لم تكن واقعية في جوهرها

«كورونا» فرصة ذهبية للصين للتراجع عن اتفاق ترامب للطاقة

صورة

تجارة الطاقة هي محور الاتفاق الذي وقعه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل فترة قصيرة مع الصين، لكن يبدو الآن أن الوقت غير مواتٍ لتفي الصين بتعهداتها الطموحة المنصوص عليها في الاتفاقية بسبب انتشار فيروس كورونا، والذي أحدث تأثيره في النمو الاقتصادي بالصين، ما يجعل هذه الرؤى الكبيرة للطاقة غير واقعية تماماً، الأمر الذي سيصيب بالإحباط حملة ترامب الانتخابية، التي كان سيروج فيها فوائد هذه الصفقة.

ويبدو أن ظهور الفيروس الجديد، الذي أصاب عشرات الآلاف من الأشخاص، وقتل أكثر من 1300 آخرين في أكثر من شهر، قد وصل إلى ذروته، بعد أن ظهرت تقنيات تشخيصية جديدة هذا الأسبوع، تبين من خلالها أن الفيروس قد أصاب آلافاً، وقتل مئات آخرين، أكثر مما كان يعتقد سابقاً.

وترافق الارتفاع الحاد في عدد الإصابات مع دلائل متزايدة على تأثيره في اقتصاد الصين والاقتصاد العالمي: سفن الشحن تتراكم خارج الموانئ المليئة بالسلع التي لم يتم تسليمها بعد؛ ولجوء مصافي النفط والبتروكيماويات إلى تقليص عملياتها بسبب انخفاض الطلب على منتجاتها؛ وتراجع الإنفاق الاستهلاكي الصيني باستمرار، وتذبذب سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الذي بدأ فيه الشحن الجوي، وهو مؤشر رئيس لازدهار التجارة العالمية، في الارتفاع بعد عام 2019، انهار مرة أخرى في يناير، وهو نذير محتمل لتباطؤ أكبر في تدفقات التجارة عبر الحدود.

وأكدت الوكالة الدولية للطاقة، لأول مرة، منذ الأزمة المالية السابقة، التأثير المأساوي للفيروس في الطلب العالمي على النفط الخام في الربع الأول من العام، بسبب انخفاض الطلب الصيني على النفط الخام، حيث تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط في العالم.

ومن المرجح أن يؤثر كورونا في سوق الطاقة، ويتسبب في إلغاء ما قيمته 50 مليار دولار من مشتريات النفط والغاز الطبيعي الأميركي الإضافية، التي كان ترامب يعتمد عليها كإحدى النتائج الإيجابية القليلة، التي تمخضت عن حربه التجارية التي استمرت 18 شهراً مع الصين، وأدت إلى تباطؤ النمو في كلا الاقتصادين، بما وصلت قيمته إلى مليارات الدولارات كضرائب جديدة للمستهلكين الأميركيين، وخسارة أسواق المزارعين وعمال النفط الأميركيين.

ومن المؤكد أن الفيروس قد قضى على آخر أمل لازدهار تجارة الطاقة الأميركية على وجه الخصوص، حيث كانت هذه الصفقة طموحة بالفعل قبل أن ينهي الفيروس فجأة حركة السفر والأعمال، بين العالم وثاني أكبر اقتصاد دولي في بداية العام.

وبموجب شروط «المرحلة الأولى» من الاتفاق الموقع الشهر الماضي، وافقت الصين على شراء ما قيمته 18.5 مليار دولار إضافية من منتجات الطاقة هذا العام، و34 مليار دولار في العام المقبل - علاوة على ما كانت تشتريه بالفعل لتشغيل السيارات والطائرات والمصانع. وكان ستنتج عنه زيادة بنسبة 275% في مشتريات الطاقة الصينية هذا العام، وزيادة هائلة بنسبة 500% على مستويات عام 2017، في العام المقبل.

إلا أن «هذه الأهداف كانت غير واقعية على الإطلاق، حتى قبل ظهور الفيروس»، كما يقول خبير الطاقة والمدير المشارك لمعهد تحليل الأمن العالمي، جال لوفت، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، ويمضي قائلاً: «يبدو كما لو أن أطفالاً كانوا يكتبون هذه الأرقام، جاهلين تماماً الطريقة التي تعمل بها التجارة والأعمال الدولية».

ولكي نكون منصفين، فقد تم تحذير هؤلاء «الأطفال»، فقد أوضحت صناعة النفط الأميركية لإدارة ترامب أن أهداف الطاقة كانت بعيدة المنال، حتى لو كان هناك إنتاج مرتفع من النفط الأميركي، فإن شحنات النفط الخام الإضافية، المخصصة نظرياً للصين، تفوق النمو المتوقع لإنتاج الولايات المتحدة من النفط. لكن يبدو أن ترامب يحب الأرقام الكبيرة، لكي يدعم حزمته التجارية الخيالية، ويرسم أهدافاً معلقة في الهواء. فمنذ توقيع الصفقة، زادت توقعاته الخيالية، متحدثاً عن التزام الصين بشراء سلع أميركية بقيمة 300 مليار دولار.

وواجه الجزء الآخر من نهضة الطاقة الأميركية - الغاز الطبيعي - تحدياته الخاصة في الصين، حيث التزمت بكين حتى الآن بتعرفات أكثر صرامة على صادرات الغاز الطبيعي مع الولايات المتحدة، ما ضاعف التحديات التي يواجهها الموردون الأميركيون، ليصبحوا قادرين على المنافسة في سوق تعاني فرط العرض؛ وهبطت صادرات الغاز الأميركية إلى الصين إلى الصفر، بعد فرض الرسوم الجمركية. في هذه الأثناء، عززت الصين إنتاجها المحلي من الغاز، وتتلقى الآن الغاز الرخيص عن طريق خط أنابيب من روسيا. ومن بين أمور أخرى تضييق المجال أمام الناقلات الأميركية المليئة بالغاز المسال، التي تسعى لإيجاد طريقة مربحة في السوق الصينية. وكما هي الحال مع النفط، فإن العديد من صفقات الغاز هذه تتضمن عقوداً طويلة الأجل، يصعب على الصين أن تتراجع عنها لمصلحة ترامب.

وعلى الرغم من الخسائر البشرية لفيروس كورونا، فرب ضارة نافعة لكلٍّ من بكين وواشنطن، فقد كانت الصين ستتعرض لضغوط شديدة للوفاء بالتزامات الشراء، وترامب أيضاً سيضطر للالتزام بهدنة تجارية إذا حدث ذلك. ويقول لوفت: «بطريقة ما، يعتبر الفيروس هدية لكلا الجانبين، لأنه يعطيهما ذريعة جيدة لعدم تنفيذ شيء لم يكن قابلاً للتنفيذ». ولطالما كانت الصين مهووسة بأمن الطاقة، فقد بذلت جهوداً كبيرة لضمان عدم تدخل الولايات المتحدة بوقت الأزمات في واردات النفط والغاز. وعلى سبيل المثال، ضاعفت الصين الجهود لزيادة الأمن الغذائي. وفي الآونة الأخيرة، سعت إلى فصل نفسها عن الاعتماد على الموردين الخارجيين للتكنولوجيات الرئيسة، من أشباه الموصلات إلى الهواتف المحمولة.

ويختتم لوفت حديثه: «عندما تستخدم حيلة واحدة، فإن الجميع يكشفون أوراقك، ويتغلبون عليك». ويعتقد لوفت أن الصين فكرت أنها إذا عرضت على ترامب بعض الوعود لشراء سلع، فإنه سيلغي الحرب التجارية لمدة عام أو نحو ذلك، وفي غضون ذلك، «يمكنها التحرك في الاتجاه الذي تريد الذهاب إليه، وبحلول ذلك الوقت، ستكون أكثر استقلالية، وأقل عرضة للخطر».

كيث جونسون


قيود العرض ورغبة الصين

هناك مشكلة أكبر من قيود العرض في الولايات المتحدة، وهي رغبة الصين في طلب المزيد من النفط والغاز الطبيعي، حتى قبل أن يثبط الفيروس النشاط الاقتصادي. فقد كانت الصين في طريقها لشراء ما يصل إلى 600 ألف برميل إضافي من النفط يومياً هذا العام، ما يجعلها تبدو سوقاً جيدة لشراء النفط الخام الأميركي، أما الآن فإن إنتاج الخام الأميركي يتدفق على مستويات قياسية، ويبحث عن مشترين.

من ناحية، فإن مصافي النفط في الصين مصممة - إلى حد كبير - للنوع الثقيل من الخام الذي يرد إليها من الشرق الأوسط، وليس النفط الصخري الخفيف الذي تنتجه أميركا. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الولايات المتحدة على الصين تعرفة استيراد على النفط الخام، وهو أحد آثار الحرب التجارية. وأخيراً، فإن الكثير من واردات الصين الحالية من النفط إما استراتيجية بطبيعتها - مثل تلك الواردة من روسيا أو فنزويلا - أو مرتبطة بعقود طويلة الأجل، كما هي الحال مع المملكة العربية السعودية، ما يجعل من الصعب التخلص منها بسبب تدفق الخام الأميركي. هذا المزيج جعل الولايات المتحدة بالفعل مورداً أقل من مثالي للصين.

 

تويتر