تقيم شراكة قوية مع الصين والهند

روسيا تسعى إلى توازنات إقليميــة لخدمة مصالحها الاستراتيجية

خبراء روس يعبرون عن ثقتهم بأن موسكو لن تضطر إلى الاختيار بين بكين ونيودلهي. أرشيفية

أدى تحالف ناشئ بين الصين وروسيا، على الأقل في الوقت الحالي، والذي يعمل على وضع الخلافات المحتملة بين القوتين على الهامش، إلى ديناميكية جيوسياسية معقدة. ومع سعي الهند واليابان وأوروبا لدق إسفين بين القوتين الآسيويتين، فإن دول آسيا الوسطى، حيث تتزايد المشاعر المعادية للصين، تتخندق بهدوء على أمل أن تمنحها المنافسة في آسيا قدرة أكبر على المناورة.

وأعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في زيارة لروسيا الشهر الماضي، خلال المنتدى الاقتصادي السنوي في فلاديفوستوك، والذي أنشئ لجذب الاستثمارات الآسيوية في الشرق الأقصى، عن خطة ائتمانية بقيمة مليار دولار أميركي لتمويل تنمية المنطقة. كما وافق مودي والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إقامة خط بحري بين عاصمة الشرق الأقصى فلاديفوستوك، وتشيناي الهندية، من شأنه تقليل وقت النقل من 40 إلى 24 يوماً.

ومن المحتمل أن يكون الخط البحري امتداداً لممر المحيط الهندي، الذي يربط الهند باليابان والمحيط الهادئ، ويتنافس مع الخطوط الصينية، وهي سلسلة من الموانئ عبر آسيا التي استثمرت فيها الصين بقوة. وعلى النقيض من مودي، لم يعلن رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، الذي حضر المنتدى منذ إنشائه عام 2015، عن أي صفقات كبيرة استجابة لإصرار بوتين على أن «تطوير الشرق الأقصى الروسي، وتعزيز اقتصاده وإمكانية الابتكار، ورفع مستوى معيشة سكانه وغيرها، هي أولويتنا الرئيسة وهدفنا الوطني الأساسي».

ومع تصدع الحلف عبر المحيط الأطلسي، اعترف سفير الاتحاد الأوروبي في روسيا وأحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد، ماركوس إيدرر، بأهمية أولويات بوتين، عندما حث الكتلة الأوروبية على الانخراط على نطاق واسع مع موسكو، بشأن بعض الجوانب السياسية والأمنية الأكثر صعوبة في علاقتها، على الرغم من الخلافات حول العدوان الروسي في أوكرانيا وجورجيا، وحقوق الإنسان والتدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأوروبية المختلفة.

تقارب ضروري

وفي مذكرة موجهة إلى كبار المسؤولين، اقترح إيدرر أن تكون الاتصالات عبر الجيل الخامس، وحماية البيانات الشخصية، والبنية التحتية في منطقة القطب الشمالي، وتطوير سياسات مشتركة بشأن مسائل مثل الجمارك والمعايير من قبل الاتحاد الأوروبي وروسيا والنرويج وأيسلندا، كلها موضوعات يجب أن تكون على جدول الأعمال بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.

وقال إيدرر إن «ترك مجال لمنافسينا في أيٍّ من هذه المجالات، من خلال عدم الانخراط، سيكون أكثر ضرراً بمصالح الاتحاد الأوروبي». وقال إن التحرك «الواقعي» نحو «تعزيز التنسيق» مع روسيا ضروري لمكافحة «المنافسة الأوراسية» مع تنامي نفوذ الصين. الاتحاد الأوروبي «سيخسر كل شيء بتجاهل التحولات الاستراتيجية في أوراسيا»، يؤكد السفير الأوروبي، الذي يرى أن الانخراط ليس فقط مع الصين، بل مع روسيا أيضاً، «شرط ضروري لأن نكون جزءاً من اللعبة ولعب أوراقنا حيث لدينا ميزة نسبية».

ويرى مودي وآبي وإيدرر الفرصة في ما يصفه توماس غراهام، الدبلوماسي الأميركي السابق والمدير الإداري لشركة «كيسنجر وشركاؤه»، في حاجة روسيا إلى «تنوع الشركاء الاستراتيجيين في (الشرق الأقصى)، للحفاظ على استقلالها الاستراتيجي (من الصين)».

ويأمل الاتحاد الأوروبي والهند واليابان الاستفادة ليس فقط من متطلبات روسيا من أجل الاستثمار المتنوع، ولكن أيضاً حاجة بوتين لمواجهة المشاعر المعادية للصين على نطاق واسع في الشرق الأقصى، والتي انقلبت على حكومته في الوقت الذي اشتدت فيه الاحتجاجات بالعاصمة، وبعد أن خسر حزب بوتين، هذا الشهر، ثلث مقاعده في مجلس مقاطعة موسكو.

وتتزايد المشاعر المناهضة للتعدي الصيني على الموارد الطبيعية في المنطقة، بما في ذلك المياه، شرق جبال الأورال، لاسيما في منطقة ما وراء بحيرة بايكال الروسية. جذبت عريضة أطلقها في وقت سابق من هذا العام رجال أعمال روس بارزون، تعارض الخطط الصينية لبناء مصنع لتعبئة المياه على ضفاف بحيرة بايكال، أكثر من 800 ألف توقيع، ما يشير إلى عمق الاستياء الشعبي ومخاطر التحالف الروسي مع الصين.

تظاهرات روسية ضد الصين

اندلعت احتجاجات، في وقت سابق من هذا العام بمدن روسية عدة، ضد التغلغل الصيني في الشرق الأقصى، حيث يتهم المواطنون الروس والمدافعون عن البيئة الصين بتدمير المسطحات المائية الروسية والمواطن الطبيعية للنمر السيبيري ونمر «أمور» المهددين بالانقراض. ويطالب المتظاهرون، الذين نددوا أيضاً ببناء مساكن للعمال الصينيين، بحظر تصدير الأخشاب الروسية إلى الصين. وتكمن وراء الاحتجاجات المناهضة للصين الطبيعة غير المتوازنة للعلاقات الاقتصادية، التي يقول عنها الباحث الروسي ليو آرون، إنها «تتناسب مع تعريف كارل ماركس وفلاديمير لينين للتجارة الاستعمارية، إذ تصبح إحدى الدول مصدراً للمواد الخام لبلد آخر».

ويوضح آرون أن الصين تُعد ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا (بعد الاتحاد الأوروبي)، وأكبر شريك فردي لروسيا في الصادرات والواردات، وبالنسبة للصين، فإن السوق الروسية تعتبر، في أفضل الأحوال، من الدرجة الثانية. وقال الباحث إن روسيا تحتل المرتبة العاشرة في الصادرات الصينية، ولا تصنف في الـ10 الأولى في الواردات أو التجارة الإجمالية.

وأشار إلى أن ثلاثة أرباع صادرات روسيا إلى الصين عبارة عن مواد خام وموارد طبيعية، مقابل سلع استهلاكية وإلكترونيات وآلات تمثل الجزء الأكبر من المبيعات الصينية لروسيا. فيما تترسخ وتتصاعد الجهود الأوروبية والهندية واليابانية، للاستفادة من المشاعر المعادية للصين في روسيا.

وحذر الكاتب الروسي نيكولاي ديميتريفيش، عام 1911، من أن «الروس يتعرضون للتشرد، بسبب الأجناس الصفراء التي تستولي على التجارة والصناعة والأجور، وما إلى ذلك».

لا يمكن للرئيس بوتين، الذي يترأس دولة تعاني مشكلات اقتصادية، إنشاء هوامش يستطيع أن يناور فيها عند الحاجة، بمفرده. إنه يأمل أن تقدم الهند واليابان وأوروبا يد المساعدة.

علامات مشجعة

عبر خبراء روس عن ثقتهم بأن موسكو لن تضطر إلى الاختيار بين بكين ونيودلهي. لقد جادلوا بأنه على الرغم من تقارير وسائل الإعلام الغربية عن التنافس المتزايد بين الهند والصين، فإن البلدين بعيدان عن الخصومة. وعند النظر إلى العلاقات الصينية الهندية، في السنوات الأخيرة، رأى الخبراء الروس علامات مشجعة عدة، مثل التصعيد الناجح لأزمة الحدود في بكين ونيودلهي عام 2017، وغياب عمليات النشر العسكرية الرئيسة من أيٍّ من الدولتين، والتي تستهدف البلد الآخر، والمواقف الإيجابية التي عرضها مودي وشي جي بينغ، تجاه بعضهما بعضاً.

هذه العوامل مجتمعة دفعت موسكو إلى استنتاج أن بكين ونيودلهي لن تعترضا على جهودها، للحفاظ على العلاقات الودية مع الآخر. علاوة على ذلك، يرى بعض المحللين الروس فرصة في التوترات المتزايدة بين الغرب والهند، حول كشمير وحقوق الإنسان، لتقريب البلدان الثلاثة.

ومع ذلك، أمام الهند طريق طويل قبل أن تتمكن من التنافس مع الصين في الشرق الأقصى الروسي، أو في أي مكان آخر بهذا البلد. في العام الماضي، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والهند 11 مليار دولار. وخلال تلك الفترة الزمنية نفسها، بلغت قيمة التجارة بين روسيا والصين 107 مليارات دولار، ما يجعل بكين أكبر شريك تجاري لروسيا.


800

ألف توقيع ضد الخطط

الصينية لبناء مصنع

لتعبئة المياه، على

ضفاف بحيرة بايكال.

تويتر