«لقاء في باريس» باكورة معارض اللوفر أبوظبي في موسمه الجديد

85 عملاً تتبع الأثر الفرنسي في فن القرن الـ 20

صورة

«كانت لوحاتي الروسية بلا نور، فهناك كل شيء كان قاتماً ورمادياً، وعندما قدمت إلى باريس، صعقت بالألوان المتألقة، والأضواء المبهرة، فوجدت ما كنت أبحث عنه، وهو الخامات النقية، والألوان المذهلة، وهذه هي مدرسة باريس». تمثل هذه المقولة للفنان العالمي مارك شاغال، أوضح تعبير عن التأثير الفريد الذي أحدثته العاصمة الفرنسية ليس في أسلوبه الفني فقط، بل في كل فناني فترة عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت باريس في تلك الفترة مركزاً جاذباً للفنانين من جميع أنحاء أوروبا، الذين اتخذوا منها موطناً ثانياً لهم، بعد أن تركوا بلادهم في أعقاب الحرب العالمية الأولى بحثاً عن مكان آمن يعبّرون فيه عن أنفسهم وفنهم.

في المقابل، قام هؤلاء الفنانون بتقديم مجموعة من الأعمال الفنية الأكثر إبداعاً في التاريخ، ليتركوا بصماتهم ليس في الفن في باريس فقط، ولكن في العالم أجمع. حول هذا العطاء المتبادل بين باريس وفنانيها؛ جاء المعرض الجديد الذي ينظمه متحف اللوفر أبوظبي تحت عنوان «لقاء في باريس: بيكاسو وشاغال وموديلياني وفنانو عصرهم (1900- 1939)»، بالتعاون مع مركز بومبيدو ووكالة متاحف فرنسا، وافتتحته وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، نورة بنت محمد الكعبي، إلى جانب رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي محمد خليفة المبارك، وبحضور رئيس دائرة تنمية المجتمع، الدكتور مغير خميس الخييلي، ووكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، سيف سعيد غباش، ونخبة من المسؤولين والدبلوماسيين. على أن يفتح المعرض أبوابه للجمهور غداً الأربعاء، ويعد الأول في موسم اللوفر أبوظبي الثقافي الجديد، الذي يحمل عنوان «مجتمعات متغيّرة»، كما يقدم المعرض أكبر مجموعة لعمالقة الفن الحديث، تُعرض في الإمارات العربية المتحدة.

فنانون طليعيون

بأكثر من 85 عملاً، لفنانين طليعيين من القرن الـ20، مثل بابلو بيكاسو، ومارك شاغال، وأميديو موديلياني، وخوان غريس، وشايم سوتين، وقسطنطين برانكوزي، وتمارا دوليمبيكا، يحمل المعرض الذي قام بتنسيقه رئيس أمناء قسم الفن الحديث في المتحف الوطني للفن الحديث في مركز بومبيدو كريستيان بريان، زواره لينتقل بهم إلى باريس في العشرينيات، حيث شهدت نهضة فنية استثنائية، عبر ديكورات مميزة تمثل صوراً عملاقة بالأبيض والأسود معلقة على جدران المعرض لشوارع المدينة ومقاهيها الشهيرة، التي كانت بمثابة مراكز تجمع للفنانين الذين قدموا إليها من بلدانهم بحثاً عن حرية التعبير في فنهم، وعن بيئة تساعد على الإبداع وتتقبل التجديد. كما يبرز المعرض كيف أسهمت التعددية الثقافية لدى هؤلاء الفنانين، والدمج بين ملامح الوطن الأصلي ومكان النزوح، في تطور أساليبهم الفنية، وظهور بعض أهم أساليب الفن الحديث، من التكعيبية مروراً بالمدرسة الوحشية، وصولاً إلى الطليعية الروسية وغيرها من المدارس الفنية.

بين الوحشية والتكعيبية

من لوحة بابلو بيكاسو التي رسمها للناقد الفني غوستاف كوكيو في عام 1901، تعبيراً عن امتنانه لكتابته مقدمة كتالوج المعرض الأول الذي شارك فيه بيكاسو بباريس، تبدأ رحلة الزائر بين الأجواء الباريسية العتيقة لتتبع نشأة العديد من الحركات الفنية التي حددت معالم الفن الحديث، فالقاعة التالية تلقي الضوء على الحركة الوحشية، وهي من أولى الحركات التي ظهرت في هذا السياق، واستمد فنانوها الإلهام من أعمال فان كوخ وغوغان، فتميزت لوحاتهم بالألوان المشرقة الحادة والصريحة لنقل المشاعر والأحاسيس، وذلك عبر مجموعة من الأعمال لفنانين بارزين منها لوحة «درجات الأصفر» لفرانتيشك كوبكا، و«نيني: الراقصة في ملهى فولي بيرجير» لكيس فان دونغن، و«فيلومينا» و«الفتاة النائمة» لسونيا ديلوناي. لينتقل بعد ذلك إلى التكعيبية التي بدأها بابلو بيكاسو مع الفنان جورج باراك، واستمد إلهامها من المنحوتات الإفريقية وأعمال بول سيزان، وتتسم هذه الحركة بسرم ملامح الأشخاص في إطار تجريدي، ومن أشهر هذه الأعمال المعروضة لوحة «امرأة جالسة على كرسي» لبيكاسو، ولوحة البارونة هيلين أوتنغين لليوبولد سورفاج.

تجمع الفنانين

يلقي المعرض الضوء على أبرز الأماكن التي شكلت مراكز لتجمع الفنانين، منها «لاروش»، الذي ضم مجموعة من الورشات اختلطت فيها الممارسات الفنية الأكثر كلاسيكية بالتجارب الأكثر إبداعاً، لاسيما في مجال النحت، على أيدي فنانين روس من بينهم عدد من بيلاروسيا، منهم مارك شاغال، حيث يمكن للزائر مشاهدة لوحته التي جسد فيها الحياة الريفية في بلده الأم. أيضاً ركز المعرض على حي مونبارناس الذي حل محل تلة مونمارتر التي شهدت نشأة الحركة التكعيبية، وأصبح قبلة للفنانين من كل أنحاء العالم، ومن أبرزهم إميدايو موديلياني، وغيره من الفنانين الذين عرفوا باسم «مدرسة باريس»، ويضم هذا القسم أعمالاً بارزة عدة، تبين التبادل الثقافي الذي شهده هذا الحي، من أهمها لوحة «صورة شخصية لديدي» لأماديو موديلياني، ولوحة «ألفريد فليشتايم بزي مصارع الثيران» لجول باسكين (1925).

وخصص المعرض ركناً للتصوير الفوتوغرافي، ضم أعمالاً لمصورين أوروبيين وأميركيين، قدموا إلى باريس وعاشوا فيها لأسباب سياسية أو اقتصادية، مثل صورة «واجهات المجلات» لفلورانس هنري، و«جسر نوف في الليل» لبراساي، و«ظل برج إيفل» لاندرية كيرتيس.

قوة الفن

أشار مدير متحف اللوفر أبوظبي مانويل راباتيه، قبل الجولة الإعلامية التي تم تنظيمها، صباح أمس، إلى أن المعرض يُشكّل محطة مهمة في المنطقة، إذ يسلط الضوء على حقبة بارزة في تاريخ الفن. في سياق الموسم الثقافي الجديد.

بينما تحدث مدير مركز بومبيدو سيرج لافين، عن الأجواء التي سادت باريس في تلك الفترة، مشيراً إلى أن المعرض يعبر عن قوة الفن، باعتباره أداة للتغيير، ونموذج بارز للتبادل الثقافي بين مختلف الجنسيات والثقافات، معرباً عن سعادته بالتعاون مع اللوفر أبوظبي.

وسائل تفاعلية

إلى جانب اللوحات الفنية والمنحوتات، ضم معرض «لقاء في باريس: بيكاسو وشاغال وموديلياني وفنانو عصرهم (1900- 1939)»، الذي يستمر حتى السابع من ديسمبر المقبل، وسائل تفاعلية تسهم في تقديم مزيد من المعلومات للزائر عن تطوّر المشهد الفني في باريس في تلك الحقبة، بأسلوب تفاعلي مبتكر عبر شاشات خاصة، مثل تتبع رحلة الفنانين من مواطنهم إلى باريس، أو خوض تجربة متكاملة داخل استوديو الفنان قسطنطين برانكوزي، وتركز أداة ثالثة على الألوان والموسيقى.


- تبدأ رحلة الزائر بين الأجواء الباريسية العتيقة، لتتبع

نشأة العديد من الحركات الفنية الحديثة.

- يبرز المعرض دور التعددية الثقافية، والدمج بين

ملامح الوطن الأصلي ومكان النزوح.

تويتر