بعد استشرائه بشكل وبائي في بعض الدول

5 زعماء يركبون موجة الغضب الشـعبي لمحاربة الفساد

صورة

تتخّذ الشعبوية في بلدان عدة أشكالاً مختلفة، أحد هذه الأشكال يتمثل في الاستغلال السياسي للغضب العام على الفساد والفاسدين. وفي الوقت الحالي، يستغل عدد كبير من القادة اتهامات الفساد المنسوبة ضد أسلافهم من أجل الدفع بالإصلاحات المطلوبة الى الأمام. ومن بين هؤلاء الزعماء، الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، والجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، والبيروفي مارتن فيزكاركا، والأنغولي جواو لورينكو، ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد.

الرئيس الأرجنتيني

في الوقت الذي يناضل فيه الرئيس الأرجنتيني، ماوريسيو ماكري، للحفاظ على اقتصاد بلاده ثابتاً على رجليه في خضم أزمة تواجهها عملة بلاده (فقد البيزو الأرجنتيني نصف قيمته تقريباً منذ شهر يناير)، لاتزال البلاد تهتز بسبب فضيحة «دفاتر الفساد» التي كشفت عن قيام شركات بناء وأشغال عامة، بدفع رشاوى الى إدارة الرئيسة السابقة، كريستينا كيرشنر. وكشف هذه الفضيحة سائق يعمل لدى أحد مسؤولي وزارة التخطيط، الذي احتفظ بدفتر يضم سجلات تفصيلية لأكثر من 50 مليون دولار من الرشاوى قدمها لأشخاص، نيابة عن رئيسه بين عامي 2007 و2015. ولم يكن ماكري، الذي جاء إلى السلطة في عام 2015 من خلال منصة مؤيدة للأعمال التجارية، متورطاً في هذه الدراما؛ لكن سلفه كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، كانت داخل هذه الفضيحة حتى النخاع. وفي وقت سابق من هذا الشهر، دهم المحققون الأرجنتينيون منازلها، ووجهوا إليها في 17 سبتمبر اتهامات رسمية بالفساد.

ماكري مشغول في الوقت الراهن بالتعامل مع هذه الفضيحة السياسية (على الأقل بالنسبة للأرجنتينيين)، وذلك من أجل إقناع صندوق النقد الدولي بالموافقة على تأمين خط مالي جديد لمعالجة مشكلات العملة، وإصلاح وإعادة إنعاش اقتصاد الأرجنتين. ومن المؤكد أن الصعوبات الأخيرة التي واجهتها البلاد قد أكسبت ماكري شعبية (حيث وصل معدل شعبيته إلى نحو 40٪). وفي الوقت الحالي، فإن الدراما المتعلقة بالفساد، وعدم وجود بدائل سياسية ذات صدقية فورية، تمنحه مجالاً للتنفس قبل انتخابات العام المقبل.

رئيس جنوب إفريقيا

تم توثيق مشكلات الفساد التي تورط فيها رئيس جنوب إفريقيا السابق، جاكوب زوما، على نحو شامل على مر السنين، وفي إحدى هذه المراحل، كان هناك ما يقرب من 800 تهمة قيد النظر ضده. وينبع الكثير من هذه الاتهامات من علاقاته المزعومة مع عائلة غوبتا، وهي عائلة من أصول هندية واسعة الثراء، متهمة باستخدام علاقتها مع زوما وعائلته لتأمين عقود حكومية، وتعيين مسؤولين حكوميين مستعدين لدعم مصالحها التجارية. وعلى الرغم من أن زوما وعائلة غوبتا نفيا ارتكاب أي مخالفات، فقد اضطر زوما الى التخلي عن منصبه بعد ضغوط من حزبه السياسي، وهرب بعض من أفراد غوبتا المتورطين من البلاد، وهناك شائعات بأن زوما يخطط لأن يحذو حذوهم.

وعمل سيريل رامافوزا دون توقّف لتعزيز ثقة المستثمرين في بلاده، بعد عقد من سوء الإدارة الاقتصادية. إن مجرد كونه شخصاً مختلفاً عن زوما يساعد كثيراً في استقرار الثقة بالإدارة، كما أن التزامه الحقيقي بالإصلاحات الاقتصادية يعكس اختياره للمسؤولين المؤيدين للإصلاح في المناصب الرئيسة في حكومته، مدعوماً بجهوده في مكافحة الفساد، وقفزت نسبة شعبيته الى 70٪ مع اقتراب انتخابات العام المقبل.

الرئيس البيروفي

بيرو لديها تاريخ مختلف قليلاً في ما يتعلق بمحاربة الفساد الرئاسي، أحد فصول هذا الفساد مرتبط إلى حد كبير في السنوات الأخيرة مع صعود وهبوط شركة الإنشاءات العملاقة البرازيلية، أودبريشت. وهذا الاسم مقترن جداً بالرشاوى التي قدمتها هذه الشركة للسياسيين، وغيرهم من المسؤولين الحكوميين، في جميع أنحاء القارة، مقابل عقود حكومية. وتعتبر هذه الفضيحة هي القوة الدافعة وراء تحقيق البرازيل في الفضيحة المسماة بعملية لافا جاتو. لقد خضع رؤساء بيروفيون عدة للتمحيص والتحقيق بسبب ارتباطاتهم مع أودبريشت، التي اعترفت بأنها دفعت ما يقرب من 30 مليون دولار من الرشاوى للمسؤولين البيروفيين بين عامي 2005 و2014 لعقود تبلغ قيمتها الإجمالية 12.5 مليار دولار.

وفي وقت سابق من هذا العام، استقال الرئيس بيدرو بابلو كوتشينسكي من منصبه، بعد فضيحة حول علاقاته السابقة مع أودبريشت، ومحاولات حلفائه السياسيين التفاوض على مشروعات للأشغال العامة، في مقابل تصويتهم على عدم عزله. وحل محله نائبه الأول فيزكاركا، الذي يتمتع حالياً بشعبية وصلت الى 45٪. وترك كوتشينسكي منصبه بشعبية وصلت نسبتها الى 15٪، ويرتبط الكثير من شعبية فيزكاركا مباشرة بمجموعة الإصلاحات التي اقترحها على الكونغرس، والتي تشمل قوانين مالية أكثر صرامة للحملات الانتخابية، ولوائح جديدة لتعيين القضاة، وحظر إعادة انتخاب المشرعين. هذه الشعبية ساعدته في الفوز بالاقتراع على الثقة في الكونغرس، الذي تهيمن عليه المعارضة في وقت سابق من هذا الشهر، ما يضمن لبيرو بعض الاستقرار السياسي الذي تحتاجه بشدة.

الرئيس الأنغولي

تولى الرئيس الأنغولي الحالي منصبه في سبتمبر 2017، ما جعله الرئيس الثاني فقط لهذه الدولة الإفريقية الغنية بالنفط لما يقرب من 40 عاماً. ارتقى جواو لورينكو صفوف حزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، القوة السياسية المهيمنة على السياسة الأنغولية. وحتى هذا الشهر، كان هذا الحزب يقوده خوسيه إدواردو دوس سانتوس، الذي شغل أيضاً منصب الرئيس من عام 1979 حتى عام 2017. وتحت قيادة دوس سانتوس، استشرى الفساد في البلاد، حيث صنفت منظمة الشفافية الدولية أنغولا في المرتبة 167 من الدول الأقل فساداً في العالم من بين 180 دولة في عام 2017.

واستطاع لورينكو خلال وقت قصير وضع الأمور في نصابها، لاسيما عن طريق الضغط على شبكة المحسوبية التي أسسها دوس سانتوس، على مدار ما يقرب من أربعة عقود من حكمه. فمنذ توليه رئاسة أنغولا، أقال ابنة دوس سانتوس من منصبها كمشرفة على «سونانجول»، وهي شركة النفط المملوكة للدولة. وشهد هذا الأسبوع القبض على ابن دوس سانتوس، الذي يدير صندوق الثروة السيادية في البلاد، بتهمة الفساد. وبدأ لورينكو أيضاً في تنفيذ إصلاحات طال انتظارها من قبل صندوق النقد الدولي، مثل تخفيض قيمة العملة، والتقليل من الإنفاق الحكومي، لدعم الموارد المالية للبلاد، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

لم تكن هذه الاصلاحات كافية، إذ يريد صندوق النقد الدولي أيضاً من الحكومة الغاء دعم الوقود، وإصلاح سياسة الرواتب التقاعدية، خصوصاً للأفراد العسكريين. ومن المتوقع ألا تجد مثل هذه الجهود قبولاً من أفراد الشعب، لكن الأمل هو أن شعبية حملة لورنكو التي تبدو جادة في مكافحة الفساد، ستمنحه المساحة التي يحتاجها لاتخاذ الخطوات الضرورية التي تجنّبها سلفه منذ عقود.

رئيس الوزراء الماليزي

في عام 2009، أنشأ رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب رزاق، صندوق استثمار حكومي، كوسيلة لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد. ووفقاً للمدعين العامين، فقد عزز صندوق التنمية الاقتصادية أيضاً حسابات نجيب الشخصية، حيث اتهم نجيب بتحويل أكثر من 680 مليون دولار من الصندوق إلى حساباته المصرفية الشخصية. وقبل حدوث هذه الفضيحة، كان حزب نجيب (اتحاد المنظمة الماليزية الوطنية)، يهيمن على السلطة منذ 60 عاماً، ما جعل خسارته في مايو 2018 صادمة بشكل حقيقي. فبالإضافة إلى هذه الدراما السياسية، فقد خسر الانتخابات التي جاءت بسلفه، مهاتير محمد، البالغ من العمر 92 عاماً الى السلطة، بعد أن كان معارضاً، والذي عاد إلى السياسة بعد اعتزاله بسبب فساد نجيب الفاضح. وحصل مهاتير اعتباراً من أغسطس 2018 على شعبية بلغت 71٪.

لكن حملة مهاتير لمكافحة الفساد لها أيضاً تداعيات جيوسياسية خطيرة. ومن أبرز قراراته إلغاء مشروعين رئيسين للبنية التحتية مع الصين؛ من ناحية لأنه يشعر بالقلق من أن المشروعات ستترك ماليزيا مع ديون غير قابلة للسداد، ومن ناحية ثانية لأن هناك مخاوف من أن هذه الصفقات التي تم توقيعها مع نجيب ستساعد على إخفاء تتبع التدفقات النقدية غير المشروعة من الصندوق الاستثماري.

تويتر