تل أبيب تعبِّر عن حزنها على غرق شباب في وادي تسافيت

كما يحزنون على موتاهم.. ينبغي أن يفهم الإسرائيليون مآسي الآخرين

فلسطينيون ينتحبون خلال تشييع جنازة الفتى الفلسطيني عزام عويضة ذي الـ 15 عاماً في خان يونس. أ.ف.ب

إذا كانت إسرائيل تشعر بالأسى العميق لموتاها، وبشكل مبالغ فيه، فلماذا لا ترحم ضحايا أمة أخرى قضوا على يدها؟! لم يكن هناك إسرائيلي واحد لم يتأثر بمقتل 10 مراهقين من أكاديمية بني صهيون العسكرية (تسع شابات وشاب واحد)، في فيضان مفاجئ، يوم الخميس. وعلى الرغم من أن رد فعل بعض المجتمعات لهذا النوع من الكوارث هي ضبط النفس، إلا أن الإسرائيليين تفاعلوا بنوع مفرط من الحزن، إلى جانب إضفائهم الطابع المقدّس على الموت.

في نحال تسافيت، مات الشباب في كارثة طبيعية، أما على حدود غزة فقد ماتوا بقوة بشرية.. قوة طاغية في نهر هائج.. قوة قاهرة لدولة تتحكم في الحدود.

موتى غزة أيضاً طاهرون وبريئون، فكيف يمكن لفتى يبلغ من العمر 15 عاماً، مثل عزام عويضة، الذي توفي يوم السبت بعد إصابته برصاصة في رأسه يوم الجمعة، ألا يكون طاهراً وبريئاً.

وضربت وسائل الإعلام، ذات الخبرة الواسعة، على وتر مشاعر القراء، وعملت أيضاً على تأجيجها، وأدت دورها على أكمل وجه، وعززت تغطية الحدث بشكل موسع بإضافة عشرات الصفحات والصور والعناوين العملاقة، التي تهدف إلى استجداء مشاعر الحزن، مثل: هم صبية «في زهرة الشباب»، وهم «ملح الأرض»، و«كيف نستطيع التعبير عن حزننا؟»، و«نهر الموت». وبالطبع سيرة الموتى، و«كلهم طلاب متميزون»، و«أطفال رائعون»، و«أجمل الزهور»، ولم يضع السياسيون الفرصة، فقد «انكسرت قلوبهم»، وغردوا لهذه الحادثة.

ويبدو أن هذا شيء رائع، في مجتمع يُعبّر عن هذا التضامن مع أسر الموتى، وربما يكون الوضع مناسباً تماماً للمنافذ الإعلامية لإشعال نار هذه المشاعر لفترة وجيزة. وإذا كانت الحال كذلك، فإننا نتوقع مجتمعاً يقدّس الموت، ويُمجّد الموتى، ويتحد في مواجهة الكارثة، ويأسف لموت الضحايا، ويعبّر بذات المشاعر عن موت أشخاص آخرين من هذه الأرض، الذين يموتون بأرقام مقززة على يد جنوده.

لا يمكننا بالتأكيد أن نتوقع التعبير بهذه المشاعر نفسها للضحايا من جيراننا كما نفعل مع أطفالنا، والقتلى من أعدائنا كما نفعل مع من نحبهم، ولكن أليس علينا على الأقل أن نبذل القليل من التعاطف مع ضحايا الآخرين؟ هذا مستحيل بالفعل. يبدو أحياناً وكأن إسرائيل تعرب عن حزنها على موتاها بشكل مبالغ فيه، بحيث لا تترك مجالاً في قلبها لقرصة من الشعور البشري لموتى من أمة الأخرى، قضوا بسببها.

في الأسابيع القليلة الماضية، قُتل العشرات من الأشخاص، في أعمار المراهقين الذين ماتوا في وادي نحال تسافيت. ماتوا أيضاً على الرمال في الجنوب، ولا يفصل بين موقعي الحادثين سوى مسيرة ساعتين بالسيارة. في نحال تسافيت، مات الشباب في كارثة طبيعية، أما على حدود غزة فقد ماتوا بقوة بشرية، قوة طاغية في نهر هائج، قوة قاهرة لدولة تتحكم في الحدود.

لقد كان موتى غزة أيضاً طاهرين وبريئين، فكيف يمكن لفتى يبلغ من العمر 15 عاماً، مثل عزام عويضة، الذي توفي يوم السبت بعد إصابته برصاصة في رأسه يوم الجمعة، ألا يكون طاهراً وبريئاً، ويمكن أيضاً أن نطلق عليه «ملح الأرض»، وملح أرضهم وشعبهم. هم أيضاً كانوا مستعدين للقتال من أجل أمتهم، وأحبوا بلادهم مثل طلاب بني صهيون. ومن المؤكد أنهم كانوا سيشعرون بسعادة بالغة بالتجول في طولها وعرضها، بما في ذلك نحال تسافيت، ولكن لم يسمح لهم الظرف بتحقيق ذلك. هم أيضاً كانوا «أجمل الزهور»، لكنهم الآن ميتون.

وهم أيضاً حزنت عليهم أمتهم بأكملها. هل يستطيع أن يفهم الإسرائيليون ذلك على الأقل؟ هم أيضاً لديهم آباء وأقارب وأصدقاء، وتداعى عالمهم مثل ضحايا اليهود تماماً، عندما أطلق قناص من الجيش الإسرائيلي النار عليهم لتتوقف قلوبهم. لن تكون حياة هذه العائلات الثكلى أبداً كما كان عليه الحال سابقاً، أصبح حزنهم لا يطاق. كانت حياتهم القصيرة أكثر يأساً وبؤساً من حياة الإسرائيليين. لا يمكن لأي إسرائيلي أن يتخيل كيف ينمو هؤلاء الصبية تحت الحصار.

طلاب «بني صهيون»، الذين قضوا في الحادث، كان من المقرر أن ينضموا إلى الجيش قريباً. خارج هذه الحدود لا يوجد جيش ولا أسلحة متقدمة، ولهذا يستخدم الصبية الصخور والمرايا والإطارات في حربهم اليائسة من أجل التحرر. وبالكاد تتعرض وسائل الإعلام الإسرائيلية لذكرهم، ولا حتى بين الإسرائيليين أنفسهم، دعك من عددهم. لا أسماء، لا صور، لا قصة حياة، لا شيء يمكن أن يوحي بأنهم بشر على حد سواء.

لا تستحق أي من المجموعتين الموت، «لماذا لم يبلغ الولد الجميل سنه الـ20؟»، كما تعبر عن ذلك الأغنية التي تغنى بها إيهود مانور. يجب أن يتطابق هذا مع موت تسور ألفي (17 عاماً)، ومزكيريت باتيا، بالقدر نفسه الذي يجب أن يتطابق مع مقتل محمد أيوب (14 عاماً)، من مخيم جباليا للاجئين.

جدعون ليفي صحافي إسرائيلي مناصر لقضايا الفلسطينيين

تويتر