بعد أن شهد حالة سلام لفترة قصيرة

العراق يمكن أن يصبح ميدان معركة لحرب أميركية بالوكالة

قوات الحشد الشعبي هي الهدف الرئيس للأميركيين في العراق. أ.ف.ب

يخشى سكان بغداد من أن الحرب المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران ستكون في العراق، هذا البلد الذي بدأ يتعافى من الحروب ويعيش حالة السلم بعد هزيمته لتنظيم «داعش». وتزايدت الإنذارات التي تشير إلى أن العراق سينجرف إلى مثل هذا الصراع، نتيجة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي شنتها إسرائيل بطائرات بدون طيار «درون» على قواعد لميليشيات عراقية، تحمل اسم «الحشد الشعبي»، التي تتهمها إسرائيل والولايات المتحدة بأنها تعمل وكيلاً لإيران.

وقال قائد منظمة «كتائب سيد الشهداء»، أبوعلاء الولاي، وهي ميليشيات طائفية لها علاقات قوية مع إيران، في مقابلة حصرية مع صحيفة «إندبندنت» في بغداد: «إن التطور الأخير يعد مؤشراً إلى أن إسرائيل دخلت الصراع في العراق»، وأضاف أبوعلاء أن ثلاث طائرات «درون» إسرائيلية هاجمت إحدى قواعد تنظيمه في العاصمة العراقية، التي يطلق عليها اسم «الصقر» في 12 أغسطس الماضي، ما أدى إلى تفجير 50 طناً من الأسلحة. وأكد الإسرائيليون أنهم نفذوا الغارة، التي سبقتها غارات أخرى مماثلة، وادعوا أنهم ضربوا صواريخ إيرانية مجهزة لإرسالها إلى سورية ولبنان. ومن المرجح أن ثمة مشاركة للولايات المتحدة في هذه الهجمات الإسرائيلية، التي يمكن أن تثير أزمة سياسية في العراق. ويقول أبوعلاء إنه ثم تقريراً عراقياً، لم يتم نشره بعد، عن هذا الهجوم، يكشف أن «الدرون» الإسرائيلية تم إطلاقها من قاعدة أميركية موجودة بالمنطقة الكردية في شمال شرق سورية، التي يسيطر عليها تنظيم «قسد» الكردي، وأضاف: «راقب الرادار العراقي إحدى الطائرات الثلاث التي كانت تسير بسرعة 140 كيلومتراً في الساعة، قبل الهجوم وأثناءه وبعده».

وتتميز السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بأنها غير محبوبة وغير مترابطة ومتناقضة، في ظل حكم إدارة الرئيس دونالد ترامب، لكن السماح لإسرائيل بالقيام بهجمات مزعجة من قاعدة أميركية ضد «الحشد الشعبي» يبدو مثل التدمير الذاتي من وجهة نظر أميركية. فقد أدت إلى صدور قانون في البرلمان العراقي يطالب بسحب القوات الأميركية من الدولة.

وعندما سُئل أبوعلاء عما إذا كانت ميليشيا «كتائب سيد الشهداء» ستهاجم القوات الأميركية، إذا وقعت حرب بين الولايات المتحدة وإيران، أجاب «بالتأكيد نعم»، وأعرب عن حماسه للحصول على طائرات «درون» لأنها ستساعد في جعل القوى متساوية أكثر في ميدان المعركة. وأضاف: «نعم نعمل ليلاً ونهاراً لتطوير طائرات درون يمكن تركيبها في غرفة المعيشة»، وبالطبع فإن هجمات «الدرون» على القواعد الأميركية في العراق ستكون سهلة، لأن هذه القواعد يمكن الوصول إليها بسهولة، وهي من نواحٍ عدة لا تضيف إلى قوة الولايات المتحدة في العراق، وإنما يمكن أن تكون «رهائن» أميركية بالعراق في حالة وقوع نزاع بين إيران والولايات المتحدة.

وفي الحقيقة فإن مستقبل «الحشد» كدولة ضمن دولة تعيش تحت النفوذ الإيراني، يعد قضية حاسمة في الصراع على النفوذ بين إيران والولايات المتحدة. وتدفع واشنطن باتجاه تخفيض دور الحشد أو حتى إلغائه بالكامل، ولكن هذه الجهود ربما تثبت عبثيتها أو أنها غير مثمرة أيضاً. ويعتبر الحشد منظمة سياسية وعسكرية، وهو مترسخ في العراق إلى درجة أن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل أي شيء لتقليل نفوذه. وحقق نتائج جيدة في الانتخابات العامة الأخيرة عام 2018، كما أن دعمه يعد ضرورياً بالنسبة لأي حكومة عراقية مستقرة.

وهذا النمط سائد في العراق منذ عام 2003، عندما أرادت الولايات المتحدة التخلص من الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، من دون أن يكون ذلك لمصلحة إيران. لكن لم يتمكن الدبلوماسيون والجنرالات الأميركيون من تجنب التعاون، وأحياناً بصورة علنية، مع إيران.

ولم يتغير الكثير في السنوات التي تلت ذلك في الواقع، فقد كانت الأغلبية الحاكمة ذات هوية قومية، لكنها ذات صبغة دينية قوية، أما بالنسبة للعراق وإيران فمن غير المثير للدهشة أنهما يشعران بوجود الكثير من القضايا المشتركة بينهما.

ويشعر العديد من العراقيين بالسخط على التشظي الحاصل في السلطة، وهم يشكون من أن «الحشد الشعبي قوي، والحكومة ضعيفة»، لكن هذا هو الواقع الذي لا يمكن تغييره الآن. وتبدو إيران ماهرة في ممارسة ألعاب الشطرنج السياسي العراقي، وهي تقوم بدور الوسيط بين العديد من الفرقاء والمراكز المختلفة في السلطة.

وفي الحقيقة فإن الولايات المتحدة ليست قوية بما فيه الكفاية كي تتمكن من إقصاء «الحشد الشعبي» في العراق، ولهذا لن تحاول ذلك، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تدرك أن إسرائيل كانت تطلق طائرات «درون» إلى العراق منذ سيطرة واشنطن على المجال الجوي العراقي، لكن استخدام إسرائيل كوكيل لها في العراق يعد لعبة خطرة.

وتمتع العراق بعامين من السلامة النسبية منذ هزيمة تنظيم «داعش»، واستعادة مدينة الموصل عام 2017. واختفى الكثير من نقاط التفتيش الموجودة في بغداد، وكذلك الجدران الإسمنتية التي تحمي من انفجار القنابل. وأصبحت المدينة تعج بالكثير من المطاعم والمتاجر الجديدة، كما أن الشوارع مكتظة بالناس حتى وقت متأخر من الليل. لكن العديد من العراقيين يتساءلون إلى متى سيستمر هذا، إذا تفاقمت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران إلى حرب شاملة. وقال موظف في الخدمة المدنية لم يكشف عن اسمه: «العديد من أصدقائي يشعرون بالقلق من الحرب الإيرانية - الأميركية، إلى درجة انهم يستخدمون مكافآت نهاية خدمتهم في العمل الحكومي، من أجل شراء منازل خارج البلاد».

ومن المؤكد أن لديهم أسباباً قوية للشعور بالقلق، إذ إن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تضرر نتيجة التعنت والطموح الإيراني. وحتى الآن فإن الرئيس دونالد ترامب، يعتقد أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة ضرب إيران، لكنه لا يستطيع تحمل كل الأضرار الإيرانية من دون تحرك، لأن ذلك سيجعله يبدو ضعيفاً.

والعراق هو المكان الذي تستطيع منه الولايات المتحدة وحلفاؤها توجيه ضربات انتقامية، ومن المرجح أن الهدف الأساسي سيكون ميليشيا الحشد الشعبي. وهذا بدوره سيؤدي إلى توجيه هجمات انتقامية ضد القواعد الأميركية التي تبدو هشة لأي ضربة في عصر «الدرون». ويشعر العراقيون بالخوف من فكرة اندلاع صراع عسكري آخر، لكن الخوف الأكبر من أن هذه الحرب ستقع لا محالة.

باتريك كوكبيرن مراسل «الإندبندنت» في الشرق الأوسط


مستقبل الحشد كدولة داخل الدولة تعيش تحت النفوذ الإيراني، يعد قضية حاسمة في الصراع على النفوذ بين إيران والولايات المتحدة.

يشعر العديد من العراقيين بالسخط على التشظي الحاصل في السلطة، وهم يشتكون من أن «الحشد الشعبي قوي، والحكومة ضعيفة».

تويتر