مع اقتراب نذر الحرب العالمية التجارية

أميركا والصين تتبادلان الاتهامات.. وتدبران الأعمال الانتقامية

صورة

خلال أسبوعين فقط، أمر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باستصدار مجموعة من التعرفات الجمركية ضد العديد من البلدان، ومنع الصين من الاستحواذ على الشركات الأميركية، وسعى إلى فرض قيود جديدة على الاستثمار الصيني في المستقبل. وردت الصين بتعرفات خاصة بها على واردات 128 سلعة أميركية. ويحذر اقتصاديون من أن العالم على شفا حرب تجارية شاملة، تتميز بأعمال انتقامية، وخطابات ساخنة، ونداءات إلى منظمة التجارة العالمية، التي قد تكون غير مستعدة للإجابة عنها.

• التصعيد الأخير أذكى المخاوف من حرب تجارية شاملة، أشعلها ترامب للانتقام من الصين، متهماً إياها بسرقة الملكية الفكرية.

• الإجراءات المتخذة من قبل الولايات المتحدة والصين بشأن تعريفة الصلب، واحتجاج ترامب بالأمن القومي لتبرير بعض تحركاته - والتي يمكن أن تفتح صندوق الشر من خلال مطالبات مماثلة من دول أخرى - وتهديد ترامب بمعاقبة الاتحاد الأوروبي، إذا فرض ضد بلاده تدابير مضادة - كل ذلك من شأنه أن يضاعف التوتر أيضاً في أجواء التجارة العالمية.

التصعيد الأخير أذكى المخاوف من حرب تجارية شاملة، أشعلها ترامب للانتقام من الصين، متهماً إياها بسرقة الملكية الفكرية. كما أن الإجراءات المتخذة من قبل الولايات المتحدة والصين بشأن تعرفة الصلب، واحتجاج ترامب بالأمن القومي لتبرير بعض تحركاته - والتي يمكن أن تفتح صندوق الشر من خلال مطالبات مماثلة من دول أخرى - وتهديد ترامب بمعاقبة الاتحاد الأوروبي إذا فرض ضد بلاده تدابير مضادة، كل ذلك من شأنه أن يضاعف التوتر أيضاً في أجواء التجارة العالمية.

مثال شاذٌّ

أحد أكثر الأمثلة شذوذاً في هذا الصدد، هو قانون سموت - هاولي، الذي أقره الكونغرس عام 1930، والذي غالباً ينحي عليه باللائمة في تعميق أزمة الكساد الكبير. حيث رفع القانون الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة بمعدل 20%، وتم هذا الإجراء في البداية لحماية المزارعين الأميركيين، ثم اتسع بعد ذلك مع قيام صناعات أخرى بالضغط طلباً للحماية من المنتجات الأجنبية. ومع انهيار الطلب، سارعت الدول للحفاظ على احتياطاتها من الذهب عن طريق تخفيض قيمة عملاتها، أو فرض المزيد من الحواجز التجارية، ولهذا السبب سقطت التجارة العالمية في الهاوية.

ولا يبدو أن هناك أحداً استطاع كسب هذه الحرب. ويحدثنا التاريخ القريب أن الرئيس السابق، جورج دبليو بوش، عندما رفع تعرفة الصلب عام 2002، انخفض إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة بمقدار 30.4 مليون دولار، وفقاً للجنة التجارة الدولية الأميركية، وفقدت الولايات المتحدة نحو 200 ألف وظيفة، 13 ألف منها كانت في صناعة الفولاذ الخام. وقدر تقرير لمؤسسة بيترسون للاقتصاد الدولي، المؤيدة لحرية التجارة، أن كلفة تعرفة بوش بلغت نحو 400 ألف دولار لكل وظيفة، يتم توفيرها في صناعة الصلب، كما حكمت منظمة التجارة العالمية بأن تعرفات بوش غير قانونية.

وفرض ترامب رسوماً جمركية تصل إلى 60 مليار دولار، على منتجات غير محددة يتم استيرادها من الصين، رداً على ما يسميه عقوداً من سرقة الصين للملكية الفكرية. كما فرض رسوماً جمركية قدرها 25 و10% على التوالي على واردات الصلب والألمنيوم، ما دفع الصين إلى القول بأنها قد ترد بتعرفات جمركية خاصة بها. وفي الوقت ذاته، أصدر ترامب إعفاء مؤقتاً للحلفاء، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، يتعلق بتعرفة المعادن، لأنه يتوقع منهم تقديم تنازلات إلى الولايات المتحدة، للحفاظ على هذا الإعفاء.

ليست التعرفات هي السلاح الوحيد في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فقد استخدمت إدارة ترامب الهجوم المباشر على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، واستخدمت البلدان عبر السنين وسائل أخرى، لمنع دخول السلع الأجنبية وحماية الشركات المحلية، وهي ممارسة تُعرف باسم «المذهب التجاري». ويتهم ترامب الصين باستخدام الإعانات الحكومية لدعم صناعاتها المحلية. بعض الممارسات التي تطبقها الصين علنية، مثل الحصص، وأخرى سرية، مثل مواصفات المنتجات غير العادية، وعمليات التفتيش المطولة للبضائع في منافذ الدخول، ومتطلبات الترخيص المعقدة.

فرنسا وإيطاليا تخوضان حرباً تجارية

بعد فترة وجيزة من توحيد إيطاليا عام 1871، لجأت الأمة الفتية إلى الحمائية لتعزيز صناعاتها «المبتدئة»، وأنهت اتفاقها التجاري مع فرنسا عام 1886. ورفعت إيطاليا التعرفة لما يصل إلى 60%، لحماية صناعاتها من المنافسة الفرنسية. وردت الحكومة الفرنسية برفضها التفاوض، وبدلاً من ذلك هددت الإيطاليين بتعرفات عقابية، إذا لم تخفض إيطاليا تعرفاتها.

وتبادل كلا البلدين أساليب انتقامية، حيث لجأت فرنسا إلى تمرير قانون التعرفة شديدة الحمائية عام 1892، والتي أعلنت فيه بشكل لا لبس فيه انفصالها مع التجارة الحرة.

وشعرت الدولتان بتكاليف الحرب التجارية، لكن الضرر امتد على نطاق أوسع. وانخفضت قيمة التجارة الفرنسية الإيطالية بشكل كبير، تلتها اضطرابات في البلدين. وأفضت الحرب إلى نتيجة أخرى غير مقصودة، هي أنها دفعت إيطاليا إلى الاقتراب من ألمانيا والنمسا والمجر، في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى.

الحزب الجمهوري والكنديون

على الرغم من أن الحزب الجمهوري قد أطلق على نفسه في الآونة الأخيرة «حزب التجارة الحرة» - قبل دخول ترامب البيت الأبيض - لكنه لم يكن دائماً هكذا. ففي السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية الأميركية، على سبيل المثال، عندما سيطر الجمهوريون على الرئاسة، كان الحزب الجمهوري هو الذي يتفاخر بالحمائية، حيث بذل جهوداً لترسيخ برنامجه القومي الاقتصادي.

وألغت الولايات المتحدة معاهدة المعاملة بالمثل مع كندا عام 1866، وبعد ذلك سعى القوميون الاقتصاديون الكنديون إلى الانتقام من الجار الجنوبي، عن طريق فرض تعرفتهم الجمركية الخاصة.

وبحلول عام 1879، رسخ حزب المحافظين الكندي سياسة الحماية الوطنية. وقررت بعض الشركات الأميركية، مثل سنجر، والتبغ الأميركي، ووستنغ هاوس، وإنترناشيونال هارفيستر نقل إنتاجها إلى كندا، بدلاً من دفع ضرائب الاستيراد المرتفعة. وبحلول أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر، انتقل 65 مصنعاً أميركياً إلى كندا، وفي هذه الحالة تمخضت الحمائية عن نتائج عكسية.

ووصلت التوترات التجارية إلى نقطة الانفجار عام 1890. ووافق الجمهوريون المسؤولون عن السلطتين التنفيذية والتشريعية على قانون «ماكينلي تريفك» الحمائي للغاية. وانخفضت الصادرات الزراعية إلى كندا بمقدار النصف، من 1889 إلى 1892. وعندما وافق الجمهوريون على فرض أكثر التعرفات الجمركية حمائية عام 1897، قررت كندا أن أفضل استجابة لها هي فرض جرعة مضاعفة من الانتقام التعرفي، وتوثيق العلاقات التجارية مع الإمبراطورية البريطانية، بدلاً من الولايات المتحدة. بعد ذلك استغرق الأمر ما يقرب من قرن، لتتطور التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا.

تويتر