بسبب قوة مؤسساتها المستقلة ونزاهة مسؤوليها

الولايات المتحدة نجحت في اجتياز امتحان العنف الشعبوي

صورة

في كثير من أنحاء العالم، قوبل مشهد المحتجين وهم يقتحمون مبنى الكونغرس الأميركي، لإبقاء زعيمهم في المنصب، بردود فعل متباينة. وأخيراً، فإن الولايات المتحدة، التي طالما ذكرت الديمقراطيات الأخرى، لعشرات السنين، بخصوص عيوبها وإخفاقاتها، ها هي تعيش لحظة معادية للديمقراطية.

وكانت الردود من دول العالم مختلفة ومتناقضة، واستجاب البعض في الهند، تماشياً مع التقاليد العريقة لهذا البلد. وكان عنوان افتتاحية «تايمز أوف إنديا» هو «انقلاب كو كلوكس كلان». بينما كانت دعابة أخرى أكثر حدة، إذ علّقت وزارة الخارجية الروسية، التي أتقنت فن الاستفزاز والسخرية، بحزن أن «النظام الانتخابي في الولايات المتحدة قديم، إنه لا يفي بالمعايير الديمقراطية الحديثة»، وهو أمر يثير الغضب بشكل خاص بسبب تناقضه مع الحقيقة. وبدا البيان الصحافي التركي وكأن المسؤولين قد قصوا ولصقوا، ببهجة، النصائح السابقة من وزارة الخارجية الأميركية، وصولاً إلى النصيحة القائلة بأنه يتعين على «المواطنين الأتراك في الولايات المتحدة تجنب المناطق المزدحمة».

الكثير مما حدث مسلٍّ

والآن، الكثير من هذا مسلٍّ، وبعضه مفهوم. وبالتأكيد، لا أحد ممن يعيش في دولة ناشئة يحب أن يسمع أميركيين ليبراليين «مصدومين» يتبنون الاحتجاج العنيف، في بلادهم، على غرار الأحداث «في العالم الثالث». والهند، على سبيل المثال، نجحت في إجراء انتخابات أكبر بكثير مما تتحمله الولايات المتحدة، وتعقيدات أقل بكثير.

لكنني أعتقد أننا جميعاً مشغولون بالسخرية من الولايات المتحدة وإعلان نهاية الاستثنائية الأميركية، نحتاج، أيضاً، إلى أخذ نفس عميق. والحقيقة هي أن أميركا نجت من لحظتها الشعبوية، في وضع أفضل بكثير من معظم الدول. وتذكروا: تمت مساءلة الرئيس دونالد ترامب مرة، وقد تحدث مرة أخرى، وقد تبرأ منه العديد من القادة المؤثرين في حزبه، وقد خسر إعادة انتخابه، وفشلت كل محاولاته لقلب النتيجة. وتمت مكافأة حزبه على احتضانه للشعبوية بخسارة ليس فقط البيت الأبيض، بل أيضاً مجلسي المجلس التشريعي. وترامب نفسه محاصر للاعتراف بالهزيمة، وهذا هو ما يمكن أن تسميه موضوعياً «الهزيمة».

ليست النتيجة المعتادة

إن مثل هذه الهزيمة ليست، كما أسارع إلى التأكيد، النتيجة المعتادة لانتخاب شخص شعبوي. وعموماً، فإن مثل هؤلاء القادة ينخرطون في السلطة بشكل مريح، ويبدو أن هوامش فوزهم تنمو بشكل غامض مع كل انتخابات. وهناك الكثير من الأماكن التي يكون التصويت فيها دائماً حراً، ولكن نادراً ما يكون عادلاً، حيث يبدو أن الاستبداديين «الديمقراطيين» لا يتخلون عن السلطة أبداً.

أتساءل: كيف يمكننا حشد الحماس للسخرية من أميركا، التي هي بالتأكيد ليست واحدة من تلك البلدان؟

لا أريد التقليل من الضرر الذي يمكن أن يفعله ترامب، والذي أحدثه في أميركا. ويتعين أن نتساءل ما إذا كانت أربع سنوات أخرى في السلطة ستجعل الولايات المتحدة غير قادرة تماماً على مقاومة نفوذ ترامب. ومع ذلك، بالمقارنة مع الدول الأخرى - مثل روسيا وتركيا والمجر والهند - أثبتت المؤسسات الأميركية قيمتها ومرونتها. والديمقراطيات الليبرالية قوية بقدر قوة مؤسساتها المستقلة ونزاهة مسؤوليها. ولأن المؤسسات والمسؤولين في الولايات المتحدة حافظوا على نزاهتهم، فقد أُجبر ترامب على خوض انتخابات حرة ونزيهة، وسيتعين عليه المغادرة بعد أن فقدها بشكل مقنع.

وفي أميركا، رفض القضاة، حتى أولئك الذين عينهم ترامب، عشرات القضايا أمام المحاكم. وهذا ما يفعله القضاء المستقل، وهو أيضاً سبب قيام الشعبويين في أماكن مثل بولندا والهند، بتضييق حرية القضاة. وفي الولايات المتحدة، المسؤولون الجمهوريون أنفسهم، مثل حاكم جورجيا، ومسؤول رفيع فيها، وقفوا في وجه زعيم حزبهم، رافضين صراحة تلبية طلباته. وأجد صعوبة في تخيل مكالمة هاتفية مماثلة بين، على سبيل المثال، (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين وزعيم إقليمي من روسيا الموحدة.

وفي أميركا، أبلغت وسائل الإعلام، بالفعل، عن فساد ترامب في السلطة، وكذلك محاولاته للاحتفاظ بها بشكل غير قانوني. وقد تم إخبارنا بتفصيل كبير عن عدم الكفاءة الهائلة لفريقه القانوني، وفقر حججهم. وفي الهند، وسائل الإعلام، لن تناقش أبداً قضية فساد الحزب الحاكم وعدم الكفاءة، كما هو واضح.

وبكل صراحة، لقد كان موت «الاستثناء الأميركي» مبالغاً فيه إلى حد كبير. ولايزال لدى الديمقراطيات بعض الأشياء لتتعلمها. وعلى سبيل المثال، من الواضح، الآن، فإن المؤسسة التي نحتاج إلى حمايتها بأي ثمن، هي القضاء. واستقلال القضاء هو طائر الكناري في منجم الفحم الشعبوي.

خط أحمر أوروبي

والاتحاد الأوروبي محق في رسم خط أحمر بشأن تخلي المجر وبولندا عن «سيادة القانون». ولا بأس من الاستمتاع بأيام قليلة من الضحك على ما يحدث في أميركا. ولكن، بعد ذلك، دعونا نلقِ نظرة أكثر جدية على أنفسنا.

ميهير شارما :  كاتب عمود في بلومبيرج أوبينيون


- تمت مكافأة حزب  الرئيس على احتضانه للشعبوية بخسارة ليس فقط البيت الأبيض، بل أيضاً مجلسي المجلس التشريعي. وترامب نفسه محاصر للاعتراف بالهزيمة، وهذا هو ما يمكن أن نسميه موضوعياً «الهزيمة».

- الديمقراطيات الليبرالية قوية بقدر قوة مؤسساتها المستقلة ونزاهة مسؤوليها. ولأن المؤسسات والمسؤولين في أميركا حافظوا على نزاهتهم، أُجبر ترامب على خوض انتخابات حرة ونزيهة، وسيغادر بعد أن فقدها بشكل مقنع.

تويتر