بعد 5 سنوات من الحرب

بوتين يحقق هدفه بسورية لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط

صورة

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر 2015 قبل يومين من إصدار أوامره لجيشه بدخول سورية، لدعم جيش الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد «لا أحد يتعلم من أخطاء الآخرين والجميع يكرّر هذه الأخطاء» ومرت خمس سنوات على بدء روسيا أولى غاراتها الجوية على سورية وبالتحديد على مدينة حمص. ولكن السؤال المطروح الآن بقوة: ما الذي يمكن أن نقوله عن هذا الصراع حتى الآن؟

ولتبرير التدخل الروسي أشار بوتين بعين الاتهام إلى الولايات المتحدة، المعتادة الحروب في الشرق الأوسط، هذه الحروب التي عارضتها روسيا. وتساءل بوتين قائلاً «كيف انتهى الأمر إلى هذه الحال؟ بدلاً من الإصلاح أدى التدخل الأجنبي العدواني إلى التدمير الصارخ للمؤسسات الوطنية. وبدلاً من انتصار الديمقراطية والتقدم، أصبح لدينا العنف والفقر والدمار الاجتماعي. وفي الحقيقة فإن أحداً لا يكترث في المطلق بحقوق الإنسان بما فيها حق الحياة»، ولمنع مزيد من الانهيار في سورية، قال إن روسيا قرّرت التدخل في هذه المعركة.

انتقاد هزلي

وبعد مرور خمس سنوات على التدخل الروسي يبدو انتقاد بوتين للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط هزلياً إلى حد ما «كيف انتهى الأمر إلى هذه الحال؟»، فهذا السؤال يمكن طرحه بقوة حول حرب روسيا في سورية. فهناك الكثير من «التدمير الصريح» خصوصاً في الهجوم الوحشي على حلب. وواصل العنف والفقر والكارثة الاجتماعية تأثيرها الواضح على الشعب السوري.

وعلاوة على ما سبق فإن «الاستقرار السياسي»، إضافة إلى التعافي الاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط الذي وعد به بوتين لايزال بعيد المنال، كما أن الحرب الأهلية في سورية لن تنتهي في المستقبل القريب. ويتواصل القتل في أطراف مدينة إدلب في شمال سورية. وفي شهر أغسطس الماضي، أصيب جنود أميركيون عديدون بجروح خلال مواجهة مع الجنود الروس في شمال سورية. ولايزال موضوع إعادة بناء سورية حلماً لا يمكن تحقيقه قريباً. وعلى الرغم من الوعود الروسية بتقديم المساعدة الاقتصادية، يواصل المواطنون السوريون تكبد المعاناة بصورة كبيرة. ولم تقدم روسيا أية أموال تذكر من أجل إعادة بناء سورية، على أمل أن تقوم الدول الغربية في نهاية المطاف بدفع فاتورة إعادة البناء لتجنب مزيد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

تأثيرات الحرب

وانتشرت الحرب السورية بالمنطقة وأثرت في دول مثل لبنان وتركيا. ويجري حالياً صراع في المتوسط، إذ تتدخل روسيا في ليبيا وفي المقابل تتدخل تركيا أيضاً. وبدلاً من حفظ استقرار المنطقة، كان للتدخل الروسي أثر معاكس لما هو معلن عنه. ولكن من وجهة نظر موسكو، فإن استقرار المنطقة ليس له الكثير من الأهمية، لأن هدف تدخل الجيش الروسي في سورية كان لتأكيد وجود الكرملين في الشرق الأوسط وشرق المتوسط. وقد نجح بوتين في ذلك. وإذا توقفت الحرب في سورية يوماً ما فإنها لن تقف إلا بموافقة روسيا. وقد جعل الكرملين نفسه لاعباً أساسياً في النزاعات المحلية للآخرين أيضاً، بما فيها النزاع على حقول الغاز في شرق المتوسط.

وإضافة إلى ذلك، فإن سورية أرض نموذجية للجيش الروسي في أولى عملياته على نطاق واسع منذ حرب روسيا مع جورجيا عام 2008، كما يظهر كتاب جديد شاركتُ في كتابته حول الحرب الروسية في سورية من معهد الأبحاث في فورسين بوليسي. ولقد جرت العمليات العسكرية على نحو سلس أكثر مما توقعه معظم المحللين الروس والأجانب، الأمر الذي يظهر أن روسيا يمكن أن تتدخل ما وراء حدودها بسهولة نسبية. ولاتزال هناك قيود جدية لعرض القوة الروسية، ولكن الكرملين ابتكر أهدافه السياسية بينما كانت هذه القيود في ذهنه.

وعندما دخلت روسيا إلى سورية للمرة الأولى، تساءل بعض المراقبين الغربيين عما إذا كانت سورية ستصبح أفغانستان لبوتين. وحتى موسكو لم تفكر بهذه الطريقة. ويرى الجيش الروسي سورية باعتبارها «حربه الجيدة» كما يقول المحلل العسكري الأميركي مايكل كوفمان. وينبغي على الضباط الروس أن يخدموا في سورية كي يتم ترقيتهم. وهم يعتبرون عملياتهم في سورية كحالة دراسية لتحسين الأداء في المستقبل. وبناء عليه فإن سورية تعتبر مميزة مقارنة بحروب روسيا الأخيرة. وأما حروب روسيا الجارية الآن في مدينة دونباس في أوكرانيا، فلا يمكن مناقشتها بصورة صريحة، كما أن أداء الجيش في حرب جورجيا عام 2008 تعرض للانتقاد لعدم كفاءته العملياتية. ولكن سورية تعتبر نجاحاً مثالياً.

ولكن السؤال المطروح الآن في ماذا نجحت روسيا بالتحديد؟ بالتأكيد لا تريد روسيا صنع السلام في سورية. ومن المعروف أن محادثات السلام التي توسطت فيها روسيا بين الحكومة السورية ومختلف مجموعات المعارضة لم تتوصل الى أي نتيجة، على الرغم من بذل الجهود عبر سنوات عدة، كما أن روسيا لا تريد وقف القتال المتواصل بصورة واضحة في شمال شرق سورية. وأعلن بوتين علانية أن روسيا كانت تنوي الانسحاب من سورية، أولاً في عام 2016 ومرة ثانية في عام 2017. ولكن روسيا لم تظهر أي مؤشرات بأنها تنسحب.

ويمكن مقارنة ذلك بموقف الولايات المتحدة في سورية، وهي مثل روسيا لديها كتيبة برية صغيرة ولكنها تعتمد على القوات المحلية للقيام بالقتال عندما تقتضي الحاجة. ولاتزال واشنطن تناقش استراتيجية خروجها منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في سورية، وهي عالقة بين الرغبة في الانسحاب من الحرب التي لا تنتهي، والقلق من أن احتمال انسحابها يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار سورية.

ليس لدى الكرملين مثل هذه الازدواجية حول الحرب في سورية. واستراتيجية الخروج غير واردة في التفكير الاستراتيجي الروسي حول الشرق الأوسط. والمطلوب لا تنتصر كي لا تغادر. وهدف روسيا هو البقاء، لجعل روسيا لاعباً أساسياً في المنطقة، وبعد ذلك الدفاع عن هذا الدور الجديد. ويرى الكرملين أن الذكرى السنوية لدخول روسيا إلى الحرب السورية ليست فرصة للتفكير بشأن حرب بلا نهاية وإنما فرصة للاحتفال بالنجاح، والأمل في الاستمرار بصورة جيدة في النصف الثاني من العقد المقبل.

كريس ميللر: كاتب أميركي


- محادثات السلام التي توسطت فيها روسيا بين الحكومة السورية ومختلف مجموعات المعارضة لم تتوصل إلى أي نتيجة، على الرغم من بذل الجهود عبر سنوات عدة، كما أن روسيا لا تريد وقف القتال المتواصل بصورة واضحة في شمال شرق سورية.

- لم تقدم روسيا أية أموال تُذكر من أجل إعادة بناء سورية، على أمل أن تقوم الدول الغربية في نهاية المطاف بدفع فاتورة إعادة البناء لتجنب مزيد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

- جعل الكرملين نفسه لاعباً أساسياً في النزاعات المحلية للآخرين أيضاً، بما فيها النزاع على حقول الغاز في شرق المتوسط.

 

تويتر