التخبط والاضطراب يخرجان عن نطاق السيطرة

أميركا وحدها القادرة على إعادة استقرار ليبيا

الصراعات متواصلة في ليبيا منذ سقوط القذافي عام 2011. أ.ف.ب

حتى ولو كان ذلك غير محبذ لدى السياسيين الأميركيين، إلا أنه يتعين على الولايات المتحدة زيادة انخراطها في واحد من أكثر صراعات العالم التي تزداد تفاقماً، ويتمثل في ليبيا. وتعاني هذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، استمرار الاضطرابات فيها مع احتمال انتشار الصراع إلى القارات الثلاث المتجاورة أوروبا وآسيا وإفريقيا، كما أنه ليس هناك أي احتمال للتوصل الى حل للصراع في المستقبل القريب، ويحتاج هذا البلد إلى أن تقوم الولايات المتحدة بالانخراط الدبلوماسي السريع لوحدها وبأقوى ما تستطيع، وبالطبع سيزداد الوضع المتدهور تفاقماً كلما طال أمد الصراع، وهو الأمر الذي يشكل تهديداً للمصالح الأميركية في منطقة حرجة وهشة من العالم.

ومنذ انتفاضة ما يسمى «الربيع العربي» التي تحولت إلى تمرد نجم عنه الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، تكشف عدد مذهل من التشققات في ليبيا، وثمة فريقان رئيسان في ليبيا، هما «حكومة الوفاق الوطني» مقرها في طرابلس ومدعومة من قبل الأمم المتحدة، والتي تتمتع ببعض السلطات في غرب البلاد، إضافة إلى الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يتحالف مع مجلس النواب في طبرق، وهناك أيضاً «ألوية مصراتة» التي تدعم حكومة الوفاق، وإن كانت هذه الألوية تتحالف أحياناً مع الجيش الوطني الليبي.

وأما الفريق المنافس الآخر فهو مجموعة من الميليشيات المستقلة، التي يعمل بعضها في الجريمة المنظمة كتهريب الأسلحة، وتهريب البشر، والنفط، وينشط تنظيم «القاعدة» في ليبيا أيضاً، كما أن تنظيم «داعش» له حضور، وإن كان قد تعرض لأضرار شديدة بعد خسارته معقله في مدينة سرت الساحلية عام 2016.

ولكن الاستجابة الدولية لهذا الاضطراب الذي تعيشه ليبيا يبدو ضعيفاً وغير مؤثر، الأمر الذي فسح مجالاً للقوى الأجنبية كي تواصل تحقيق مصالحها داخل ليبيا، ويتعارض بعض هذه المصالح مع تحقيق حل سياسي دائم في ليبيا، وتتخذ الدول الأوروبية مواقف متناقضة من هذه القوى والمجموعات المسلحة، كما أنها تدعم فرقاً سياسية متنوّعة، وتعترف الأمم المتحدة بحكومة الوفاق الوطني فقط.

ونتيجة كل هذا التخبط والاضطراب، تبرز الحاجة إلى القيادة الأميركية، وربما تكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تملك النفوذ والعلاقات مع العديد من الأطراف ذات الصلة لدفعها جميعاً نحو العمل بصورة منسجمة في ليبيا، ويجب عليها العمل لإقناع اللاعبين المختلفين من أجل الضغط على حلفاء الليبيين الخارجيين للتوصل إلى اتفاق سياسي حقيقي، وتحميلهم مسؤولية استمرار الاضطرابات، ويمكن أن يسفر السلام في ليبيا عن جهود يمكن أن تقلل من الآثار الضارة على الأزمات الاقتصادية في الدول المجاورة مثل تونس.

مصلحة أميركية

وينطوي هذا الاستثمار للقوة والاهتمام الأميركي بليبيا على مصلحة كبيرة لها وللشعب الليبي، ونتيجة هذه الاضطرابات التي تعيشها ليبيا ستكون محاولة القضاء على المجموعات الإرهابية العاملة في الدولة فاشلة، ولن يتم القضاء عليها بصورة شاملة، وقبل اندلاع هذه الاضطرابات كانت ليبيا تنتج نحو مليون برميل من النفط يومياً، وإذا نجحت إحدى هذه المجموعات المسلحة التي تحاول دائماً الاستيلاء على حقول النفط في مسعاها، فسيكون من الصعب اقناع هذه المجموعات بالتخلي عن أسلحتها، خصوصاً أنها تمول نفسها من أموال النفط التي من المفترض أن تكون لإعادة بناء ليبيا، وهذا يمكن أن يقلل إمدادات النفط في الأسواق.

وقبل أن تعقد إيطاليا اتفاقات عدة في ليبيا لتحسين الأوضاع فيها، كان تدفق المهاجرين عبر ليبيا يضيف مزيداً من الضغوط التي تسببها الهجرة الجماعية الى أوروبا، ولكن هذه الجهود الليبية لمنع هذا التدفق ربما لن تكون مستدامة، وأي جهة تسيطر على طرق تهريب المهاجرين سيكون لها استحقاق وميزة عند الأوروبيين.

ولابد من القول إن حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا لفتت انتباه الروس إليها أيضاً، ونتيجة قرب ليبيا من أوروبا والشرق الأوسط، ووجود نفطها، إضافة إلى موقعها كطريق للهجرة إلى أوروبا، كل ذلك يجعلها المكان المفضل لروسيا إذا اكتسبت النفوذ المناسب فيها.

وفي نهاية المطاف، فإن انعدام الاستقرار في ليبيا يهدّد منطقة هي في الأصل هشة وضعيفة، وعانت تونس بصورة خاصة انعدام الاستقرار، وكذلك دول أخرى بعيدة مثل مالي وسورية، اللتين تعتبران اثنتين من ضمن نحو 12 دولة تدفقت إليها الأسلحة القادمة من ليبيا منذ عام 2011.

ولا تستطيع الولايات المتحدة حل مثل هذا الصراع المعقد والمبهم بسهولة، ولكنها تظل الدولة الوحيدة التي تملك القوة المناسبة للضغط بصورة فعالة على جميع اللاعبين في ليبيا؛ للوصول إلى اتفاق ما حول كيفية العيش في ليبيا معاً، والوقت قصير، بالنظر إلى أن عدم وجود طريقة موحدة لحل الأزمة الليبية أمر من شأنه أن تتفاقم المشكلات العديدة التي يقدمها الوضع المضطرب في ليبيا للشعب الليبي والمنطقة والعالم.

- تتخذ الدول الأوروبية مواقف متناقضة

من القوى والمجموعات المسلحة الليبية،

كما أنها تدعم فرقاً سياسية متنوّعة،

بينما الأمم المتحدة لا تعترف سوى بحكومة

الوفاق الوطني فقط.

تويتر