المرصد

الإعلام الروسي المستقل يجدف عكس التيار

في روسيا يواجه العاملون في الإعلام تحديات متزايدة مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي. ومع غياب معايير النزاهة وحرية التعبير، يبقى الصحافيون عرضة للضغوط التي تصل أحياناً إلى الاعتداءات المميتة. وفي وقت تسعى السلطات لإسكات الأصوات المعارضة للرئيس فلاديمير بوتين، تحاول منابر إعلامية روسية تسليط الضوء على قضايا الفساد السياسي والمالي في أكبر دولة في العالم من حيث المساحة.

بعد الاعتداء على المذيعة في راديو «أخيو موسكفي» تاتيانا فلغنهاور، دقت مؤسسات إعلامية ناقوس الخطر، فقد تعرضت تاتيانا للطعن في استوديوهات المحطة الإذاعية. ويتساءل مراقبون للشأن الروسي عن الأسباب التي تقف وراء استهداف مذيعة تعمل في مؤسسة إعلامية، توصف بأنها المحطة الإذاعية المستقلة الوحيدة في روسيا. ويذكر أن الانتقادات التي توجهها المحطة للسلطة أثارت غضب الكثيرين داخل الحكومة الروسية، وسبق أن تلقى ضيوف وصحافيون تهديدات بالقتل.

وقال مسؤولون في صحيفة «نوفايا غازيتا» المعارضة، إنهم يخططون لتدريب موظفيهم على استخدام الأسلحة، وتزويدهم بأسلحة «أقل فتكاً» لحماية أنفسهم من الهجمات المحتملة. ويبدو أن الصحافيين لم يجدوا طريقة لحماية أنفسهم سوى حمل السلاح، في وقت تبدو السلطات عاجزة عن مواجهة استهداف الإعلاميين.

عندما تغيب السلطة أو تغض الطرف عما يحدث للمعارضين والإعلاميين، فإن ظروف العمل ستصبح صعبة ومحفوفة بالمخاطر، وإذا كانت الأولى وراء الاعتداءات التي تستهدف رجال ونساء الصحافة، أو تغض الطرف عنها، فإن الأمر يصبح مقلقاً للغاية. روسيا ليست في حالة حرب أو طوارئ، ومع أن الوضع يفترض أن يكون طبيعياً فإن معارضة الكرملين تجلب المشكلات للكثيرين. السلطة في موسكو تريد استمرار «الوضع الراهن»، بينما تصر المنابر الإعلامية المستقلة على أن تسلك طريقاً مخالفاً للتوجه الرسمي.

ويبدو واضحاً أنه كلما اقترب الموعد الانتخابي، زاد الضغط على الإعلاميين المستقلين وبات عملهم أكثر خطورة، وقد حذرت وسائل إعلامية عدة موظفيها من احتمال تعرضهم للاعتداء، وطلبت منهم توخي الحذر، خصوصاً عند استخدام وسائل النقل العام والمشي في الشوارع المعزولة. التهديد بالاعتداء والتصفية الجسدية بات سلاحاً نفسياً ضد الإعلاميين، لكن لا يبدو أن من يستخدم هذا السلاح قد نجح في بث الرعب في الأوساط الإعلامية، لأن أغلب الصحافيين المعارضين مصرّون على الاستمرار في أداء مهامهم، وهم يدركون سلفاً حجم المخاطر التي يواجهونها في بلد اعتاد نمطاً سياسياً معيناً.

ربما تكون السلطة بريئة من الجرائم التي ترتكب ضد المعارضين والإعلاميين المستلقين، لكن من واجبها حماية مواطنيها سواء تعلق الأمر بالمؤيدين للسلطة أو المعارضين لها، ما دام هؤلاء يمارسون نشاطهم ضمن القوانين وفي وضح النهار. وأثبتت التجارب السابقة أن محاولات إسكات الأقلام والأفواه المعارضة لم تنجح، فقد شهدت روسيا تصفيات جسدية واعتداءات دموية ضد صحافيين وسياسيين معارضين منذ سنوات، إلا أن الإعلام المعارض مازال يعمل، والأهم من ذلك أنه يعمل من داخل روسيا.

التغيير في روسيا لن يكون سهلاً، لكن من واجب الإعلاميين القيام بواجبهم الوطني في مواجهة الفساد المالي والسياسي. ربما يكون ذلك بداية لمحاولة جادة تسعى لإنهاء عقود طويلة من الاحتكار الفكري والسياسي.

 

تويتر