أزمة تزداد لمعاناً


 لايزال المعدن الأصفر يزداد بريقاً، ولاتزال أوقية الذهب تقفز في سعرها حتى تجاوزت 923 دولاراً، إذ هرع المستثمرون عالمياً إلى ما كانوا يسمونه «الملاذ الآمن»، بعد أن تراجع الدولار، وتأزم الاقتصاد الأميركي، وزادت السيولة بسبب ارتفاع أسعار النفط.. هذه الأسباب الثلاثة قفزت بأسعار الذهب، وجعلت الخبراء يتوقعون مزيداً من الارتفاع، وربما يصل سعر الأوقية إلى 1000 دولار، ليصبح أغلى سعر لها منذ أن وجد الناس «التبر» وعرفوا قيمة المعادن!

وهذه ليست المرة الأولى التي يحلّق فيها سعر الذهب، إذ شهدت السبعينات من القرن الماضي ارتفاعاً مختلفاً في القيم، لكنه متشابه في الأسباب تماماً، ففي ذلك الوقت كان الاقتصاد الأميركي يواجه صعوبات جمة، وكانت أسعار النفط مرتفعة، إذ وصل سعر البرميل عام 1974 إلى 38 دولاراً، وهو يعادل بعد حساب التضخم 103 دولارات في وقتنا الحالي، كما أن أزمة مصرفية وعقارية حدثت في تلك السنة أيضا، ما يعني أننا بعد أكثر من 30 عاماً، نعيش الحالة الاقتصادية نفسها بأسبابها ونتائجها، وندرك تماماً أن في التاريخ دروساً أهم بكثير مما يدرسه الطلاب في كليات الاقتصاد والأعمال!

ارتفع الذهب بعد مخاوف عالمية من حدوث ركود تضخمي، وهو عادة ما يتبع التضخم السعري والسلعي، وبعد دروس السبعينات الملفت في الأمر أن الاتجاه الوحيد هو نحو الأزمة، كمن يسير إلى الحافة ويتوقع السقوط، لكنه لا يقوى على تغيير مساره، وهذه حال الاقتصاد العالمي الآن، وما لم يتراجع سعر النفط، وينهض الدولار من كبوته، ويكبح التضخم، ستبقى أسعار الذهب تصعد، ناثرة آثار هذا الارتفاع على الجميع.

وإلى جانب تأثير ذلك الارتفاع على المستثمرين والاقتصاد العالمي، هناك دائرة ضيقة اقتصادياً، واسعة اجتماعياً من دوائر آثار ارتفاع أسعار الذهب، ذلك أن محاولات الزواج في الوطن العربي ستصبح صعبة للغاية، إذ إن هذه الشعوب تقدر الذهب وتقايض «مكانة» العائلة وجمال العروس بمقدار ما يشتري العريس «السعيد» من الذهب!
 
وفي الإمارات، تراجعت مبيعات الذهب لأكثر من الربع بعد صعود الأسعار، وأقصد هنا ذهب الحلي والمجوهرات وليس السبائك، وهو مؤشر واضح على التأثير الاجتماعي لذلك الارتفاع، حتى أن كثيراً من الشباب قرروا تأجيل حفلات زواجهم لحين هبوط الأسعار، فيما عمد آخرون إلى شراء ما يعرف بـ«الذهب الروسي» من دول عربية مجاورة، وهذا الأخير ذهب غير نقي ولا إثبات لنسبة الذهب فيه سوى لمعانه الذي يرضي «غرور» العرائس، ويسكت أفواه الحموات،  و«يبيض» الوجه بدلا من أن «يصفّره»!

فماذا سيفعل الشباب الآن؟.. هل ينتظرون تحركاً دولياٍ لحل الأزمة الاقتصادية العالمية، أم يحددوا تواريخ أخرى لحفلات زفافهم؟.. أم يبتدعون بديلاً آخر لدفع المهور المقومة بالذهب؟.. كأن يخطب الشاب ود حبيبته بمجموعة من الصكوك الوطنية، أو يهدي والدها سندات خزينة، أو يوقع الشاب شيكات مؤجلة لحين ميسرة، أو يشتري لها بضعة أقدام مربعة من الأرضي في دبي، أو ربما أسهماً في إحدى الشركات، لكنني أخشى من تقلب بورصاتنا «المعتاد» أن يدفع العروس إلى طلب الطلاق إلى حين انتعاشة الأسواق!  
 

 
yrafayah@emaratalyoum.com
تويتر