أدلة على تورط جهات رسمية في تدريبهم وتمويلهم

حكايات سياسية.. ملثمون يضربون المهاجرين لمنعهم من دخول الاتحاد الأوروبي

صورة

كشفت تقارير صحافية، أن رجالاً غامضين يرتدون أقنعة يضربون اللاجئين على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، أو يتركونهم في البحر لمواجهة المجهول. فعلى الحدود بين كرواتيا والبوسنة والهرسك يقف رجال أقوياء يرتدون زياً داكناً ويضعون على وجوههم أقنعة يتسللون من خلف الأشجار يضربون ضحاياهم الأفغان والباكستانيين الذين قدموا إلى أوروبا لطلب اللجوء بالعصي والأيدي ويركلونهم. لا يحمل زيهم الرسمي أي شارات لكيلا يتم التعرف عليهم. ولكنهم لم يدركوا أن خلفهم يوجد صحافيون يراقبون كل تحركاتهم ويصورون ممارساتهم.

وتوثق مقاطع الفيديو كيف يطرد هؤلاء الرجال الملثمون عدداً من اللاجئين يحاولون الدخول لدول الاتحاد الأوروبي، ليعودوا إلى البوسنة والهرسك. ويصوب هؤلاء الملثمون عصيهم إلى أرجل المهاجرين ويصرخون فيهم «اذهبوا! اذهبوا إلى البوسنة!».

ويشير خبراء حقوق الإنسان أن عمليات صد اللاجئين غير قانونية وتنتهك كلاً من قانون الاتحاد الأوروبي واتفاقية جنيف للاجئين، التي تنص على أنه لا يجب أن يتعرض المهاجرون للخطر، وبمجرد وصولهم إلى الأراضي الأوروبية، يجب منحهم الفرصة لتقديم طلب اللجوء، وأن ضرب الأشخاص العزل ممنوع على أي حال.

شهادات

المنظمات غير الحكومية، مثل شبكة مراقبة العنف على الحدود، والعديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة «ديرشبيغل»، جمعت شهادات مئات اللاجئين وحصلت على أدلة على العنف المرتكب على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. ولا تقتصر الحوادث على الضرب المنتظم لطالبي اللجوء على الحدود الكرواتية، ففي بحر إيجه، وفقاً لشهادة بعض الشهود، قام رجال ملثمون مراراً بطرد اللاجئين بعيداً داخل البحر وتركوهم هناك على قوارب مطاطية ليواجهوا مصيرهم.

من هم هؤلاء الرجال الغامضون الذين يسيئون إلى الناس على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي؟ ومن أين يتلقون أوامرهم ليطردوا طالبي اللجوء المحتملين بهذه الوحشية؟

أمضت «ديرشبيغل» أكثر من ثمانية أشهر ترصد ما يجري على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في كرواتيا واليونان جنباً إلى جنب مع العديد من وسائل الإعلام الأوروبية الأخرى، بما في ذلك «لايت هاوس ريبورتس»، والإذاعة السويسرية «إس آر اف»، والإذاعة الألمانية العامة «ايه آر دي»، وصحيفة ليبراسيون اليومية الفرنسية، والصحيفة الصربية «نوفوستي»، والإذاعة الكرواتية «آر تي إل» والمنفذ الإخباري الهولندي «بوينتر». وتنكر الصحافيون في هيئة صيادين للاقتراب من مسرح الأحداث، واستخدموا طائرات من دون طيار فوق المنطقة الحدودية، وفحصوا صور الأقمار الاصطناعية وحللوا مئات مقاطع الفيديو التي تم إرسالها إليهم. وتحدثوا مع أكثر من 10 مصادر في مختلف الأجهزة الأمنية، وتتبعوا الدلائل الرقمية التي خلفها الرجال، الذين نشروا صورهم على «إنستغرام» و«فيس بوك» وهم يقفون أمام الكاميرا بأقنعتهم وخطاطيفهم.

العمل في الظل

وكشف التقرير عن وجود شبكة منظمة، مكونة من وحدات خاصة مدربة من كرواتيا واليونان لإجبار طالبي اللجوء على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه الوحدات تستخدم في الأصل لملاحقة مثيري الشغب وتجار المخدرات، إلا أنهم يعملون في الغالب في الظل، ويتقاضون رواتبهم من مواطني أوروبا.

وبسبب السرية التي تحيط بهذه الوحدات، لم يكن هناك أي نقاش عام تقريباً حول أنشطتها، ولم يتم تقديم أي مبرر سياسي لما تفعله.

يزعم المسؤولون الكروات أن ما يقوله اللاجئون مجرد ادعاءات، وأنهم يقومون بتلطيخ أنفسهم بشراب الكرز ليبدو كأنهم ينزفون. وأنهم يتعرضون أحياناً للضرب من قبل عصابات عنيفة على الجانب البوسني من الحدود. لكن مراسلينا تمكنوا من تصوير 11 حالة إجبار للاجئين على العودة وجميع هذه الحالات حدثت بعيداً عن المعابر الرسمية للحدود. ويُظهر التقرير أن بعض عمليات الصد على الأقل ينفذها ضباط من شرطة التدخل الكرواتية، وهي وحدة حكومية تخضع لقيادة وزارة الداخلية.

الدليل على هذا الاستنتاج يأتي أولاً من تحليل مواد الفيديو التي تُظهر أن الملثمين يرتدون زياً أزرق داكناً أثناء عمليات الصد. ويمكن رؤية السترات المبطنة التي يرتديها الرجال بوضوح في لقطات الفيديو، وهي مطابقة للنموذج الذي ترتديه شرطة التدخل الكرواتية.

ثانياً، سألت وسائل الإعلام المشاركة ستة من الضباط الكرواتيين الذين أكدوا، بعد رؤيتهم الصور، أن الرجال الملثمين ينتمون إلى شرطة التدخل الكرواتية. وطلب جميع الضباط الذين تمت مقابلتهم عدم استخدام أسمائهم من أجل سلامتهم. وهناك صور أخرى تؤكد تورط شرطة التدخل في هذه الأحداث التي جرت في مايو وتدعم الاستنتاج الذي ذهبت إليه وسائل الإعلام، حيث تُظهر الصور أحد ضباط الشرطة وهو متورط في هذه الأحداث وهو دون قناع وعلى ظهر سترته عبارة «شرطة التدخل». ويتلقى عناصر الوحدة تدريباً خاصاً، يتم خلاله تعليمهم على كيفية استخدام الهراوة. العديد من قادة الوحدة هم من قدامى المحاربين الذين أمضوا معظم التسعينات في القتال ضد القوات الصربية.

وفي مقابل مشاركتهم في العمليات الخاصة ضد المهاجرين على الحدود، يتلقى عناصر شرطة التدخل مكافآت سخية، وكما يقول العديد من الضباط الكروات، تصل عادة إلى مئات عدة من اليوروهات شهرياً. وأثناء وجودهم في الميدان يقيمون في فنادق وفي أماكن مثل منتجع توبوسكو، ويعملون على الحدود مع وحدات شرطة كرواتية إضافية لديها معرفة أفضل بالتضاريس. وبحسب الضباط، تتم العمليات تحت قيادة ضباط شرطة رفيعي المستوى في العاصمة زغرب ضمن سلطة وزارة الداخلية، واسمها الرمزي «كوريدور».

جوران نوفاك، الذي تم تغيير اسمه في هذه التحقيقات الصحافية بناءً على طلبه، هو جزء من عملية كوريدور. يقول إن وحدته تستخدم القوة البدنية بانتظام ضد طالبي اللجوء. ويقول «عندما نجد مهاجرين في الغابة، فإنهم عادة ما يرقدون على الأرض خوفاً، وأن الضباط يضربونهم في أرجلهم بهراوتهم». ضابط شرطة آخر كان أكثر وضوحاً، يقول «عمليات الصد بالطبع غير قانونية وكل شرطي يعرف ذلك، لكن الجميع يرضخ للأوامر التي تأتي من أعلى سلسلة القيادة، من وزارة الداخلية».

واجهت «ديرشبيغل» وشركاؤها وزارة الداخلية الكرواتية بالاتهامات ومواد الفيديو. ورداً على ذلك، أعلنت الوزارة أنها تعتزم التحقيق في الحوادث على الفيلم. وقال متحدث باسمها إن الوزارة سترسل بسرعة فريق خبراء إلى المواقع الحدودية حيث تم تصوير الأحداث. وقالت إنه إذا اتضح أن ضباطاً كرواتيين متورطون، فسيتم محاسبتهم.

المنظمات غير الحكومية التي أمضت سنوات في العمل في المنطقة الحدودية تؤكد أن الحكومة الكرواتية تدعم هذه الممارسات تماماً. ويسمع موظفو المنظمات غير الحكومية قصص الرعب بشكل منتظم، من بينها استخدام الكلاب ضد اللاجئين، والصدمات الكهربائية. وقال لاجئون في المقابلات إن النساء تعرضن للملامسة. وتقول آنا زوا، من مركز دراسات السلام في زغرب: «عمليات الصدّ منهجية وليست قراراً من قبل ضابط شرطة فردي، إنها سياسة الحكومة الكرواتية».

هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن المسؤولين الكروات أقاموا بنية تحتية كاملة لإجراء عمليات الصد. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أنه تم إنشاء العديد من الطرق الترابية الجديدة في السنوات الأخيرة. وتمتد هذه الطرق من الأراضي الكرواتية إلى الحدود مع البوسنة والهرسك، وكشفت الصور أيضاً حقائب ظهر ممزقة وملابس أطفال وأكياس نوم متناثرة، جميعها تشهد على ما يحدث بانتظام في هذه الطرق المسدودة.

يقول أحد حرس الحدود البوسنيين إنه وجد في مناسبات لا حصر لها مهاجرين مصابين ينزفون تعرضوا للضرب على الجانب الكرواتي من الحدود. وهو متأكد، كما يقول، من مسؤولية شرطة التدخل في هذه الأحداث. «كانت هناك حالات ضربوا فيها مجموعات المهاجرين بشدة، لدرجة أن جميعهم انتهى به المطاف في المستشفى». وفي الشتاء، كما يقول، يجد أحياناً أشخاصاً يجلسون متجمدين من البرد.

في الأشهر الأخيرة، أصبح بحر إيجه ساحة معركة ضد المهاجرين. ويُظهر 15 تسجيلاً مصوراً لطالبي اللجوء وخفر السواحل التركي كيف يتصاعد العنف. رجال يرتدون أقنعة يثقبون قوارب اللاجئين بخطافات ويطلقون طلقات تحذيرية في الماء.

ممارسات لا إنسانية

اعتبر أكثر الحوادث سوءاً جرّ رجال ملثمون جونيور أمبا أحد مواطني جمهورية الكونغو الديمقراطية هو وزوجته الحامل لعرض البحر في قارب نجاة ليلاً، وتركوهما في المياه المظلمة لبحر إيجه. كانا قد وصلا جزيرة ساموس اليونانية قبل ساعات مع فجر يوم 21 أبريل. وتؤكد الصور وتقارير الشهود هذا الجزء من القصة.

لقد عبروا من الساحل التركي القريب على زورق قابل للنفخ. في البداية، كما يقول أمبا، اختبأ هو وبعض اللاجئين عن الشرطة في التلال. لكنه يقول إن قوات الأمن عثرت عليهم بسرعة وأعادتهم إلى البحر مع 26 من طالبي اللجوء الآخرين. ويقول إنه كان يخشى على حياته وهو على طوق النجاة المتذبذب من دون محرك، مضيفاً أن الرجال لم يعطوهم حتى سترات للنجاة.

الالتزام بالقانون

تؤكد المسؤولة عن سياسة الهجرة في المفوضية الأوروبية، إيلفا جوهانسون، غالباً في خطاباتها أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لها الحق في حماية حدودها، لكن على هذه الدول الالتزام بقانون الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن، تتجاهل بعض هذه الدول نداءات جوهانسون إلى حد كبير. فبالإضافة إلى الحالات في اليونان وكرواتيا هناك أيضاً تقارير عن عمليات صد على الحدود الرومانية والإيطالية والنمساوية. وفي غضون ذلك، تسعى الحكومة الليتوانية لإضفاء الشرعية على هذه الممارسة. وفي الأسابيع الأخيرة، فضلت بولندا أن تترك طالبي اللجوء المحاصرين في المنطقة الحدودية البيلاروسية للجوع والتشرد بدلاً من السماح لهم بالدخول.

إن عمليات الإعادة المنهجية لا تعرض للخطر استمرار وجود اتفاقية جنيف للاجئين فحسب، بل إنها تثير أيضاً التساؤلات حول مزاعم الاتحاد الأوروبي بالالتزام بسيادة القانون. ولهذا السبب، تضغط جوهانسون منذ شهور من أجل ما يسمى بآلية المراقبة المستقلة. ووفقًاً لهذه الخطة، يتعين على منظمات المجتمع المدني مراقبة المسؤولين الوطنيين على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

• المنظمات غير الحكومية، مثل شبكة مراقبة العنف على الحدود، والعديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة «ديرشبيغل»، جمعت شهادات مئات اللاجئين وحصلت على أدلة على العنف المرتكب على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

تويتر