التخطيط يبدأ من «عربيات الجمعية»

سامي الريامي

شخصياً، اعترف بأني أندرج ضمن فئة المتسوّقين العشوائيين، حتى وإن لم يسألني أحد ممّن أعدّ الدراسة الميدانية في جمعية الاتحاد التعاونية، ولا أعتقد أني الوحيد الذي يندرج ضمن هذه الفئة ولم يتمّ إدراجه ضمن شريحة البحث، فالأرقام المنشورة وإن كانت تمثل عيّنة عشوائية مكونة من 3000 متسوق، إلا أن الحقيقة تثبت وجود أعداد كبيرة جداً من المواطنين والعرب يتبعون التسوّق العشوائي نمط حياة سائداً لديهم.

نحن نشتري بشكل دائم كل ما هو زائد على الحاجة، هذا أمر محسوس وملموس، إلا أن الصدمة التي قدّمتها لنا الدراسة هي أن 70٪ من مجموع ما يشتريه المتسوّق العشوائي، هي أمور خارجة عن الاحتياجات الرئيسة، ولا حاجة له بها، ما يجعل الموضوع خطيراً ومثيراً، فحياتنا الاقتصادية بكاملها تحتاج إلى إعادة تخطيط وترتيب وإعادة دراسة!

المتسوّق العشوائي هو الذي لا يخطط مسبقاً لعملية الشراء من منافذ البيع المختلفة، وفقاً للتعريف الذي استخدمته دراسة جمعية الاتحاد، التي تكمن أهميتها في كون أفرع الجمعيات هي بيئة مناسبة جداً لدراسة سلوك الإنسان وعادات التسوّق لديه، ما يكرّس فرضية تصديق الأرقام المذكورة، حسب نتائج الدراسة، بنسبة عالية.

النتائج تقول إن 72٪ من المواطنين، و87٪ من المقيمين العرب يندرجون تحت وصف «المتسوّقين العشوائيين»، وعلى النقيض من ذلك فإن 92٪ من المتسوّقين الأوروبيين و57٪ من المتسوّقين الآسيويين يعتبرون «متسوّقين منظّمين»، بمعنى أنهم لا يعتمدون على الذاكرة في أثناء عملية الشراء، وهم يعرفون تماماً هدف زيارتهم للجمعية وماهية الأشياء التي يريدون شراءها، وبالتالي فهم يقضّون وقتاً أقصر في الجمعية، ويدفعون أقل، ويشترون ما يحتاجون فقط، دون زيادة أو إسراف، ويكتفون بذلك، والعكس تماماً في حالتنا نحن المواطنين والإخوة العرب، ونتيجة تلك النتيجة العكسية هي وجود 70٪ من الأكياس المعبّأة في عربات الجمعية لا نحتاجها فعلياً!

المشكلة الكبيرة الناجمة عن تزايد هذا النمط الاستهلاكي في المجتمع، تقع آثارها السلبية على المجتمع بأسره، فهي تتجاوز المشتري العشوائي، كما تتجاوز كل أفراد العيّنة العشوائية موضع الدراسة، حيث يشجع هذا السلوك التجار على الزيادة المستمرة في الأسعار، خصوصاً في المواسم الاستهلاكية المختلفة مثل شهر رمضان والأعياد ودخول المدارس وغيرها.

كما أدى هذا النمط إلى تراكم الديون الفردية في المجتمع، خصوصاً في ظل صرف المال في أوجه خاطئة وغير مجدية، في المقابل فإن ذلك يعني تراجع الادّخار إلى أدنى مستوياته، ما يؤدي إلى ضرر مباشر في الاقتصاد الوطني، وهي ليست مبالغة إطلاقاً، خصوصاً أن هناك دولاً في العالم مثل سنغافورة بدأت تتخذ إجراءات تنفيذية تُلزم من خلالها المواطنين بتوفير جانب محدّد من الرواتب للادّخار في البنوك والمصارف. عموماً ليس عيباً على الإطلاق الاعتراف بوجود سلوك خاطئ لدى فرد أو مجموعة أفراد، لكن من المعيب حقاً الاستمرار في هذا النهج، وبعد هذه الدراسة التي أعدّتها جمعية الاتحاد التعاونية في دبي، وجب علينا من اليوم إعادة التخطيط لمشترياتنا، ولا أعتقد أبداً أن حمل ورقة صغيرة والتركيز على الكميات الضرورية، وشراء ما نحتاج فقط من مستلزمات، هو أمر يعيبنا في شيء، فلنبدأ إذن في إعادة تخطيط حياتنا، بدءاً من عربات التسوّق في الجمعيات!

reyami@emaratalyoum.com

تويتر