المرصد.. «إعلام الدمار الشامل»

انشغل جمهور «التواصل الاجتماعي» في أسبوع بحادثتين مثيرتين للجدل، إحداهما لفتاة كفر الزيات، التي ابتزها منحرفون بصور على الإنترنت، فحاولت إقناع محيطها ببراءتها، فانتحرت، وثانيتهما مدرسة المنصورة التي رقصت في رحلة نيلية مع زملائها، ففقدت على إثرها وظيفتها وبيتها. الحادثتان لهما ضحيتان وجناة عديدون، لكن الجاني الوحيد الواضح، غير المقبوض عليه حتى الآن، والمدان سلفاً، هو «الإعلام الإلكتروني». هلل الناس كثيراً للموبايل الذي نقل بكاميرته كل ومضة على وجه الأرض، وللمواطن الصحافي الذي أحال «الصحافي الكلاسيكي» القديم للتقاعد، ولعصر الصورة القادمة من جهات معلومة ومجهولة، لكن لم يدركوا أن إعلاماً بلا إعلاميين، وبلا قواعد مهنية، وبلا مواثيق أو ضوابط لا يمكن إلا أن يكون بديلاً مزيفاً وتدميرياً.

في قصة المنتحرة، تزامن نشر القصة مع حملة إعلامية على ظاهرتين على الإنترنت، هما «الإباحية الانتقامية» وجامعو صور الفتيات بلا إذن، ومزوري ملامحها، والذين يطلق عليهم، انتقاداً أو بلا معنى، اسم «جامعي الثقافة». ويكشف «ريبورتاج» نشرته «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي للصحافية آنا مور، عن تجربة لمدرسة ثانوي إنجليزية مهتمة بدعم المراهقات أخلاقياً سعت لمعرفة جذور الظاهرتين اللتين يجمعهما الاهتمام بتحصيل وتزوير ملامح الفتيات المراهقات فوصلت إلى موقع عالمي يعمل بالولايات المتحدة، وهو ضمن المواقع المتورطة في القصة، وأصيبت المدرسة بالدهشة حين وجدت أن بلدتها التي لا يزيد عدد سكانها على 55 ألف نسمة لها 16 صفحة كاملة على الموقع مملوءة بصور عشرات الفتيات في أوضاع خليعة، لكن دهشتها تضاعفت عشرات المرات ووصلت إلى حد الصدمة حين اكتشفت أن الموقع ضم صورة لها شخصية وفي وضع لا تحبه.

وقالت مسؤولة «مقاومة الإباحية الانتقامية» زادا وورد «لا نعرف من أين يأتون بالصور»، وقالت الناشطة في مجموعة «منعاً لصورتك الإباحية»، الينا مايكل «الأمر لم يعد كما السابق، شخص يرسل صورة خليعة لك إلى أهلك أو أصدقائك، الآن يتم عمل صورة لك ونشرها في الخفاء دون أن تعلم عنها أنت شيئاً». هذا عن قصة فبركة الصور الخليعة التي راحت ضحيتها الفتاة الأولى.

أما عن القصة الثانية، المدرسة التي فقدت وظيفتها وبيتها، فبغض النظر عن الرؤية التربوية التي تبنتها «التعليم المصرية»، باعتبار أن ما فعلته جريمة كمدرسة وتربوية، فإن الجريمة الأكبر هي لمن صوّر وحمّل على الشبكة وشيّر، وحوّل واقعة يشاهدها عشرات إلى فرجة يشاهدها عشرات الملايين. حادثتان تبدوان عابرتين، لكنهما تعريان الميديا الحديثة وتكشفان أن لا قبل لنا بقبولها مجردة من شبكة حماية قانونية ضخمة معقدة، حتى يمكن للحياة أن تسير.

• إعلام بلا إعلاميين، وبلا قواعد مهنية، وبلا مواثيق أو ضوابط لا يمكن إلا أن يكون بديلاً مزيفاً وتدميرياً.

تويتر