نحو 50 ألفاً من «تنظيم الفاطميين» كانوا في سورية

استدعاء إيران لوكلائها يعقّد استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط

صورة

هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بأن الحرب يمكن أن تكون «النهاية الرسمية لإيران»، وذلك رده على تقارير تفيد بأن رئيس قوات الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني حث قادة الميليشيات المدعومة من إيران والمتواجدة في الشرق الأوسط على الاستعداد من أجل «حرب بالوكالة».

وكانت عودة مجموعة من المقاتلين أخيراً الذين يطلق عليهم «الفاطميون»، وهم ميليشيا مدعومة من إيران ومن عرقية الهزارة الأفغان، والذين كانوا يحاربون في سورية منذ بداية الحرب الأهلية فيها، توحي بأن طهران ربما تشن نوعاً مختلفاً من الحرب بالوكالة. وتشكل الهزارة، وهم أقلية شيعية في أفغانستان، العمود الفقري لقوات ميليشيا الفاطميين التي لعبت دوراً كبيراً في سورية. وعلى الرغم من أن معظم التركيز كان على خطر مقاتلي تنظيم «داعش» لدى عودتهم إلى أوطانهم، فإن الآلاف من المقاتلين الذين كانوا يقاتلون بالوكالة عن إيران في سورية تم التغاضي عنهم.

قتال الرواتب

وتتباين التوقعات بشأن تعداد مقاتلي ميليشيا الفاطميين الموجودين في سورية والذين قاتلوا دفاعاً عن النظام السوري لصالح طهران، فيشير الباحث الأفغاني أحمد شجاع جمال في تقرير لمعهد الولايات المتحدة من أجل السلام إلى أن نحو 50 ألف مقاتل كانوا في سورية، حيث كان بعضهم يقاتل مدفوعاً بالرواتب المجزية التي يحصلون عليها، وعلى وعود بالحصول على الجنسية الإيرانية بعد عودتهم من هذه الحرب، واضطر بعضهم للقتال هناك بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي كانوا يعيشونها. ومن غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المقاتلون يشكلون خطراً على المصالح الأميركية أم لا، لكن خطرهم يزداد إثر الحديث عن الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، تدفق المئات من المقاتلين التابعين للميليشيات المدعومة من إيران والمتواجدة في العراق وسورية ولبنان إلى إيران إثر دعوة سليماني لهم للمساعدة والإغاثة من الفيضان الذي ضرب مناطق واسعة من إيران وسبب أضراراً تقدر بـ2.5 مليار دولار.

وخلال الأسبوع الماضي عرض حساب الفاطميين على «تويتر» صوراً للمقاتلين الأفغان وهم يقدمون الإغاثة وإعادة البناء في المناطق التي دمرها الفيضان غرب إيران، بخلاف الصور التي نشرها الفاطميون خلال السنوات الأخيرة ومنها صورة تثني على تضحيات مقاتليه في سورية والتي كانت تنال إعجاب كثيرين في إيران. وفي ذروة تورط إيران في الحرب السورية كان الآلاف من الإيرانيين يتجمعون لإحياء ذكرى مقاتلي الهزارة الأفغان الذين قتلوا في الحرب.

ولكن تدفق هؤلاء المقاتلين إلى إيران كان له ردة فعل سلبية. وبالنظر إلى أن احتجاجات عام 2018 لاتزال ماثلة في أذهان الناس، فإن العديد من الإيرانيين يشعرون بالقلق من أن عودة هؤلاء المسلحين تزيد احتمال تعرض بلادهم لعملية تغيير النظام.

ويزداد التوتر بين المتشددين المؤيدين للنظام الذين يواصلون تحدي الولايات المتحدة، والشعب الإيراني الذي يعيش تحت ضغوط ثقافة الحروب غير المنتهية، والعقوبات الاقتصادية الشديدة. ولجأ الإيرانيون الذين تأثروا بالفيضان إضافة إلى معارضي النظام الإيراني إلى «تويتر» و«فيس بوك» للتنفيس عن شعورهم بالإحباط، وتراودهم الشكوك بأن الحكومة تدعو إلى تعزيز الحرب بالوكالة في الخارج في مسعى منها للتغطية على حالة التوتر في الداخل نتيجة فشل الحكومة في الاستجابة بصورة ملائمة لمواجهة الأزمات المتصاعدة في الدولة.

وفي الوقت ذاته، فإن عودة عدد من مسلحي الفاطميين إلى قرى في غرب أفغانستان بالقرب من الحدود الإيرانية يثير المخاوف من الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء إذا توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع «طالبان» وسحبت مزيداً من الجنود الأميركيين من أفغانستان. وفي عام 2017 تصاعدت المخاوف بشأن شائعات تفيد بأن أفراداً من الفاطميين في إقليم سري بول شمال غرب أفغانستان يخططون للهجوم على تنظيم «داعش»، وأنه يعتقد أن مقاتلي «طالبان» مسؤولون عن المجزرة التي أوقعت نحو 35 شخصاً من الهزارة في قرية ميرزا اولانغ بداية العام الجاري.

ولا يتفق سماسرة السلطة الرسميون وغير الرسميين على أن هؤلاء العائدين إلى الديار يمثلون أمراً سلبياً أو إيجابياً، فمن ناحية فإن القوات الأمنية التابعة للحكومة الأفغانية لاحقت وبقوة مقاتلي الفاطميين مدفوعة بالخوف من أنها ربما قد تكون مصدراً آخر لانعدام الاستقرار في الدولة. ومن ناحية أخرى، وبالنسبة للنخبة الشيعية في أفغانستان غير المشاركين في الحكومة فإن ما يهمهم هو حماية مصالحهم، ولذلك فإن وجود مقاتلين تمرسوا على الحرب في سورية ويمكنهم محاربة «طالبان» و«داعش» وأي فصيل سني آخر في المرحلة المقبلة من الحرب الأفغانية التي لا تنتهي، سيكون أمراً مفيداً.

ويمكن أن نأخذ مثالاً على ذلك حالة محمد محقق، وهو متنفذ أفغاني من الهزارة، كان قد قاد قواته ضد الاتحاد السوفييتي وهو الآن يرشح نفسه لمنصب نائب رئيس الجمهورية، إلى جانب المرشح الرئاسي ووزير الداخلية السابق حنيف عطمار، ضد الرئيس الحالي أشرف غاني، في الانتخابات المقررة سبتمبر المقبل. وقال محقق إن مقاتلي الفاطميين يجب أن يتركوا وشأنهم. وفي الحقيقة فإن محقق، الذي استفاد كثيراً من حراس الثورة الإيرانية في فترة التسعينات كما أنه نفسه كان محارباً بالوكالة، من غير المتوقع أن نسمع منه أي انتقاد للفاطميين. وإذا كان تاريخ أفغانستان هو دليلنا، فإنه ليس من الصعب تخيل كيف أن الحياد بالنسبة لمصير الفاطميين يمكن أن يكون مفيداً بالنسبة لأي شخص يتطلع إلى حمل السلاح في أفغانستان في المستقبل.

ليست تهديداً

وفي الواقع فإن عودة مقاتلي الفاطميين إلى الديار ربما ليست التهديد المحتمل للاستقرار في المنطقة، كما أن الشائعات حول حدوث حالات تمرد في صفوفهم خلال حربهم في سورية تشير إلى أنهم لا يتمتعون بالانضباط والوحدة في ما بيهم بصورة كافية، حسبما أوحى البعض، لكنهم بالتأكيد أظهروا قدرتهم على البقاء. وكان الزعيم الراحل لتنظيم الفاطميين هو علي رضا تفاصولي، الذي قام بتجميع أعداد من المهاجرين الأفغان للقتال في سورية عام 2012 من بقايا قوات حاربت في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، والآن يجد مقاتلي التنظيم أنفسهم مرة أخرى وسط تنافس جيوسياسي بين الولايات المتحدة وإيران، والذي يثير احتمال وقوع حرب أخرى في منطقة الخليج.

وفي الوقت الذي يناقش فيه الكونغرس الأميركي صدقية ادعاءات البيت الأبيض بالتهديدات الوشيكة للمصالح الأميركية جراء حرب إيرانية بالوكالة، فإن المشرعين وموظفي الإدارة يكونون قد فعلوا الصواب إذا اهتموا بدراسة قرار قوات الحرس الثوري المتعلقة باستدعاء وإعادة توجيه وكلائها في القتال أمثال تنظيم الفاطميين. وتعد إعادة توجيه أهداف الوكلاء الذي تقوم به إيران مؤشراً إلى أن مهمة الولايات المتحدة في تغيير النظام في إيران لن تكون رخيصة أو سهلة، وأنها يمكن أن تنطوي على آثار مدمرة لاستراتيجية خروج الولايات المتحدة الفوضوية من أفغانستان.

• التوتر يزداد بين المتشددين المؤيدين للنظام الذين يواصلون تحدي الولايات المتحدة، والشعب الإيراني الذي يعيش تحت ضغوط ثقافة الحروب غير المنتهية، والعقوبات الاقتصادية الشديدة.

كانديس روندو - محلل وكاتب في «واشنطن بوست»

تويتر