مصالحه مع الحركة متضاربة

ترشح حكمتيار للرئاسة الأفغانية يضع «طالبان» أمام مرحلة جديدة من الصراع

صورة

يبدو أن أفغانستان مقبلة على استحقاقات سياسية لا تبدو هينة، لاسيما بعد أن أعلن زعيم «الحزب الإسلامي»، قلب الدين حكمتيار، وهو أحد قادة الحرب الأفغانية، في 19 يناير الجاري، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها في يوليو المقبل، مشيراً إلى أنه سيترشح كمستقل لأنه لا يؤيد «التحالفات»، ومتعهداً بالعمل على استعادة السلم والأمن إلى البلاد، بعد أن فشلت الحكومة الحالية، وفقاً له، في إنهاء الحرب مع حركة «طالبان»، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول موقف الأخيرة من ذلك، ليس فقط بسبب العداء التاريخي بين الطرفين، وإنما أيضاً باعتبار أنها التنظيم الأكبر في البلاد، الذي يسعى في الفترة الحالية إلى تعزيز قدرته على التحول إلى رقم مهم في الترتيبات السياسية المقبلة في كابول.

توقيت لافت

يأتي إعلان حكمتيار عن ترشحه للرئاسة في توقيت صعب، حيث تشهد أفغانستان نشاطاً ملحوظاً لـ«طالبان»، التي صعّدت أخيراً من هجماتها الإرهابية المتنوعة في مناطق مختلقة، والتي لم تركز فحسب على استهداف المؤسستين العسكرية والأمنية، مثل الهجوم الأخير الذي استخدمت فيه سيارة ملغومة لاستهداف قاعدة عسكرية في إقليم ميدان وردك بوسط أفغانستان، في 21 يناير الجاري، ما أسفر عن مقتل 12 جندياً أفغانياً، وإنما امتدت أيضاً إلى الأهداف المدنية، على غرار تدمير جسر يقع بالقرب من مدينة غزنة وسط البلاد، في بداية أكتوبر 2018، وتسبب في إغلاق الطريق السريع الرئيس بين العاصمة كابول وجنوب البلاد.

ومن دون شك، فإن الآليات التي يمكن استخدامها لتعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان ومواجهة «طالبان» ستكون على قمة أولويات المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة. وقد تعمد حكمتيار توجيه رسالة إلى القوى المعنية بالأزمة السياسية والأمنية في أفغانستان، مفادها أنه يستطيع، رغم الأدوار التي قام بها خلال فترة الحرب، التعامل مع التهديدات التي يفرضها استمرار العمليات الإرهابية لـ«طالبان»، وهو ما لا يبدو أنه سيكون مهمة سهلة بالنسبة له، خصوصاً أن الحركة ستعمد، في الغالب، إلى تصعيد عملياتها في حالة ما إذا دخل حكمتيار بالفعل في قائمة المرشحين المتنافسين في الانتخابات.

محددات رئيسة

يمكن القول إن موقف الحركة من ترشح حكمتيار على وجه الخصوص دون كل المرشحين المحتملين للانتخابات، سيرتبط بمحددات عدة، يتمثل أبرزها في:

فجوة الثقة

يُعرف زعيم «الحزب الإسلامي» بأنه لا يتبنى سياسة مستقرة، حيث دائماً ما يعمد إلى تغيير مواقفه، واتخاذ خطوات تكتيكية للتعامل مع التطورات المختلفة، وربما التمرد على التحالفات التي يشارك فيها، على غرار ما حدث في السابق مع قادة وزعماء الحرب. ومن هنا تبدي «طالبان» شكوكاً عديدة في إمكانية التحالف مع حكمتيار، أو حتى فتح قنوات تواصل معه، باعتبار أن ذلك قد يخصم من قدرتها ــ وفقاً لرؤية بعض قادتها ــ على تعزيز نفوذها السياسي خلال المرحلة المقبلة.

صعوبة التوافق

تتسم أنماط التحالفات التي تشهدها الساحة الأفغانية خلال المرحلة الحالية بسيولة ملحوظة، تسبب ارتباكاً واضحاً في رؤية الأطراف السياسية المختلفة للاتجاهات المحتملة لتوازنات القوى السياسية، على نحو سيدفع الحركة إلى التمهل قبل بلورة موقف واضح من الانتخابات المقبلة والمرشحين المحتملين لها.

خلافات مستمرة

ترى اتجاهات عدة أن تقليص حدة الخلافات العالقة بين الحركة وحكمتيار يواجه صعوبات عديدة، خصوصاً بعد أن رفضت الأولى الدعوة التي تبناها الأخير لإلقاء السلاح والانخراط في المباحثات التي تجري من أجل تعزيز فرص الوصول إلى تسوية للأزمة الأفغانية، حيث ردت على تلك الدعوة بتوسيع نطاق هجماتها في أنحاء مختلفة من البلاد، على نحو يدعم من احتمالات اتجاهها إلى عرقلة ترشحه للانتخابات، التي لا يبدو أنها ستكون أحد الأطراف المؤيدة لإجرائها.

الرغبة في السيطرة

لا تخفي «طالبان» رغبتها في استعادة السيطرة على أفغانستان، لاسيما بعد أن كانت لها تجربة في الوصول إلى الحكم في منتصف تسعينات القرن الماضي، وهو ما يدفعها بشكل مستمر إلى العمل على إضعاف فرص أي خصم محتمل يمكن أن يظهر على الساحة، ويسعى إلى التحول إلى رقم مهم فيها، على نحو يفسر، إلى حد ما، دخولها في مواجهات متعددة مع تنظيم «ولاية خراسان» التابع لـ«داعش»، الذي يتبنى مشروعاً للسيطرة على البلاد، وفي مقدمتها المواجهات التي وقعت بين الطرفين في أكتوبر 2018، وأسفرت عن مقتل ثمانية وإصابة ثلاثة آخرين من الطرفين في إقليم كونار بشرق أفغانستان، وبالتالي فإن الحركة لن تقبل بحكمتيار رئيساً للدولة، في حالة ترشحه ونجاحه في الانتخابات، باعتبار أنه يمكن أن يمثل عائقاً يحول دون نجاحها في تحقيق أهدافها.

الضغوط الخارجية

رغم أن إيران سبق أن استضافت حكمتيار لسنوات قبل عودته إلى أفغانستان، إلا أن ذلك لم يمنعه من توجيه انتقادات قوية لها، على غرار تصريحاته التي أدلى بها في الثامن من ديسمبر 2018، وقال فيها إن «إيران أكثر دولة أضرت بأفغانستان وشعبها، وهي التي تتلاعب بأمن أفغانستان»، وهو ما يمثل نموذجاً آخر للتحول المستمر في توجهاته وأنماط تحالفاته مع القوى الداخلية والخارجية. ومن دون شك، فإن التفاهمات الحالية التي توصلت إليها إيران و«طالبان» ستؤثر في السياسة التي ستتبناها الأخيرة في التعامل مع احتمالات ترشح حكمتيار للانتخابات، خصوصاً أن إيران تسعى في الفترة الحالية إلى تصعيد نفوذها، باعتبار أن ذلك يمكن أن يساعدها، وفقاً لرؤية اتجاهات عديدة في طهران، على مواجهة الضغوط الخارجية.

يمكن القول في النهاية إن إعلان حكمتيار عن إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيمثل بداية مرحلة جديدة من الصراعات السياسية داخل أفغانستان، التي ستتغير فيها توازنات القوى وأنماط التحالفات فيما بينها استعداداً للنتائج التي ستسفر عنها تلك الانتخابات.


الآليات التي يمكن استخدامها لتعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان ومواجهة «طالبان» ستكون على قمة أولويات المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة.

حكمتيار تعمّد توجيه رسالة إلى القوى المعنية بالأزمة السياسية والأمنية في أفغانستان، مفادها أنه يستطيع، رغم الأدوار التي قام بها خلال فترة الحرب، التعامل مع التهديدات التي يفرضها استمرار العمليات الإرهابية لـ«طالبان».

تويتر