عنيف وصادم ويثير الاشمئزاز

«بوسيسور».. يخفق في الخيال العلمي وينجح في الرعب

صورة

فيلم Possessor Uncut (مُستحوِذ) هو خيال علمي /‏ رعب من الكندي براندون كروننبيرغ، هل يبدو الاسم مألوفا؟ نعم هو كذلك، لأن براندون هو ابن ديفيد كروننبيرغ صانع الأفلام الكندي الشهير صاحب «تاريخ من العنف» و«وعود شرقية» و«فيديودروم»، والفيلم الأشهر على الإطلاق The Fly، (الذبابة) عام 1986، وهو إعادة لفيلم بالعنوان نفسه صدر عام 1958.

يسعنا القول إن «الابن سر أبيه»، أو إن الأب كان سيسعده صنع هذا الفيلم في وقت ما خلال الأربعة عقود الماضية، لأنه معروف بصنع هذا النوع من الأفلام المتجاوزة للحدود.

من الواضح تأثر براندون بوالده من ناحية أسلوب الفيلم والذوق في اختيار المادة. لو نظرنا إليه كفيلم خيال علمي، فإن «بوسيسور» مخيب للآمال ولا توجد به أفكار جديدة. لكن لو نظرنا إليه كفيلم رعب فهو ناجح بكل مقاييس هذا الاتجاه الفرعي لسينما الرعب الذي أطلقه والده وأصبح رائده، وهو رعب الأجساد المشوّهة Body Horror.

«بوسيسور» فيلم مزعج جداً وصادم يمعن في إبراز العنف بتفاصيله المقززة، التي تستمر طول الفيلم دون تخفيفها في أي جزئية. هذا فيلم ترى فيه عين تُفقأ بأداة حادة وهناك الكثير من سفك الدماء الذي سيؤذي المشاهد ذو الإحساس المرهف.

يقدم لنا «بوسيسور» القاتلة المأجورة المحترفة تاسيا (أندريا رايزبورو) التي اكتسبت سُمعة ممتازة في مجالها. تقتل تاسيا بتوظيف أخبث الأساليب: تستحوذ باستخدام جهاز يشبه قناع الوجه يأخذها إلى مجال يسمح لها بالدخول إلى داخل شخص قريب من الضحية.

تستحوذ على شخصية القريب وقتل الهدف ثم تقتل القريب. القريب قد يكون سكرتيرة لمدير أو صديق لفتاة وهكذا. ثم بعد ذلك تأخذ ضميرها أو نفسها وتعود إلى جسدها من خلال الجهاز نفسه.

الأسلوب متعب نفسياً، وهناك خطورة تتمثل في فقدانها جزءاً من شخصيتها كلما استخدمت الجهاز واستحوذت على ضمير/‏ شخصية غيرها. وهذه الجزئية تحديداً هي كليشيه. بعد إكمال مهمتها على تاسيا الخضوع لمجموعة اختبارات، حتى يتحدد إن كانت قادرة على تنفيذ المهمة التالية.

يبدأ الفيلم بلمحة من آخر مهمة تنفذها البطلة، بعد إنجازها بنجاح لم تستطع أن تنتحر أي تجعل الشخصية المستحوذ عليها تقتل نفسها بمسدس. وبدل أن تظل حبيسة في جسم المستحوذ عليها، فإنها تتصرف بطريقة تجعل الشرطة تطلق النار عليها وتقتلها.

وهذا يشير إلى نمط مقلق من السلوك سيبرز أكثر في مهمتها المقبلة، وهي اغتيال رجل الأعمال الثري جون بارس (شون بيين) وابنته آفا (توبينس ميدلتون). لهذه المهمة تستحوذ تاسيا على كولين (كريستوفر آبوت) خطيب آفا. وما يبدأ كمهمة اعتيادية يتحول إلى شيء معقد جداً بسبب الضعف الذي يعتري تاسيا.

أفلام اختطاف الأجساد Body snatchers تعدّ بارزة في نطاق صنف الخيال العلمي، سواء في الأدب أو السينما أو التلفزيون. تناولت روايات هذا الموضوع، كما نُشرت عنه قصص قصيرة وأفلام كثيرة وحلقات من مسلسلات لا تُعد ولا تحصى.

لكن من النادر أن تكون عنيفة بهذا الشكل المفرط. «بوسيسور» مهتم بإبراز العنف الدموي أكثر من قفزات الذعر المفاجئة، التي صارت سمة بارزة في الرعب المعاصر، وهذا ما يخرجه من خانة التشويق النفسي، رغم أنه يتعمق في شخصية تاسيا وصراعها النفسي ضد كولين، ويضعه تحت تصنيف خيال علمي /‏ رعب.

براندون مهووس بشخصيته تاسيا، قدمها في حالة ضعف في البداية ، حتى يمهد لتفكيكها في النهاية وهي تفقد سيطرتها على كولين، ولم نفسد شيئاً على المشاهد، فكلمة تفكيك هنا عامة جداً، المهم كيف سيفككها في النهاية التي تحوي مفاجأة من العيار الثقيل.

كروننبيرغ لا يخشى انتهاك محرمات نهايات الأفلام حتى يقدم مفاجأته الكبرى، التي تثير الاشمئزاز نتيجة الإغراق في العنف. أحسن كروننبيرغ اختيار شخصياته، فالبطلة والبطل ليسا نجمين.

رايزبورو تؤدي دورها ببرود شديد يتحطم ليكشف الضعف الذي تحته، أما آبوت فمهمته قد تكون أصعب لأنه يؤدي شخصيتين: تاسيا بداخله وشخصيته تقاومها.

يوجد نجمان في الفيلم أكبر من بطليه، وكلاهما يؤدي دوراً مساعداً، الأولى جينيفر جيسن لي في دور مرشدة تاسيا. والثاني شون بيين وهو هدف القاتلة. يؤدي بيين عادة شخصيات شريرة أو بطل بسمات سيئة وهذه المرة شخصيته أقرب إلى الشريرة.

بوسيسور له نبرتان: الأولى قاتمة والثانية أكثر قتامة وظلامية. وعندما يتعلق الأمر بالعنف، فإن كروننبيرغ يصنع أحواضاً من الدماء ربما لم تشاهد حتى في أفلام Saw الدموية.

مشاهد الدماء في الفيلم بلغت أقصى حد وهنا لنا وقفة، إذ إن المتعارف عليه سينمائياً أنه كلما زادت الدماء اقترب الفيلم من نطاق الهزلية، كما نرى في أفلام كوينتن تارانتينو (بالب فيكشن واقتل بيل، كمثالين).

وهذا كان واقع أفلام الوحوش الدموية ذات الميزانيات المنخفضة في الستينات والسبعينات والثمانينات. لكن كروننبيرغ ليس مهتماً بتقليل الدماء لإثبات جدية القصة، في الوقت نفسه، فإن هذا حتماً ليس فيلماً للمتعة في زمن «كوفيد-19»، بل هو فيلم عنيف ومقزز وقاتم بالمدلول الكامل لهذه الصفات.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


كروننبيرغ ليس مهتماً بتقليل الدماء لإثبات جدية القصة، في الوقت نفسه، فإن هذا حتماً ليس فيلماً للمتعة.

أفلام اختطاف الأجساد Body snatchers تعدّ بارزة في نطاق صنف الخيال العلمي، سواء في الأدب أو السينما أو التلفزيون.

تويتر