مع اتجاه متزايد نحو حرب باردة جديدة ضد موسكو وبكين

الغرب يريد من روسيا والصين المشاركة في حل أزمة المناخ

صورة

بينما تستعد المملكة المتحدة لاستضافة مؤتمر المناخ في مدينة غلاسكو الشهر المقبل، تواصل لندن اتباع سياستين متناقضتين، تعملان على تقويض فرص نجاحهما. فمن ناحية، فهي تسعى إلى توحيد الجهود الرامية لمعالجة أزمة المناخ عن طريق الدول المتفقة على الأهداف الرامية إلى تقليل الانبعاثات الغازية المنطلقة من احتراق الفحم والنفط، ولكن في الوقت ذاته، انضمت إلى الولايات المتحدة للتصعيد في حرب باردة جديدة، تهدف إلى المواجهة مع الصين وروسيا.

وتتميز السياستان بأهدافهما المتعاكسة تماماً، لإقناع الصين، المسؤولة عن 27% من انبعاث الكربون في العالم، كي تقلل من إنشاء المحطات الكهربائية التي تعمل بالفحم الحجري، ولكن في الوقت ذاته جعلها دولة منبوذة، بحيث يتم خفض العلاقات السياسية والتجارية والفكرية معها إلى أقل حد ممكن.

ومن حيث الممارسة، فإن ذلك يعني تحديد أي التهديدات هو الأعظم. هل الذوبان الذي يتم الحديث عنه للتربة الصقيعية التي تغطي 65% من مساحة روسيا، والتي تطلق كميات سامة من غاز الميثان؟ أم ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم، ودعم المتمردين في شرق أوكرانيا، والتدخل العسكري في سورية، وإنشاء أنابيب «نورد ستريم2» لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا؟

هل الخطر الناجم عن مطالبة الصين بجزر سبارتلي، واحتمال أنها يمكن أن تجتاح تايوان أعظم أم الخطر الناجم عن إنشاء المئات من محطات الطاقة العاملة بوقود الفحم الحجري خلال خطتها للسنوات الخمس المقبلة، وبهذا تكون قد جعلت كوكب الأرض أكثر تلوثاً؟

وبالنظر على هذا النحو، فإن هذا التوازن للمخاطر يجري تقييمه على نحو حاسم عن طريق إعطاء الأولوية للحد من تغير المناخ، عند مقارنته بتهديدات أمنية تقليدية ناجمة عن تنافس الدول. وبعبارة أخرى، فإن أعظم المخاطر التي تواجه العالم الغربي هي ليست الاحتمال غير المرجح أن يقوم الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، بغزو تايوان، أو قيام بوتين بالأمر ذاته في أوكرانيا، وإنما اختفاء الجليد من القطب الشمالي، الأمر الذي يسبب ارتفاعاً في منسوب مياه البحر.

ويشير الكاتب والصحافي البريطاني، أناتول ليفين، في كتابه الشهير، الذي يحمل عنوان «تغير المناخ والدولة القومية»، إلى أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين، حول تحصين الشعاب المرجانية والشواطئ الرملية لبحر الصين الجنوبي، يمكن أن ينتهي، إذا فشلت الدولتان في وضع حد لأزمة تغير المناخ، ليس بالصراع العسكري، وإنما لرفع منسوب المياه في البحار، والأعاصير التي ستؤدي إلى إغراق «أسباب هذا التوتر تحت الماء من جديد».

ويجب أن يكون واضحاً أن درجة التعاون ضرورية لوقف ارتفاع درجة حرارة العالم إن أمكن، لأن خفض هذه الحرارة سيكون مستحيلاً في ظل الحرب المتصاعدة بين بكين وواشنطن، ولكن مما يؤسف له، أن القضيتين المتمثلتين بأزمة المناخ وتجدد الحرب الباردة تظلان منفصلتين في أذهان كل من النخب السياسية وعامة الشعب، وهو تعامٍ ناجم عن قوى متنوعة، ولكنها ضخمة.

وهي تتضمن الصعوبات التي تواجه الناس بصورة عامة، كالكوارث الضخمة التي تحدث لهم ولم يسبق لهم مواجهتها، وليس لهم تجارب عنها. وأحدث هذه الأمثلة ذلك التأجيل الكارثي في أوروبا والولايات المتحدة عام 2020 من أجل فهم خطورة جائحة «كورونا»، والتي لم تقتصر على شرق آسيا.

ولاتزال النتائج المرعبة للأزمة المناخية قائمة في المستقبل، ولو أنه ربما توجد إشارات إلى حدوث الكوارث في حرائق الحياة البرية في أستراليا، وكاليفورنيا، وتزايد التصحر في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من العراق حتى تشاد. وربما يتحدث الناس عن القيام بتضحيات من أجل أحفادهم والأجيال المقبلة، ولكنهم نادراً ما يقومون بذلك من حيث الممارسة.

وربما يشعر الناس بالقلق من الأزمات المناخية، ولكن هذا لا يعني أنهم مستعدون لقبول ضرائب أعلى على الوقود. ويفهم القادة السياسيون في كل من الدول الديمقراطية أو الشمولية أن الشعوب تكره الحكومات التي تقوم بخفض مستوى معيشتهم، إلا إذا كانوا يشعرون بالخوف من تهديد كبير، مثل الحرب أو الجائحة، وربما لا يقبلون هذا التخفيض أيضاً في مثل هذه الحالات.

وعلى المستوى الحكومي، ثمة دافع قوي آخر، يتمثل في أن القوى السياسية والبيروقراطية والعسكرية تشعر بأنها مرتاحة في عالم الحرب الباردة الذي تتواجه فيه القوى العظمى. وهذه المواجهة هي التي منحتهم نفوذاً هائلاً وميزانيات ضخمة خلال الحرب الباردة الأصلية ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي السابق، وليس هناك أي سبب يمنع من تكرار ذلك مرة أخرى. وكتب الصحافي ليفين «ويساعد ذلك على تفسير الحماس الذي تتقبل فيه النخبة الأمنية الغربية فكرة حرب باردة جديدة ضد روسيا والصين، وهو تشبيه خاطئ وغير ضروري نهائياً».

ومن حيث السياسة الواقعية، فإن روسيا والصين لا تشكلان هذا التهديد الذي يصوره الغرب. وحتى وإن كانت روسيا دولة نووية عظمى، ولكنها لاتزال في أوروبا أضعف من أي وقت مضى منذ القرن الـ17. وحتى وإن كانت الصين تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولكن الادعاء بأنها تمتلك الآن أكبر قوة بحرية في العالم عن طريق إحصاء كل السفن الموجودة في مياهها يعتبر تهديداً مضللاً.

يتشارك الرئيسان الأميركيان، السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، في التركيز على أن الصين منافس للولايات المتحدة، بيد أن ذلك ينطوي على أسباب أخرى، ويعتبر العداء للصين قضية من بين الأشياء القليلة التي اتفق عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس. وهذا يختلف تماماً عن موضوع حملة التلقيح ضد «كورونا»، وإجراءات أخرى ضد الجائحة، والتي أدت إلى حدوث انقسامات حادة في الكونغرس. وفي مثل هذا المشهد المنقسم بين الحزبين، ليس من المستغرب أن يعزز بايدن المحاصر من أعدائه فكرة أن الصين عدو للولايات المتحدة، ويدعو الأميركيين لحشد قواهم حول علم بلادهم، على أمل أن يقوموا بذلك.

ويعتبر التصديق أو عدمه بالأزمة المناخية من أكثر الأزمات الحاسمة التي تسبب الفرقة في السياسة الأميركية. والإقناع بأنها لن تحدث أو أنه تتم المبالغة فيها أصبح جزءاً من الهوية الجمهورية. وسيدرك نحو 100 من قادة العالم في مدينة غلاسكو البريطانية، الذين سيجتمعون نهاية الشهر الجاري إلى 12 نوفمبر المقبل، أن سيطرة الديمقراطيين الهشة على الكونغرس ستنتهي قريباً، الأمر الذي سيعيق أي إجراءات أخرى للسيطرة على المناخ، فلماذا يتعين عليهم فعل ما تعجز عنه أميركا، أو أنها لن تفعله أصلاً؟ إنهم يدركون أيضاً أن ترامب أو الحزب الجمهوري سيعود إلى البيت الأبيض في عام 2024.

وستكون القمة العالمية حبلى بالمناشدات الخطابية من أجل اتخاذ خطوات وتضامن دولي، وكما كان الحال خلال جائحة «كورونا»، فإن العمل الحقيقي، هذا إذا تم أصلاً، سيكون من خلال عمل الدول التي ستعمل للحفاظ على مصالحها. وعلى الرغم من التوقعات المروعة لكارثة المناخ، فإن اللحظة التي تعتقد فيها هذه الدول أنها ستواجه تهديداً وجودياً لم تصل بعد.

• يجب أن يكون واضحاً أن درجة التعاون ضرورية لوقف ارتفاع درجة حرارة العالم إن أمكن، لأن خفض هذه الحرارة سيكون مستحيلاً في ظل الحرب المتصاعدة بين بكين وواشنطن.

• يتشارك الرئيسان الأميركيان، السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، في التركيز على أن الصين منافس للولايات المتحدة، بيد أن ذلك ينطوي على أسباب أخرى، ويعتبر العداء للصين قضية من بين الأشياء القليلة التي اتفق عليها الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.

باتريك كوكبيرن ■ صحافي بريطاني متخصص في الشرق الأوسط

تويتر