أسند البطولة إلى شخصيات القصة الحقيقية

«قطار الثالثة و17 دقيقة إلى باريس» ينحرف عن مسار كلينت إيستوود

صورة

لو قلنا إن هذا أضعف فيلم لصانع الأفلام الأميركي كلينت إيستوود، فهي عبارة غير دقيقة، لأن الفيلم ليس سيئاً ولا ضعيفاً بالنسبة للمشاهد العادي، الذي لا يعرف شيئاً عن خلفيته. أما بالنسبة للمشاهد المتمرس، ومن اعتاد أفلام إيستوود فهو كذلك.

The 15:17 to Paris فيلم أو «قطار الثالثة و17 دقيقة إلى باريس» عن القصة الحقيقية لحادثة وقعت في قطار تاليس في رحلة أمستردام - باريس، إذ هاجم إرهابي يدعى أيوب الخزاني المسافرين على متنه في 21 أغسطس 2015، وفي اللحظة التي تعطل فيها مسدسه الرشاش انقض عليه ثلاثة أميركيين واشتبكوا معه وقيدوه قبل تسليمه إلى السلطات الفرنسية، ما جعل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند يستضيفهم مع عائلاتهم، ويقلدهم وسام الشرف تقديراً لقرارهم الشجاع بالتدخل لإنقاذ الآخرين.

نقول إرهابي، رغم أن الرجل قال في التحقيقات إنه ارتكب جريمته بدافع السرقة وليست له توجهات سياسية، لكن ما فعله يبقى إرهاباً يستحق عليه أقسى عقوبة. ليس هناك مفاجآت وكل ما نشاهده هو إعادة بناء الأحداث؛ إذ يتجه إيستوود إلى قصة لقاء وتعارف أبطاله على حساب المشهد الذروة آخر الفيلم.

محافظة ودعاية

إيستوود (87 عاماً)، الذي خاطر باستخدام الشخصيات الحقيقية بدلاً من ممثلين محترفين، يبدأ بمشهد محطة القطارات قبل أن يعود بالزمن إلى عام 2005، ليروي قصة لقاء أبطاله الثلاثة.

بعد أن واجه سبينسر ستون وآليك سكارلاتوس متاعب في مدرستهما، تنقل والدتا الصبيين (جودي غرير وجينا فيشر) الفتيين إلى مدرسة مسيحية، إذ يتعرفان إلى الصبي الثالث آنثوني سادلر، ويصبحون أصدقاء يلعبون معاً ألعاباً حربية، ويتشارك ستون وسكارلاتوس في شغف الأسلحة النارية، وينخرط الاثنان لاحقاً في الجيش الأميركي، أما سادلر فيوضح منذ البداية أن ذلك ليس اهتمامه.

تجاهل حسب قاعدة «هوليوود»

هناك رجل بريطاني يدعى كريس نورمان، أسهم في إنقاذ المسافرين، لكن إيستوود يتجاهل ذلك تماماً، متبعاً قاعدة هوليوود في تجاهل أي عنصر غير أميركي في أدوار البطولة، وقبل هذا تجاهل بين أفليك في فيلم Argo دور السفير الكندي في إنقاذ الرهائن الأميركيين من الهمجية الإيرانية، في أزمة السفارة عام 1979.


لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.



• مشكلة قصة أبطال إيستوود الثلاثة أنها مملة خالية من التشويق كأنه يتتبع قصة أي شباب أميركيين عاديين يتسكعون في إجازتهم.

• 87 عاماً، عمر صانع الأفلام الأميركي المخضرم كلينت إيستوود.

لا يخفي إيستوود الجانب الديني الذي يعتنقه شخصياً (مسيحي محافظ) لشخصياته والوالدتين اللتين لا تترددان في قول أن الرب كبير، وسيتدخل يوماً لصالح ابنيهما، هذا الجانب الديني مُطعّم سياسياً بفكر جمهوري محافظ، إذ يعمد إيستوود وكاتبته دوروثي بليسكال - وهذا نصها السينمائي الأول - إلى إبراز ربط السلاح بتنشئة الشخصيات إلى درجة ظهور ملصق «الرابطة الأميركية للسلاح» في خلفية أحد المشاهد.

إيستوود لا يتردد أيضاً في إبراز الدعاية السياسية للحزب الجمهوري، بتصوير الصبية يتدربون على استخدام السلاح، ولو في إطار لعبة حربية.

يبالغ إيستوود في تمجيد العقيدة العسكرية الأميركية، كما فعل في فيلم «قناص أميركي»، وهدفه ربط الفعل البطولي الذي نراه في النهاية مع تنشئة تلك الشخصيات على استخدام واقتناء السلاح، وهذه مادة مثيرة للجدل فلو كانت في يد صانع أفلام يميل إلى الديمقراطيين؛ مثل مايكل مور لشاهدنا فيلماً مثل Bowling For Columbine يربط اقتناء السلاح بالمجازر التي تقع في المؤسسات الأميركية.

بكلمات أخرى، إيستوود الذي يدعم الرئيس دونالد ترامب على استحياء، فضل مادة هذا الفيلم على غيره بسبب تأخر المشروع الآخر الذي كان يريده، فسارع إلى هذا الفيلم الذي يتيح له تمرير رسائله السياسية في هوليوود الليبرالية، لكن نحن كمشاهدين في هذا الجزء من العالم غير معنيين بمعتقدات صانع الفيلم وتوجهاته، إنما نحن معنيون بالقيمة الفنية للفيلم.

مخاطرة وكبوة

في فيلمه السابق Sully، أظهر إيستوود حرفية إخراجية لم تكن غريبة عليه عندما شاهدنا كارثة هبوط الطائرة اضطرارياً في نهر هدسون سبع مرات من وجهات نظر مختلفة، رغم أن ذلك الفيلم لا يختلف كثيراً عن هذا من ناحية عنصر الكارثة والدور البشري البطولي في تجنبها. ولا ننسى إسناد دور البطولة لتوم هانكس القادر على تقمص شخصية رجل الشارع العادي، دون طغيان نجوميته على الدور.

لكن هنا إيستوود يخاطر كثيراً في هذا الفيلم، عندما قرر إسناد البطولات إلى الشخصيات الحقيقية التي عاشت القصة، من ناحية أخرى، إيستوود متمكن من أدواته إخراجياً، خصوصاً مشهد الهجوم الأخير، لكن ما خذله قراره بالاستعانة بالأشخاص الحقيقيين الذين قدموا أداء متحجراً، ما تسبب في غياب الدراما عن القصة.

أيضاً تسبب التزام إيستوود بالواقعية الشديدة في انحراف الفيلم عن مساره، أو ربما هي كاتبة نصه غير المتمرسة، فمشكلة قصة أبطال إيستوود الثلاثة أنها مملة خالية من التشويق كأنه يتتبع قصة أي شباب أميركيين عاديين يتسكعون في إجازتهم، يصطحبون صديقهم الثالث الذي يعمل في وظيفة مدنية بين المدن الأوروبية.

كأننا مجبرون على مشاهدة ألبوم صور لشباب في إجازة يرتادون الحانات والملاهي الليلية، لا توتر بينهم ولا خلافات نهتم بها، وكل هذا الجزء الذي يأتي مقحماً في وسط الفيلم لا علاقة له بما يحدث في النهاية سوى من خلال جملة يقولها سبينسر هي: «إن القدر يحضره لخدمة هدف عظيم»، وهي عبارة تعكس تدين الشخصية.

قرار استخدام أشخاص حقيقيين كممثلين في الأفلام ليس جديداً، ويعد سمة بارزة في سينما الواقعية الجديدة الإيطالية (حركة ظهرت من 1944 - 1952، وركزت على حياة الطبقة الفقيرة والمظلومين)، وتأثرت بها السينما الإيرانية في ثمانينات العقد الماضي.

لا توجد مشكلة في استخدام أشخاص حقيقيين لو كانوا قادرين على بث روح في شخصياتهم، وهو ما لا يحدث مع إيستوود هنا. بعكس فيلم Sully، فبعد أربع لقطات قصيرة جداً في البداية تأتي مشاهد بطيئة وثقيلة قبل مشهد الهجوم بالكامل في النهاية، وهو الذي يسبب خللاً في توازن الفيلم.

هذا العمل غير الموفق يمكن أن يصنف أكثر فيلم تجريبي (على نمط ثلاثية بيفور) لإيستوود، وهو أحد ألمع صناع الأفلام في هوليوود والعالم، والحائز جائزتي أوسكار، بقدر ما تحمل هذه الفقرة من تناقض إلا أنها دقيقة جداً في وصف الفيلم.

سيتذكر الناس هذا الفيلم كمثال على تبعثر أولويات صانع أفلام متميز، خاطر بقرار لم يكن حكيماً، بصنع فيلم لا يحمل أي قيمة فنية عن شخصيات غير مهمة أدت عملاً بطولياً واحداً في لحظة من حياتها، وربما لو ركز إيستوود على كيفية تأثير الحادث في حياة الشخصيات لكان أفضل من الإغراق في أحداث سخيفة ومضجرة لا تعني شيئاً، سبقت موقف القطار.

بالعودة إلى الفقرة الأولى نقول إنه بالنسبة لصانع أفلام بحجم إيستوود، فهي حتما كبوة جواد. يذكر أن هذا العمل هو سابع فيلم سيرة ذاتية يحققه إيستوود على التوالي منذ 2009 بعد «إنفيكتوس» و«هير آفتر» و«جي إدغار» و«جيرسي بويز» و«قناص أميركي»، و«سولي».

تويتر