النوع من المحاكمات صعب جداً، لأنها تنال من سمعة رب العمل، وهم غالباً من المحامين والأطباء، ويحظون باحترام كبير في مجتمعاتهم، ويحل معظم هذه القضايا خارج المحكمة. وتقول ابيجيل إن ربة عمل روز كانت شخصية محترمة في مجتمعها، ومن الصعب تصديق إنها تتصرف بهذه الصورة مع روز.

وبالنسبة لروز، فإن إصدار أي حكم لمصلحتها، والوعود بدفع أجرها في أسرع وقت ممكن هو كل ما تحتاج إليه، لتستعيد ثقتها بنفسها. وهي تخطط للحفاظ بوثائق المحكمة، لتريها لابنتها عندما تعود إلى إفريقيا. وتقول «لا أستطيع أن أشرح لها ما أتعرض له في هذه الأيام، فهي لاتزال صغيرة السن، لكني لا أريدها أن تظن بأني لا أحبها، ولا أريدها أن تتعرض لما تعرضتُ له».

تعذيب جسدي
تظهر الإحصاءات أن 58٪ من عمال المنازل يتعرضون لمشكلات نفسية، مثل ماري التي تعرضت لإساءة متواصلة من ربة عملها.

وكان ربع هؤلاء العاملين قد تعرضوا للتعذيب الجسدي خلال العام الماضي، كما حدث مع روز، و6٪ تعرضوا للاعتداء الجنسي، كما حدث مع الفتاة الفلبينية جي، وقد انهارت هذه الفتاة، وهي تصف الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له، وتأمل ألا يعرف ذلك زوجها. وكما هي حال 2000 من عمال المنازل الذين دخلوا بريطانيا العام الماضي، اضطرت لتحمل الكثير من اضطهاد العائلة التي تعمل لديها، فهم يبصقون عليها، ويحرمونها من الطعام، حتى باتت على وشك الهلاك جوعاً، وليس لديها إمكانية الحصول على الرعاية الصحية. تقول جي، «لو كنت كلبة، لقدموا لي طعاماً أفضل مما أحصل عليه الآن».

وعندما اعتدى عليها ابن رب عملها جنسياً للمرة الثانية، قالت «كان لدي هاجس بأن أمراً سيحدث، فحاولت إغلاق الباب، لكنه كان أقوى مني. كان أمراً قذراً ولا يبارح مخيلتي». وفي إحدى المرات، هربت جي من بيت العائلة التي تعمل لديها ولم تعد إليه. ولأنها لا تملك جواز سفر ووحيدة، ولاتستطيع التكلم بالإنجليزية، أخذت تتجول في الشوارع، وشاهدتها وقتها عاملة منزلية أخرى، وسألتها إذا كانت تريد المساعدة. وأمضت جي ثلاثة أسابيع في منزل المرأة، ولم تكن تجرؤ على الخروج، خوفاً من احتمال عثور رب عملها عليها. وفي نهاية المطاف أخذتها صديقتها الجديدة إلى منظمة كالايان، وتقول «أشكرهم جداً، لأنهم ظهروا في حياتي، حيث أعادوا لي الثقة». وترى نساء مثل جي أن الحصول على رقم هاتف بطريقة ما قد يكون الطريقة الوحيدة للخروج من المعاناة. وتعتقد روز أن اهتمام العامة وحملات الجمعيات الخيرية، مثل كالايان، سيمنع حدوث هذه العبودية السرية في الحياة اليومية.

 
تأشيرات الخدم الدبلوماسية
يرى عاملون في المنازل في بريطانيا أن الكنائس تمثل ملاذاً مؤقتاً للنجاة مما يعانون منه، ومنهم ماري التي لاحظ مرتادو كنيسة في قرية في جنوب بريطانيا أنها تغادر الكنيسة قبل نحو 10 دقائق من نهاية الصلاة، وبعد أشهر، اتضح أن أرباب عملها يصرون على أن تفعل ذلك.



وبعد مرور سنوات على عملها لدى عائلة دبلوماسي بريطاني في إفريقيا، رافقت ماري العائلة لدى عودتها إلى وطنها، وطُلب منها أن تحضر معها أدواتها التي تستخدمها في الحمام، وإذا نفد منها معجون الأسنان لا يسمح لها باستخدام معجون أسنان الأسرة، ولم تتمكن من مشاهدة أي شيء من هذه البلاد التي سمعت الكثير عنها، ولا يُسمح لها باستخدام الهاتف للحديث مع أمها، ولا يُسمح لها باستخدام حمام الأسرة في الليل، لدرجة أنها كانت ترفض شرب الماء والشاي مساءً حتى لا تحتاج إلى الدخول إلى الحمام الممنوع عليها الاقتراب منه ليلاً.

وليست معاناة ماري وحيدة ضمن العاملين في المنازل الذين يأتون بتأشيرات دبلوماسية. تقول كاميلا بروان «يكون هؤلاء العاملون عرضة للإساءة أكثر من غيرهم من عمال المنازل، لأنهم يكونون مرتبطين بأرباب عملهم، ولا يستطيعون التخلص منهم، ويكون نحو 88٪ من العاملين القادمين بتأشيرات دبلوماسية يشاهدون في منظمة (كالايان)، ولايستطيعون الحصول على جوازات سفرهم، مقارنة بـ 58٪ من بقية عمال المنازل». وعلى الرغم من أن ماري كانت تستطيع رفع دعوى ضد رب عملها، إلا أنها رفضت ذلك، وقالت إنها لاتريد إلا شيئاً واحداً من هذا العالم، هو العودة إلى وطنها. وتقول بروان «يرى عديدون من عاملي المنازل أنهم لايتصورون رفعهم دعاوى ضد أرباب عملهم، فهم يخشون أن يقعوا تحت رحمتهم في مرحلة لاحقة».

تويتر