يمكن أن تتحوّل إلى كرة ثلج

الاحتجاجات الإيرانية علامة على أن عقوبات ترامب موجعة

صورة

تكشف الاحتجاجات، التي اندلعت في إيران منذ يوم الجمعة الماضي، والتي خلّفت نحو 100 قتيل، عن ثلاثة أمور جلية. أولاً يبدو أن طهران تعيش في ضيق اقتصادي متصاعد، بسبب العقوبات الأميركية القاسية من ناحية، ومن ناحية أخرى السخط الشعبي من سوء إدارة النظام لاقتصاد البلاد، الذي وصل إلى نقطة اللاعودة، كما أن النظام يبدو أكثر هلعاً من الاضطرابات الشعبية من أي وقت مضى خلال السنوات الأخيرة.

وبدأ انفجار الاحتجاجات الشعبية الأخيرة قبل أيام، بعد أن ألغت الحكومة الدعم عن الوقود، ما أدى إلى زيادة سعر وقود السيارات لثلاثة أضعاف، الأمر الذي يعد ضربة موجعة للملايين من الإيرانيين العاديين، الذين يكافحون أصلاً للعيش في ظل عملة ضعيفة، ومعدل بطالة مرتفع، واقتصاد في حالة انكماش. لكن التظاهرات التي اندلعت نتيجة إلغاء دعم الوقود، سرعان ما أصبحت احتجاجات تكتسح الدولة، وتقف ضد النظام الإيراني ذاته، في العشرات من المدن في كل الأقاليم الإيرانية، مستهدفة المباني الحكومية مثل محطات الشرطة، والمصارف الحكومية.

ردّ أشد قسوة

وكان ردّ الحكومة أكثر قسوة مما فعلت في المرة السابقة، خلال اندلاع الاحتجاجات في عامَي 2017 و2018، حيث تعرضت شبكة الإنترنت لشبه انقطاع كامل، واستخدمت قوات الأمن القوة المفرطة. وقامت مجموعات حقوقية، بما فيها منظمة العفو الدولية، بتوثيق نحو 106 وفيات خلال هذه الاحتجاجات، إذ إن قوات الأمن الحكومية استخدمت الذخيرة الحية ضد المتظاهرين. وتشكّل قسوة القمع دليلاً على يأس الحكومة جراء عجزها عن التأثير في الرأي العام الشعبي، كما جاءت هذه الأحداث نتيجة لمشاهدة الإيرانيين لأسابيع من الاحتجاجات الدموية المشابهة، الموجهة ضد إيران أيضاً، لكنها في العراق ولبنان. وقال المحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية في منظمة «يوراسيا غروب»، هنري روم: «بصورة أساسية، إنها احتجاجات اقتصادية، إذ إن ثمة فرصة لإطلاق شكاوى عريضة ضد الحكومة».

وفي الواقع، فإن زيادة سعر الوقود، التي أدت فعلياً إلى رفع سعر وقود السيارات والديزل بالنسبة لمعظم السائقين، من ثمانية سنتات للتر الواحد، إلى نحو 25 سنتاً لكل لتر، كان الهدف منها تأمين بضعة مئات من الملايين من الدولارات للحكومة خلال العام، إضافة إلى ترشيد الإمدادات المتناقصة بسرعة من وقود السيارات، التي يتم تصديرها من أجل الحصول على مكتسبات أكبر وأفضل من توزيعها داخلياً. وكانت الحكومة تأمل من ذلك أن تنفذ خطتها الهادفة إلى إعادة توزيع عائدات رفع أسعار الوقود على العائلات ذات الدخل المنخفض، ما قد يخفف من وجع هذا الإجراء، لكن تأجيل إعادة توزيع المال على الفقراء جعل الاحتجاجات في حالة غليان.

مجازفة

وفي الحقيقة فإن مجازفة إيران بالتسبب في غضب شديد في شتى أنحاء البلاد، كي تحصل على مكتسب اقتصادي بسيط، تؤكد الحالة المزرية للاقتصاد الإيراني المتضرر بالعقوبات الأميركية، بحيث أصبحت البلاد عملياً عاجزة عن تصدير النفط، أحد المصادر الرئيسة للعائدات المالية بالنسبة للحكومة. وقال الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، علي رضا نادر: «إنهم رفعوا سعر الوقود لأنهم مفلسون، وبالطبع فإن الشعب لا يتحمل زيادة 300% في سعر وقود السيارات، لكن النظام ليس لديه أي خيارات أخرى».

وثمة مشكلة أخرى، مفادها أن العديد من أفراد الشعب ببساطة لا يصدقون أن الحكومة يمكن أن توزع عوائد رفع أسعار الوقود على الفقراء. وهناك آخرون يشعرون بالقلق من أن ارتفاع أسعار الوقود يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع السلع الاستهلاكية، في وقت يبلغ معدل التضخم السنوي في إيران بصورة رسمية 40%، وربما أعلى من هذا الرقم ب خمس مرات.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس حسن روحاني، يلقون باللوم على الدول الخارجية، خصوصاً الولايات المتحدة، ويعتبرونها مسؤولة عن تدهور الوضع الاقتصادي في بلادهم، كما يعتبرونها مسؤولة عن تنظيم الاحتجاجات ضد الحكومة، إلا أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، حسب ما هو معروف للعلن، غير مباشر في اندلاع الاحتجاجات. ومنذ أن بدأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرض عقوبات قاسية على الاقتصادي الإيراني، بما فيه حظر بيع النفط، أصبح الاقتصاد الإيراني يتعرض لسقوط حر. ونتيجة الضغط المتزايد من العقوبات خفّض صندوق النقد الدولي من توقعاته بالنسبة للاقتصاد الإيراني، ويتوقع الآن انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 10% هذا العام.

لكن الاحتجاجات، مثل التي اكتسحت الدولة في عامَي 2017 و2018، ليست ضد الصعوبات الناجمة عن العقوبات والضغوط الأميركية، فالعديد من الإيرانيين غاضبون الآن من الفساد المستشري، وسوء إدارة الاقتصاد المستمر منذ 40 عاماً، أي منذ الثورة الإيرانية. وقال هنري روم: «التظلمات التي يتحدث عنها المحتجون موجودة أصلاً قبل حملة العقوبات الأميركية القاسية على إيران، لكن حالة الضغوط المالية التي تعيشها الحكومة هي التي أجبرتها على اتخاذ خطوات رفع سعر الوقود، الأمر الذي حمل هذه المظالم إلى الواجهة»، وحالما يخرج الشعب إلى الشوارع فإن أي احتجاجات بسيطة يمكن أن تتحول إلى كرة ثلج، وأضاف: «حالما تنفتح ثغرة للاحتجاجات ينهار السد بأكمله».

وفي حال مضاعفة العقوبات الاقتصادية الأميركية، فإنها تسهم في إدخال إيران إلى محنة، فهل يعني ذلك أن حملة العقوبات القصوى التي فرضتها إدارة ترامب ناجحة؟

وإذا كان هدف الإدارة هو تغيير حسابات القادة الإيرانيين في ما يتعلق بنشاط بلادهم في زعزعة استقرار دول المنطقة، ومواصلتها تطوير تقنياتها النووية، فإن الجواب على ذلك سيكون واضحاً، وهو «لا»، ففي الوقت الذي يشتد خناق حبل العقوبات على رقبة إيران، تمارس هذه الدولة مزيداً من الهجمات على دول مجاورة لها، إضافة إلى إنفاق مليارات الدولارات من أجل دعم المجموعات الإرهابية التي تعمل بالوكالة عن إيران في المنطقة. وفي الوقت ذاته، حنثت إيران بالتزاماتها بموجب اتفاقية 2015، واستأنفت تخصيب اليورانيوم على مستويات عالية، وقامت بتركيب العديد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، التي يمكن أن تختصر الطريق للوصول إلى السلاح النووي.

الضغط يؤتي أكله

وإذا كان هدف إدارة ترامب زعزعة استقرار إيران إلى الدرجة التي يواجه فيها النظام تهديدات وجودية من داخله، فهذا يعني أن الضغوط الاقتصادية صارت تؤتي أكلها، وأن كان ذلك غير واضح تماماً. لقد تمثلت ردة فعل إيران على الاحتجاجات في مستويات غير مسبوقة من العنف والقتل. ويرى بعض المراقبين لإيران، أن ذلك يمثل إشارة إلى أن النظام يشعر بأن مصيره الفشل لا محالة. وقال نادر: «إنه تمرد شامل وليس مجرد احتجاج على أسعار الوقود، فقد أراد النظام قطع الإنترنت كي يكافح الاحتجاجات بأشد قسوة ممكنة، لكن يبدو أنه حتى لو تم تحطيم هذه الجولة من الاحتجاجات والقضاء عليها، فسيكون هناك غيرها، ولهذا فإني لا أرى أن النظام سيتمكن من الخروج من هذه الجولة».

ويعتقد آخرون أن اقتران تقديم الأموال لمحدودي الدخل، إضافة إلى استخدام القمع الوحشي، قد يدعمان النظام في استمرار إمساكه بالسلطة، كما فعل في مرات سابقة. وقال هنري روم: «هذه الاحتجاجات لا تشكّل تهديداً للنظام من وجهة نظر أمنية، إذ إنه يمتلك قوة قمع قوية، كما أنه لا يخشى قتل شعبه، والنظام سيبقى كما هو، إذ إن هذه الاحتجاجات لا تشكّل الهزات الأولى لثورة أخرى».

كيث جونسون أحد كبار كتاب «فورين بوليسي»


التظاهرات التي اندلعت نتيجة إلغاء دعم الوقود، سرعان ما أصبحت احتجاجات تكتسح الدولة، وتقف ضد النظام الإيراني ذاته، في العشرات من المدن في كل الأقاليم الإيرانية، مستهدفة المباني الحكومية مثل محطات الشرطة، والمصارف الحكومية.

تشكّل قسوة القمع دليلاً على يأس الحكومة، جراء عجزها عن التأثير في الرأي العام الشعبي، كما جاءت هذه الأحداث نتيجة لمشاهدة الإيرانيين لأسابيع من الاحتجاجات الدموية المشابهة، والموجهة ضد إيران أيضاً، لكنها في العراق ولبنان.

تويتر