أول فيلم للمخرج رود لوري بعد عقد من الغياب

«ذا آوتبوست».. توازن مطلق بين المعارك والجانب الإنساني

صورة

من المفاجئ عودة الناقد السابق والمخرج الأميركي رود لوري، إلى السينما بعد عقد من الغياب تقريباً، إذ كان آخر فيلم له Straw Dogs عام 2011. لوري شبه متخصص في الأفلام السياسية أو البوليسية بنكهة سياسية، ومن أشهر أفلامه Deterrence «ردع» 1999 وأفضلها حتى الآن The Contender «المنافس» عام 2000. هذا الفيلم The Outpost «القاعدة الأمامية» المقتبس من قصة حقيقية وردت في كتاب بالعنوان نفسه لجيك تابر هو الثاني بعد «إكستراكشن» هذا العام يستحق تجربة سينمائية حتى لو كانت منزلية، خصوصاً بسبب مشاهد الأكشن الحرفية التي تدور في سياق حرب. بعكس «ملك ستيتن آيلاند» و«يو شود هاف ليفت» اللذين لن يضيفا شيئاً لو عرضا سينمائياً.

يغمس الفيلم المشاهد في التجربة كأفلام أخرى ذات طابع عسكري، مثل «بلاك هوك داون» 2002 لريدلي سكوت وSaving Private Ryan، لستيفن سبيلبيرغ، أوبكلمات أخرى يلقي المشاهد في قلب المعركة.

قساوة المنطقة

تتكرر لقطة في الفيلم نرى فيها طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة المحيطة بالقاعدة العسكرية كيتنغ في كامديش بأفغانستان، حيث تقع أحداث الفيلم، ويمهد لوري من خلالها لما سيمر به الجنود من متاعب يومية، خصوصاً بسبب جغرافية المكان.

اللقطة الافتتاحية للفيلم للمصور الإيطالي لورينزو سيناتوري، هي الأكثر تعبيراً عن قساوة تضاريس المنطقة، وكيف أن تلك القاعدة التي يدور حولها الفيلم كانت في أسوأ موقع: في مركز واد عميق. يعطي الموقع السيئ ميزة للعدو - مليشيات حركة «طالبان» التي تسيطر على أجزاء من أفغانستان - وهي قدرتهم على الاختباء خلف الصخور المطلة مباشرة على القاعدة، وبالتالي إطلاق النار على الجنود أسفلهم بكل سهولة.

سبب اختيار الموقع قربه من الحدود الباكستانية، حيث يسكن هناك مجتمع أفغاني يحاول الجنود الأميركيون تكوين علاقات صداقة وثقة مع أعيانه وأفراده، لكن تلك العلاقات سرعان ما شابها شعور بالغدر والخيانة من الجانب الأفغاني، الذي لا يميز بسهولة بين عدوه وحليفه، فأي جريمة يرتكبها أفراد «طالبان»، يتهم الأعيان الجنود الأميركيين بها.

الساعة الأولى

يتبنى لوري وكاتبا السيناريو بول تاماسي وإريك جون (كتبا فيلم ذا فايتر 2010) منهجاً تجزيئياً للساعة الأولى من الفيلم، هذه الساعة معظمها عن الجنود في كامديش، وهم يعانون فواجع تتطلب إبراز قادة جدد.

من سمات هذه الساعة حوارات روتينية تقطعها مشاهد تبادل إطلاق نار، ثم تستأنف الحوارات بشكل متداخل. الجنود هم متقاربون في السن وجاءوا من الخلفية نفسها، وجميعهم يمرون بشعور يتناوب عليهم جميعاً، وهو ملل شديد في قاعدة عسكرية بعيدة جداً عن الحضارة، ممزوج برعب دائم من هجوم وشيك قد يقع في أي لحظة.

وهذا ما ينجح لوري في نقله إلى المشاهد الذي يفاجأ برصاصات طائشة وسط حوارات، ما يعزز شعوراً عاماً بعدم الارتياح، وشفقة على شخصيات معرّضة للموت في لمح البصر.

تبرز وسط الحوارات وجوه بالكاد نميزها رغم أن بعضها لنجوم، مثل الملازم بنجامن كيتنغ (أورلاندو بلوم)، الرقيب كلينت روميشا (سكوت إيستوود)، تاي مايكل كارتر (كيلب لاندري جونز)، والنقيب روبرت يليسكاس (مايلو غيبسون).

أداء الجميع في «آوتبوست» أفضل من عادي بالنسبة لأفلام هذا النوع، وهذه من نقاط قوة لوري. فهو يريد من المشاهد الانتباه أن كل جندي هو رجل عادي، ثم يعطي كل جندي الموقف الذي يحتاجه بالضبط ليستخرج منه الأداء المطلوب.

مثلاً، لو نظرنا إلى سكوت إيستوود، وهو ابن أسطورة السينما كلينت إيستوود، فإن أداءه يذكر كثيراً بأداء والده في شبابه أول السبعينات. هذه ليست مصادفة، لوري يعلم ما يفعله. من المستحيل أن يشاهد شخص متمكن أداء سكوت ولا يتذكر أداء والده كلينت، خصوصاً في اللقطة التي يقول فيها: «لا، ليس اليوم»، فإن سكوت يقلد صوت والده وحتى طريقة إلقاء العبارة، وكأن كلينت إيستوود نفسه يقولها. وليست مصادفة أن شخصية سكوت اسمها كلينت. الشيء نفسه بالنسبة إلى كيلب جونز الذي يشع أداءه بريقاً في النصف الثاني من الفيلم، رغم أن ملامح وجهه بالكاد تظهر وسط الكدمات والتراب والدخان.

الساعة الثانية

تتألف الساعة الثانية من الهجوم الذي تعرّضت له تلك القاعدة العسكرية كيتنغ في الثالث من أكتوبر 2009، وتلك الواقعة من أعنف الهجمات الحديثة التي حصلت منذ ضربات سبتمبر. اختصرها لوري في ساعة واحدة لن تستطيع خلالها أن تغفل عن الشاشة. القصة هي أن خبر إغلاق القاعدة كيتنغ وصل إلى مقاتلي «طالبان»، فقرروا إرسال رسالة، وهي الدفع بـ300 مقاتل مدجج بأسلحة رشاشة وبنادق قنص. يميل لوري في هذا الجزء إلى توظيف أسلوب ريدلي سكوت، وهو رصاصات متطايرة وسط صراخ الجنود على بعضهم بعضاً بأوامر عسكرية.

لكن لوري لا يضيع في الأكشن، ولا ينسى الجانب الإنساني، ولا يلجأ إلى خدع رخيصة لتغطية قصور السيناريو، وهذه أحياناً من سقطات المخرج الأميركي بيتر بيرغ. هذا ليس الفيلم الأول الذي يكشف كيف تسببت الأخطاء البشرية بفقدان أرواح، فمعركة كامديش نتجت عنها قرارات انضباطية ضد العسكريين الذين أخفقوا في دعم القاعدة في المقام الأول. وكما يقال فإن «الأزمات تخلق فرصاً والإخفاقات تفرض أبطالاً». يرتقي التوازن بفيلم لوري، فهو ممسك بالعمل من الوسط، لا يتركه أبداً يميل باتجاه الوطنية العمياء، خصوصاً في ظل الانقسام السياسي الشديد الحاصل في الولايات المتحدة هذه الأيام، وفي الوقت نفسه لا يشحنه بالتوبيخ أو اللوم لنظام عسكري معطل تسبب في خسارة الكثير من الأرواح، إنما تركيزه منصب على شيء واحد، وهو أولئك البشر المحشورين في تلك المعركة الواقعة في قلب واد محاصر. انتهت المعركة بتدخل سلاح الجو، وكان ذلك بعد مقتل ثمانية جنود أميركيين، وأربعة من زملائهم الأفغان، بينما تكبدت «طالبان» خسائر فادحة وفقدت نصف العدد الذي أرسلته.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


ليس مصادفة

معركة قاعدة كيتنغ هي الأولى منذ 50 عاماً، التي مُنحت بسببها ميدالية الشجاعة إلى جنديين على قيد الحياة، هما: كلينت روميشا وتاي مايكل كارتر.

يذكر أن الفيلم طرح خلال إجازة يوم الاستقلال الأميركي، الذي صادف الرابع من يوليو الجاري، وحتى تاريخ طرحه ليس مصادفة.


• 3 أكتوبر 2009 تاريخ الهجوم الذي تعرّضت له قاعدة كيتنغ، وتدور حوله الساعة الثانية من الفيلم.

• يغمس الفيلم المشاهد في التجربة كأفلام أخرى ذات طابع عسكري، أو بكلمات أخرى يلقي المشاهد في قلب المعركة.

• يرتقي التوازن بفيلم لوري، فهو ممسك بالعمل من الوسط، لا يتركه أبداً يميل باتجاه الوطنية العمياء.

تويتر