لأنها لا تهتم إلا بمصالحها

الطريقة الأميركية في شنّ الحروب مختلّة وتولّد الفشل التلقائي

صورة

تخفي محاولة البحث عن طرف لتحميله اللوم لعدم توقع انتصار حركة طالبان الخاطف وتفكك قوات الحكومة الأفغانية، أهم الدروس الاستراتيجية للحرب الأفغانية. ومن المعروف أن معظم نقاط التحول التاريخية تأتي بصورة مباغتة، لأن القوى التي تتعرض لهذا التحول لو أنها أدركت بقدومها لتجنبت الوقوع بها بالتأكيد. ولطالما تلا الأحداث عظيمة الأهمية وغير المتوقعة مثل سقوط فرنسا عام 1940، والإطاحة بشاه إيران عام 1979، وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، الكثير من التساؤلات حول عدم توقع الخبراء وقوعها.

وتتعمق التحقيقات في البحث عن الأسباب العميقة للتغيرات التاريخية وتكشفها دائماً. ولطالما كانت الأسباب الأساسية لتحولات تاريخية مهمة مجرد قرارات تم اتخاذها بصورة ارتجالية، وكان من الممكن تغييرها بسهولة. وعلى سبيل المثال لو أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين غير رأيه في اللحظة الأخيرة لاحتلال الكويت لتغيرت أمور كثيرة في عالمنا.

ولطالما كنت أقول إن فساد الحكومة الأفغانية وضعفها وانعدام شرعيتها هو الذي يؤدي إلى وقوع الأحداث وليس قوة طالبان. وعلى الرغم من أن هذا الوضع لم يكن مرضياً إلا أنه كان سيستمر لولا أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقع اتفاقية انسحاب من جانب واحد مع طالبان في فبراير 2020. وقام الرئيس الذي تلاه جون بايدن بالإعلان عن بدء الانسحاب مع نهاية أغسطس الماضي.

ولكن تفاصيل كيفية انهيار كل شيء بصورة مفاجئة وإمكانية تجنبه تجري مناقشته بحماس، وكان الدرس الأكثر أهمية مفاده أن الطريقة الأميركية في شن الحروب مختلة وتولد الفشل التلقائي. ويجب رفض الادعاءات التي تفيد بأن واشنطن كانت قادرة على منع عودة طالبان لو أنها لم تشغل نفسها في حرب العراق، أو أنها لم تكرس الكثير من الوقت من أجل إعادة بناء الدولة في أفغانستان، لأنه عبارة عن ترهات غير مفيدة.

وكسبت أميركا الحرب في الشهور الأولى من عام 2002 حيث تمكنت من الإطاحة بطالبان وهرب تنظيم القاعدة إلى باكستان. ولكن البيت الأبيض واصل الحرب على الإرهاب حتى في ظل عدم وجود إرهابيين، لأن ذلك كان يروق تماماً للشعب الاميركي كشعار وسياسة، إثر صدمة 11 سبتمبر. وكانت القوات الأميركية قد دعمت أمراء الحرب الذين كانوا أشبه بقطاع الطرق في الفترة ما بين 1992 و1996 والذين أدت تصرفاتهم إلى ظهور طالبان.

وأدى كل ذلك إلى تشويه سمعة القوى المعادية لطالبان وإلى عودة طالبان كما ذكر الصحافي الأميركي أناند غوبال في كتابه «ليس هناك رجل طيب بين الأحياء»، ويتحدث الكتاب استناداً إلى مقابلات أجراها الصحافي مع العديد من الأفغان، الذين تحدثوا كيف أن الجيش الأميركي الذي قام بالتخلص من رجال طالبان استبدلهم بأمراء الحرب المجرمين الذين يصفون أي شخص بأنه «إرهابي» إذا عارض مشيئتهم.

وشعر الأفغان بأن مجيء الأميركيين يمكن أن يحسن حياتهم ولكنهم أدركوا أنهم واهمون سريعاً عندما تعرض الكثير منهم للمعاملة السيئة والسجن في قاعدة باغرام الجوية. ووصف غوبال كيف أن القوات الأميركية هاجمت المدرسة ومنزل الحاكم في إحدى المناطق عام 2002، ما أدى إلى تدمير معظم بيوت المنطقة في ليلة واحدة. وأسهمت كل هذه الأخطاء بعودة طالبان بعد عقدين من الزمن.

يقول غوبال: «كنت في مدينة هيرات في غرب أفغانستان عام 2014 أغطي أخبار ثلاث قرى في إقليم فارار الافغاني، والتي تعرضت للقصف من الطيران الأميركي، الأمر الذي نجم عنه مقتل 117 شخصاً منهم 61 طفلاً، بعد أن دعت الشرطة المحلية إلى الاضراب. وعلى الرغم من وجود حفرة بعمق 15 قدماً ناجمة عن القصف إلا أن المتحدث باسم القوات الأميركية ادعى بداية أن كل هذا القتل ناجم عن قنبلة يدوية ألقتها طالبان على هذه المنازل».

وتزايدت محفزات الشبان للانضمام إلى طالبان في السنوات الأخيرة وفق ما ذكرته تقارير لأسباب ليس لها علاقة بالإسلام وإنما كما يقول المقاتلون نتيجة أعمال القتل والتدمير التي يتعرض لها المدنيون جراء الغارات الليلية. وقلل الجيش الأميركي من أعداد الإصابات في صفوفه عن طريق استخدام الغارات، والطائرات بدون طيار التي كان يديرها أشخاص يعتمدون على صور الأقمار الاصطناعية المبهمة والعصية على الفهم.

باتريك كوكبيرن ■ صحافي بريطاني

تويتر