«الفوز».. مأساة الوقوع في عشق موسوليني

الفيلم مأخوذ بتقديم مأساة امرأة تعيش كل حياتها بانتظار اعتراف موسوليني بها. آوت ناو

هناك بوابات غير تاريخية بالمعنى الملحمي للكلمة يمكن الدخول منها إلى عوالم شخصيات تاريخية شكلت مفاصل محورية في هذا العالم، لكن المرور منها يستدعي الاستعانة بمهارة ما، أو قدرة على اقتحامها وفتحها على مصراعيها، بحيث تصير معبراً غير مطروق للإدانة، لا بل سيكون وقعها أشد وأمضى.

هذه المقدمة التي عليها أن تكون ملتبسة في البداية سرعان ما تتضح متى كان حديثنا عن فيلم Vincere (الفوز) 2009 للمخرج الإيطالي ماركو بلوكيو (1939 - )، والذي يأتي على ما يشبه الغوص في عوالم الزعيم الفاشي بينتو موسوليني، من دون ملامسة ما أصبح على شيء من المتعارف عليه متى ذكر هذا الزعيم الذي انتهى معلقاً كما لو أنه أضحية على مذبح حرية الشعب الإيطالي، وما شكل ملمحاً بارزاً من ملامح نهاية الحرب العالمية الثانية التي حصدت أرواح الملايين.

إذن، نحن نتكلم عن موسوليني «فيليبو تيمي» هنا، لكن، عبر إيدا دلسار «جيوفانا ميزوجيورنو»، وليكون الحب ثالثهما، أو البوابة التي بدأنا حديثنا بها التي سيدخل من خلالها الفيلم إلى دواخل شخصية موسوليني، والتغيرات التي طالت شخصيته، بحيث ستكون أداة إدانة إضافية، إن أردنا تقويل الفيلم، ونحن نتتبع مصير هذا الحب، والمآسي التي ستطال إيدا، لا لشيء إلا لأنها أحبت موسوليني، وليس أي رجل آخر، أحبته بجنون، بشبق لمشاهد متكررة أن تضيئه، لا بل إن وجه الممثلة جيوفانا البديع سيضيء الكثير مما سيصلنا محملاً بكل هوسها بهذا الرجل، إنه حب ما من شيء أن يكبحه، عنيد ومتواتر وغير معني بكل ما يواجهه به موسوليني بعد ذلك من قسوة ووحشية، كونه سيمسي من الماضي الذي يتخلى عنه كاملاً وعلى الصعد النضالية والفكرية كافة، وبالتأكيد لن يكون الصعيد العاطفي بمنأى عنها في تحويل إيدا إلى نزوة مثلها مثل ما كان ينادي به من اشتراكية وعدالة، على الرغم من كل حقيقتها في حياته، واحتكامها إلى كل ما يثير فيه أقسى درجات الحب والشهوة.

شيء من دمه

مع المضي خلف ذلك الحب الذي يهبط على إيدا، بمجرد وقوعها على موسوليني الشاب، وهو محتشد بكل أنواع القوة والثقة وأسلحة النضال المناهضة للملكية والمأخوذة بالاشتراكية، سواء في الاجتماع الذي تشاهده فيه للمرة الأولى، أو في المظاهرة التي يتقدمها، والتي ما إن تعانقه حتى يخرج من ذراعيها، وقد ترك شيئاً من دمه على يدها كونه يكون مصاباً، من دون أن ننسى أنه يعانقها، وعيناها مفتوحتان دائماً على استعاهما.

وعليه، يستعر هذا الحب المترافق مع ما تشهده إيطاليا وما يشهده العالم من أحداث، ونحن نصل الحرب العالمية الأولى وموسوليني الذي يحرر صحيفة يكون من أشد مناصريها، كما هو مشهد الدخان الذي يخرج منه البشر، وهم يهربون من القصف، ومن ثم تخرج منه إيدا ومعها ابنها من موسوليني، بينما ينادي بائع الصحف «موسوليني أصيب في الحرب»، ولدى ذهابها لزيارته في المستشفى، سيتضح هجرانه لها والتصاقه بزوجته التي سرعان ما تمسي امرأته الوحيدة، بالتزامن مع شاشة عرض أمامه تصور آلام المسيح الذي يجد نفسه مماثلاً له ونحن نشهد انعطافه فكرياً وعاطفياً.

يبقى السؤال الملح هنا، هل نحن بصدد مقاربة كيف يكون عليه حب الطاغية؟ الإجابة تكون بلا ونعم! كوننا سنكون في أغلب الفيلم برفقة إيدا وابنها، بمعنى أنه سيمضي خلف مصيرها بعد تسلم موسوليني السلطة، وتخليه عن كل ما كان عليه لأجل هذه السلطة التي لن ينازعه في عشقها لها لا امرأة أو غيرها، لا بل إن حب إيدا له سيتحول إلى مصدر إزعاج له، سيفعل كل ما بوسعه لإخماده، وصولاً إلى إيداع إيدا مستشفى المجانين إلى أن تموت فيها، وكذلك الأمر بالنسبة لابنه منها الذي يبقى مصراً على أنه بينتو موسوليني وليس بينتو دلسار.

إملاءات توثيقية

ستبدو حكاية الفيلم عادية ومكررة إن كانت فقط كما سبق ولخصناها، بعيداً عن طرق السرد التي وظفها بلوكيو، والتي تمضي بالقصة وفق املاءات توثيقية لا يمهلها طالما أن الفيلم يتحرك في قصته وهو مشتبك مع شخصية تاريخية، وعليه فإن صالة السينما وشاشتها ستكون مساحة مثالية لتوظيفها في خدمة هذا السرد الموازي، ومعها أيضاً توظيف للوثائقي، لا بل إن شخصية موسوليني التي نعرفها لن تظهر كشخصية في نصف الفيلم الثاني بل ستكون حاضرة، سواء من خلال التمثال الذي يوقعه ابنه غير المعترف به على الأرض، أو من خلال لقطات وثائقية لخطاب يلقيه يعود (فيلبو تيمي) مجدداً ويلعب دور هذا الابن الذي يقلده.

توظيف المادة السينمائية سواء شارلي شابلن في مشهد رائع يلخص مشاعر إيدا، أو المادة التسجيلية المستعملة ستتحالفان بالمضي في قصة إيدا حتى نهايتها، بينما تظهر لقطات وتغيب لنساء سرعان ما نتعرف إليهن ويكن نزيلات المستشفى الذي تودع فيه إيدا.

الفيلم محمّل بأدوات سردية جميلة، مأخوذ تماماً بتقديم مأساة امرأة ستعيش كل حياتها بانتظار اعتراف موسوليني بها بوصفها زوجة، الأمر الذي لا يحدث أبداً، دون أن يتداخل ذلك أيضاً بمطمح سلطوي قد يكون لديها ـ لا يسلط الفيلم عليه الضوء ـ ويمضي خلف مشاعرها المهلوسة بهذا الرجل الذي لا يستحق كل هذا الحب، ولتكون مستعدة تماماً لتلقي مصيرها وعذاباتها ومازالت على انتظارها، وهي مؤمنة تماماً بأن هذا الرجل وما حققه ملكها وملك ابنها، الأمر الذي يطال الابن أيضاً الذي يتحول إلى مقلّد لوالده الذي يجد فيه طموحاً ما، سرعان ما يصطدم به ويودي به إلى مستشفى المجانين، طبعاً كل ذلك يحدث وموسوليني لا وجود له في هذه المرحلة من الفيلم، كشخصية يؤديها ممثل.

 

 «استحواذ»

يعرض قريباً في دور العرض المحلية فيلم Possession (استحواذ) الذي يقارب مساحة نفسية في دواخل النفس البشرية، متمثلة في حياة امرأة تنقلب رأساً على عقب، لدى موت زوجها وزوج أختها بحادث سيارة، الأمر الذي يضعها ودواخلها الدفينة أمام اختبار عميق، يستحوذ فيه غياب زوجها عليها. الفيلم من إخراج جويل بارغيفل وسيمون ساندكويست، وتمثيل سارا غيلار ومايكل ليندز.

 

 «بالم سبرينغ»

حضر عدد كبير من النجوم العالميين، أمس، حفل افتتاح مهرجان «بالم سبرينغ» السينمائي في ولاية كاليفورنيا. ويعتبر الحدث من أبرز المهرجانات السينمائية في العالم، ويحتفي بعرض آخر ما توصلت إليه صناعة الافلام من جميع القارات.
لوس أنجلوس ــ غيتي
تويتر