تعتبر حاسمة لنتنياهو الذي يواجه تهماً بالفساد

الانتخابات الأخيرة تقلب موازين السياسة في إسرائيل

صورة

باتت سياسة إسرائيل فوضوية ومفاجئة بشكل واضح. وكان يفترض أن يصبح بنيامين نتنياهو، في 16 من يوليو، أطول رئيس وزراء خدمة في تاريخ إسرائيل. لكن بعد شهرين، ربما يكون في طريقه للخروج من منصبه. إنها تطورات سياسية غير مسبوقة في إسرائيل بعد عجز نتنياهو، بشكل مفاجئ، عن تشكيل ائتلاف حاكم رغم فوزه في الانتخابات في أبريل. وتم تحديد موعد لإعادة التصويت في 17 سبتمبر، وقد يبدو مصير نتنياهو مختلفاً تماماً بحلول ذلك الوقت. إنه أمر مثير للفضول لواقع سياسي داخلي لم تشهده إسرائيل على الإطلاق، مع وجود العديد من التفاصيل والسيناريوهات المتحركة التي يمكن التفكير فيها.

وجاء آخر التطورات غير المسبوقة في الـ29 من مايو. بدا نتنياهو لا يقهر بعد انتخابات أبريل، مع وجود طريق سلس أمامه لتشكيل حكومة، لكن مع ضمان الحصول على الدعم من 65 من أعضاء الكنيست المؤلف من 120 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي. ومع اقتراب الموعد النهائي لإعلان ائتلاف حكومي، لم يتمكن نتنياهو إلا من الحصول على دعم الأحزاب التي تمثل 60 نائباً. ورفض أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتشدد، الانضمام إلى الحكومة ما لم يتخلَّ نتنياهو عن اتفاق مع الأحزاب المتشددة الأرثوذكسية التي تسمح لأعضائها بتأجيل الخدمة العسكرية إلى أجل غير مسمى. وإذا وافق نتنياهو على مطلب ليبرمان، فسيخسر التصويت الأرثوذكسي المتطرف، ويصعب عليه الحصول على الأغلبية البرلمانية.

وكان يمكن لنتنياهو أن يطلب من الرئيس رؤوفين ريفلين تأجيل الموعد النهائي لحكومة جديدة. أو كان بإمكانه تقديم طلب تقليدي بأن يمكّن الرئيس أقرب منافسيه، الجنرال المتقاعد بيني غانتز، من الكتلة «أزرق أبيض»، لمحاولة تشكيل حكومة. لكن لا يوجد شيء طبيعي في السياسة الإسرائيلية اليوم، وليس لدى نتنياهو وقت للتأخير؛ ذلك لأنه يواجه جلسة استماع في الثاني من أكتوبر، عندما تقرر السلطات ما إذا كانت ستوجه إليه اتهامات بالفساد أم لا. أولويته القصوى هي تشكيل ائتلاف قبل ذلك لتمرير قانون الحصانة الذي يحميه من الملاحقة القضائية.

تباين كبير

لذا فإن نتنياهو قد فعل شيئاً لم يفعله أحد من قبل في إسرائيل؛ فقد طلب تصويت البرلمان ليحل نفسه، ما مهد الطريق لإجراء انتخابات جديدة بعد سبعة أسابيع فقط من الانتخابات الأخيرة. من الآن وحتى عندما يعودون إلى صناديق الاقتراع منتصف سبتمبر، سيشهد الناخبون الإسرائيليون تبايناً كبيراً في الآراء. لكن الانتخابات المقبلة لن تبدو بالضبط مثل الانتخابات في أبريل. لقد جرب الناخبون والسياسيون نهجاً معيناً وفشلوا. ولا أحد سيبدو سعيداً بالطريقة التي تحولت بها الأمور.

الاستثناء الوحيد هو ليبرمان، فهو الآن صانع الملوك بلا منازع. إن قراره حرمان نتنياهو من منصبه كرئيس للوزراء على أساس الامتيازات الممنوحة لليهود الأرثوذكس المتطرفين الذين تم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، سيلعب دوراً مهماً في ما سيحدث بعد ذلك. لا أحد يعرف بالضبط لماذا غيَّر ليبرمان رأيه بشأن دعم نتنياهو، بعد أن تعهد بالانضمام إلى حكومته. ربما اشتم رائحة ضعف نتنياهو، أو ربما كان لديه قدر كبير من النزاهة، وببساطة لم يستطع قبول الإعفاءات العسكرية. ربما كان متعطشاً للثأر بعد الشعور بالإهانة، أو على الأرجح قد تكون حسابات سياسية بحتة.

هذه الخطوة تدفع ليبرمان إلى موقع شعبي مهم. فمعظم الإسرائيليين، الذين يضطرون للخدمة في الجيش، يكرهون المعاملة الخاصة التي يتلقاها المتدينون في مقابل تصويتهم. هذا صحيح بشكل خاص في حزب ليبرمان، الذي تتألف قاعدته من المهاجرين، مثل ليبرمان، القادم من الاتحاد السوفييتي. إنهم من القوميين المتشددين، وليسوا علمانيين بقدر ما هم معادون للأرثوذكس. وقد يجذب موقف ليبرمان الناخبين المناهضين للأرثوذكس الذين ساندوا الأحزاب الأخرى. وتشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع حاد في شعبيته، إذ حصل حزب ليبرمان على المسار الصحيح للحصول على ثلاثة أو أربعة مقاعد إضافية، لكن على حساب من؟

الحد الأدنى

الحزب الذي تميز بالأداء السيئ في أبريل، هو الأكثر إثارة للصدمة على الإطلاق. فقد قرر الزعيمان اليمينيان: نفتالي بينيت وأيليت شاكيد، وزيرا التعليم والعدل، الانفصال عن حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو وتشكيل حزبهما الجديد «اليمين الجديد». وبشكل لا يصدق، فشلا في تحقيق الحد الأدنى من الأصوات، وبالتالي فقد كلاهما مقاعده في الكنيست. والانتخابات الجديدة قد تمنحهما فرصة ثانية. وهذا يعني، أيضاً، أن عشرات الآلاف من اليمينيين الذين صوتوا لصالحهما، خصوصاً من المستوطنين، لديهم فرصة جديدة لترجيح كفة النتائج.

بينيت، مثل ليبرمان مساعد سابق لنتنياهو، قال إنه سيبقي حزب اليمين الجديد على قيد الحياة. فيما تدرس شاكيد خياراتها، وتفكر في الترشح مجدداً تحت مظلة الليكود. لكن قرار نتنياهو قبل أيام بطردهما من حكومته قد يكلفه خسارة أنصار شاكيد.

شرعية الماريغوانا

في المقابل، أيد أكثر من 100 ألف ناخب موشيه فيجلين، وهو عضو تحرري قومي وعضو سابق في الليكود؛ إلا أنه فشل، أيضاً، في تحقيق الحد الأدنى لتأمين مقعد في الكنيست. وكان فيجلين قد أطلق حملة لإضفاء الشرعية على الماريغوانا، لكن خلاف ذلك كانت له آراء يمينية متطرفة. أما بالنسبة للأرثوذكس المتطرفين، فمن المرجح أن يتحولوا بأعداد أكبر بعد أن يروا أن وضعهم الخاص مهدد. وهذا يمكن أن يعطي دفعة للأحزاب الدينية، ما يجعلها قوة أكبر.

ويمكن أيضاً تنشيط المعارضة الرئيسة، المتمثلة في ائتلاف غانتس «أزرق أبيض»، مع الصحافي العلماني السابق، يائير لابيد، الذي انطلق في الساحة السياسية، بفرصة ثانية. لكن موقف ليبرمان المعادي للأرثوذكس يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين، وقد يتمكن من سحب الدعم من «أزرق أبيض». وأفضل فرصة للنجاح بالنسبة لغانتس ولابيد تنبع من قرار نتنياهو في جهوده المحمومة لتشكيل الحكومة بعد أبريل. لقد أبرم صفقة لدمج الليكود مع حزب «كولانو» الوسطي، الذي حصل على أربعة مقاعد إضافية. لكن العديد من الناخبين في «كولانو» سيرفضون التصويت لنتنياهو في سبتمبر. والخيار الواضح الآخر هو «أزرق أبيض».

ولايزال الوقت مبكراً، إذ يدرس الناخبون والمرشحون والخبراء الاستراتيجيون خياراتهم. وتظهر استطلاعات الرأي بالفعل بعض الانجراف. ولايزال الليكود في المقدمة، لكن في بعض الاستطلاعات تتقدم أحزاب المعارضة قليلاً. وتشير نتائج الاستطلاعات إلى أن كتلة الليكود-كولانو ستخسر من اثنين إلى أربعة من المقاعد الـ39 التي فازت بها في أبريل. كما قد يخسر «أزرق أبيض» مقعداً أو مقعدين من 35 مقعداً الحالية. والأهم من ذلك هو أن «اليمين الجديد»، الذي لم يحصل على مقاعد قد يفوز بخمسة مقاعد وفقاً للتوقعات، ما يكفي لإحداث تغيير كبير في المشهد السياسي. ويظهر حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يتزعمه ليبرمان، باستمرار، مكاسب قد تصل إلى ثمانية أو تسعة مقاعد إضافية.

في الوقت الحالي، يظل نتنياهو هو المفضل. ويمكن أن تمنحه دعوة جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيارة إسرائيل دفعة تاييد أخرى، مثلما ساعد اعتراف ترامب بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان أواخر مارس، في حملة إعادة انتخاب نتنياهو. وإذا فاز فلن يكون لنتنياهو سوى القليل من الوقت لتنظيم التشريعات لحماية نفسه من المحاكمة. وإذا لم يفعل، فسيمثل ذلك نهاية مرحلة مثيرة في السياسة الإسرائيلية، لم تشهد البلاد مثلها من قبل.

• 65 عضواً في الكنيست المؤلف من 120 نائباً، هو العدد المطلوب لتشكيل الحكومة.

• «اليمين الجديد»، الذي لم يحصل على مقاعد، قد يفوز بخمسة مقاعد، وفقاً للتوقعات، ما يكفي لإحداث تغيير كبير في المشهد السياسي.

• موقف ليبرمان المعادي للأرثوذكس يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين، وقد يتمكن من سحب الدعم من حزب «أزرق أبيض».

تويتر