يظهر بوضوح في الحوار السياسي والتغطية الإعلامية

رئاسة ترامب قامت على «الكيل بمكيالين»

صورة

احتج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسكرتيرته الصحافية سارة ساندرز، بسبب الكيل بمكيالين، عندما تعتذر محطة تلفزيونية من أجل تعليقات عنصرية، تتعلق بأحد كبار المساعدين لباراك أوباما، لكن لا يتم الاعتذار للرئيس بشأن انتقادات ضده. وهذه نرجسية صارخة، إذ إنه ليس هناك أي سبب يدعو للاعتذار لترامب. لكن الكيل بمكيالين موجود في الحوار السياسي والتغطية الإعلامية. وهي أحياناً تكون ضد ترامب، لكن غالباً تكون لصالحه، وسنرى كيف يتم ذلك.

بيل كلينتون كان أجبر وزير الزراعة، مايك إيسبي، على التنحي من منصبه لأنه قبل هدايا صغيرة، بما فيها قبول تذاكر دخول نشاطات رياضية. وكان أوباما قد فصل مسؤولين بتهمة إساءة إدارة أموال دافعي الضرائب، بعد إنفاقها بحفل باذخ في لاس فيغاس.

أكاذيب ترامب وإساءته استخدام السلطة والتجاوزات القانونية المحتملة ما كان لها أن تحدث في السابق.

لا نسمع أي ضجة من الكونغرس اليوم، جراء قيام شركة صينية بتمويل مشروع إندونيسي تابع لشركة ترامب العقارية.

إثر الهجوم الذي وقع على السفارة الأميركية في مدينة بنغازي الليبية عام 2012، الذي قتل فيه السفير إضافة إلى ثلاثة أميركيين آخرين، لنفترض أن الرئيس أوباما استدعى عائلة السفير، وقال لهم: «إنه كان يقوم بعمله الذي وقع عقداً من أجله»، وهذا ما قاله ترامب العام الماضي، عندما قتل أربعة جنود من القوات الخاصة الأميركية في النيجر من قبل الإرهابيين. وفي البداية أنكر أنه قام بمثل هذه التعليقات، لكن أرملة أحد الجنود أكدت أنه قال ذلك، وأكدت عضو (امرأة) في الكونغرس كانت تحضر الاجتماع أن الرئيس قال ذلك. وكان ترامب قد ادعى كذباً أن أوباما لم يتصل بعائلات المقتولين من الجنود.

وكان الحادثان في النيجر وليبيا يحملان تشابهاً واضحاً، إذ قتل أربعة أميركيين على يد الإرهابيين، وكان هناك تخبط ومعلومات غير مفهومة في البداية، وإجراءات أمنية سيئة تم الكشف عنها في ما بعد، ناجمة عن سوء عمل موظفين من الصف الثاني في القيادة بواشنطن. لكن الفرق بين الحادثين أن حادث النيجر تم نسيانه سريعاً، في حين أن أعضاء الكونغرس من الجمهوريين أنفقوا نحو سبعة ملايين دولار في عامين، وهم يحاولون توريط وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في مقتل السفير ببنغازي، لكنهم فشلوا.

ولنستخدم حالة افتراضية لإيجاد تشابه آخر. لنفترض أنه قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية عام 1996، قام أحد أنصار الرئيس بيل كلينتون بدفع 130 ألف دولار لشراء صمت واحدة من خليلاته، ثم كذب بشأن ذلك. من المؤكد أنه ستكون هناك دعوات سريعة، من أجل محاكمته على أساس أن الانتخاب كان خاطئاً.

وفي الواقع، إن كلينتون كذب وهو تحت القسم عام 1998، بشأن علاقاته الجنسية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. وقال عضو الكونغرس الجمهوري، تشارلز غراسلي، من ولاية أيوا في حينها إن هذه التصرفات تعتبر مؤشراً «إلى انهيار السلطات الأخلاقية للرئيس»، وأنها أدت إلى «تآكل ثقة الشعب بهذا المنصب»، والآن فإن غراسلي البالغ عمره الآن 84 عاماً، ويعمل رئيس اللجنة القضائية في الكونغرس كما أنه صديق ترامب، يبدو أنه فقد شعوره بالشجاعة الأخلاقية.

وفي قضية كلينتون بالطبع لم تكن هناك نتائج حاسمة، إذ إن النساء اللواتي اتهمنه قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحقيق معهن، خلال تحقيقات المحقق الخاص. فهل تم التحقيق بصورة مشابهة مع العدد الكبير من اللواتي اتهمن ترامب؟ قال الزعيم المسيحي التبشيري في حينها، ريتشارد لاند، إنه يشعر «بالاشمئزاز من سلوك الرئيس كلينتون»، لكنه اليوم يشارك في مجلس التبشيريين، الذي يقدم المشورة لترامب.

صراعات مالية

لكن ماذا بشأن الصراعات المالية؟ لنتخيل أن أوباما استثمر مبلغاً حصل عليه من بيع كتبه لتأسيس شركة صديقة للبيئة، وخلال العام الأول من وجوده في السلطة قام أحد المستثمرين الصينيين أو غيرهم باستثمار مبلغ من المال في شركته؟ بالطبع إن الجمهوريين اليمينيين، أمثال جيم جوردان أو تيري غودي، سيبدأون تحقيقاً مفتوحاً بلا نهاية.

لكننا لا نسمع أي ضجة من الكونغرس اليوم، جراء قيام شركة صينية بتمويل مشروع إندونيسي تابع لشركة ترامب العقارية. أو كيف قامت بكين بمنح إيفانكا ترامب ابنة الرئيس علامة تجارية لمنتجاتها من الملابس، في حين أن والدها يعفي البضائع الاستهلاكية الشبيهة بما تنتجه ابنته من التعرفة الجمركية، ويفرضها على المنتجات الأخرى. ورفض ترامب وابنته التي تعمل في البيت الأبيض، التخلي عن أعمالهما وممتلكاتهما، وكذلك فندق الرئيس الذي يعتبر مرغوباً بالنسبة للزوار الأجانب والمصالح الخاصة المحلية، خلال عملهما في الإدارة.

وخلال التحقيق في قضية «وايت واتر»، المتعلقة باستثمار بيل كلينتون وزوجته في مشروعات عقارية، غضب الرئيس كلينتون من مدعيه العام جانيت رينو، كما أنه بدأ يحتقر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية لويس فريح. لكنه وبخلاف ترامب لم يعمد إلى طرد فريح من منصبه، أو حاول الضغط على رينو للتلاعب بتحقيقات تتعلق بأعمال غير قانونية محتملة ارتكبها الرئيس.

وكان كلينتون قد أجبر وزير الزراعة، مايك إيسبي، على التنحي من منصبه لأنه قبل هدايا صغيرة، بما فيها قبول تذاكر دخول نشاطات رياضية. وكان أوباما قد فصل مسؤولين بتهمة إساءة إدارة أموال دافعي الضرائب، بعد إنفاقها بحفل باذخ في لاس فيغاس.

وقد تبدو هذه الحالات من الاستفادة من المنصب وإساءة أموال دافعي الضرائب واهية، ولا تستحق الذكر مقارنة بما فعله مدير وكالة حماية البيئة في إدارة ترامب سكوت برويت. لقد حصل على صفقة لشراء شقة بأسعار مخفضة من زوجة أحد أعضاء جماعة الضغط. وأنفق 43 ألف دولار لتركيب هاتف آمن في مكتبه، وأنفق أكثر من ضعف أسلافه في السفر الجوي من الدرجة الأولى والأمن، وغالباً لأغراض لا علاقة لها بشكل واضح بوظيفته، وهناك المزيد والمزيد، لكن الرئيس لم يكترث بكل ذلك، بل إنه يشعر بالسعادة منه.

وكان النقاد يطلقون على كلينتون أسماء سيئة، لكنه لم يتهم يوماً صحيفة نيويورك تايمز بأنها تلفق قصصاً عن البيت الأبيض. وهذا ما فعله ترامب الأسبوع الماضي، رغم أنه كان متأكداً أن القصة التي ظهرت على الملأ كانت مستندة إلى تصريح أصدره مستشار البيت الأبيض ماتيو بوتينجر، أمام المئات من الصحافيين، ولنفترض أن أوباما ذهب إلى الأكاديمية البحرية، وادعى أنه منح الجيش أول علاوة له منذ 10 سنوات. وهذا ما فعله ترامب الأسبوع الماضي في أنابوليس، رغم أن الجيش يحصل على زيادة سنوية منذ عام 1983. وكذب الرئيس، أيضاً، بشأن التطوير والتعزيز البحري المقترح، كما هو موثق من قبل المدققين في وكالة أسوشيتدبرس.

وليس من المهم ما إذا كان كذب ترامب مرضياً أم أنه متعمد، لأن الآلاف من الأكاذيب وإساءة استخدام السلطة والتجاوزات القانونية المحتملة، ما كان لها أن تحدث في السابق.

ألبرت هانت كاتب زاوية في «بلومبيرغ»

تويتر