باتت مقياساً لاختبار «الشعبية»

توظيف قضايا السياسة الخارجية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس

صورة

تصاعد اتجاه الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتوظيف قضايا السياسة الخارجية ضمن حملات الدعاية الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل، فبينما ركّز الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» ومرشحو الحزب الجمهوري على تمكن الإدارة الأميركية من عقد صفقات ناجحة مع كوريا الشمالية وتركيا، وإنهاء الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك، والتصدي للتمدد التجاري للصين، والإفراج عن المعتقلين الأميركيين، فإن الحزب الديمقراطي ومرشحيه قد انتقدوا تقليص ميزانية وزارة الخارجية، وتراجع التمثيل الدبلوماسي الأميركي حول العالم، وتوالي استقالات الكوادر المنفذة للسياسة الخارجية من إدارة «ترامب»، بالإضافة إلى تزايد حدة التوترات مع حلفاء الولايات المتحدة، والتسبب في تصدع حلف الناتو ومجموعة السبع الصناعية.

التوظيف الانتخابي

على الرغم من أنه من المفترض أن يركز المرشحون في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على القضايا الداخلية التي تؤثر في الناخب الأميركي بشكل مباشر، إلا أنه في هذه الانتخابات تزايد توظيف قضايا السياسة الخارجية للتأثير في الناخبين باعتبارها قضايا أمن قومي، وقد أسهم في صعود هذه القضايا في الخطاب الانتخابي للمرشحين مجموعة من العوامل لعل من أبرزها: القوانين التي تسمح بالتمويل الخارجي للحملات الانتخابية، ودور اللوبيات وجماعات الضغط التي ترتبط مصالحها بشكلٍ مباشر باتجاهات السياسة الخارجية، ويُعد نشاط اللوبي الصهيوني في التأثير في السياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط دليلاً واضحاً على ذلك.

وفي هذا السياق، يحاول مرشحو الحزب الجمهوري توظيف سياسات ترامب الخارجية على أنها قضايا داخلية من منظور ارتباطها بالأمن القومي، وتشير الخبرات السابقة إلى أنه كثيراً ما تُرجِّح قضايا السياسة الخارجية كفة أحد الأحزاب، فعلى سبيل المثال، سبق وأن استخدمت إدارة «جورج بوش» حملتها للحرب على الإرهاب للفوز بانتخابات التجديد النصفي عام 2002.

حسابات ترامب

تُمثل انتخابات التجديد النصفي أهمية خاصة لترامب، حيث تعد بمثابة استفتاء على سياساته التي اتبعها منذ وصوله لسدة الرئاسة في مطلع عام 2017، يضاف إلى هذا أنها فرصة لاختبار شعبيته تمهيداً لخوضه انتخابات 2020، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أهمية هذه الانتخابات لترامب في ما يلي:

1- سياسة الصفقات:

عكست السياسة الخارجية لترامب سعيه لإثبات براغماتيته وقدرته على عقد الصفقات على المستوى الخارجي، حيث استعرض خلال مشاركته في حملات الدعاية الانتخابية تمكنه من تحقيق مكاسب في ما يتعلق بتغيير الخريطة التجارية مع الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي لصالح الولايات المتحدة، وعقده صفقات مع كوريا الشمالية وتركيا، والتزامه بشعار «جعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً».

2- استعادة الشعبية:

حاول «ترامب» تركيز جهوده في الحملات الترويجية لحزبه قُبيل انتخابات التجديد النصفي على ما يتصل مباشرة بمصلحة الناخب الأميركي، وقد يؤدي نجاحه في هذه الحملات إلى تعزيز شعبيته المتآكلة بعد تصاعد حدة الاتهامات الموجهة لكبار مساعدي حملته الانتخابية، وفقدانه دعم كثير من الأقليات والنساء.

3- استفتاء شعبي:

يَعتبر ترامب هذه الانتخابات اختباراً حقيقيّاً لسياسته، خصوصاً في ظل استطلاعات الرأي التي تقلل من إنجازاته بل تعتبره الأسوأ تقييماً بين الرؤساء الأميركيين، وتشير بعض التقارير الصحافية إلى أن ترامب لا يثق بهذه الاستطلاعات ويتهمها بعدم الحياد، لذا يمكن القول إن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على سياساته، التي اتجهت للانكفاء على الداخل عملاً بشعار «أميركا أولاً»، كما يحاول ترامب إبراز نجاح سياساته للنخبة السياسية في حزبه التي لم تكن متحمسة بما يكفي عند إعلان فوزه بالرئاسة الأميركية أواخر 2016.

تنامي الاستقطاب:

يحاول ترامب من خلال انخراطه في الحملة الدعائية لمرشحي حزبه إبراز إنجازاته، خصوصاً ما يتصل بوفائه بالتزاماته التي قطعها على نفسه أثناء حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016. ويُمكن في ما يلي الإشارة إلى أبرز قضايا السياسة الخارجية التي يستغلها مرشحو الحزب الجمهوري وترامب للتأثير في الناخبين الأميركيين:

- الإفراج عن المعتقلين الأميركيين:

يدعي ترامب أنه على استعداد للتضحية بالصفقات التجارية والمصالح السياسية في مقابل الحفاظ على أرواح مواطنيه، حيث لم يُجرِ أي حوار مباشر مع المسؤولين في كوريا الشمالية إلا بعد الإفراج عن ثلاثة أميركيين كان قد تم القبض عليهم في بيونغ يانغ، وقد قام باستقبالهم بنفسه، وفي ما يتعلق بالحوار مع إيران فقد أكد ترامب أن أي انفتاح مع طهران لابد أن يسبقه إطلاق سراح السجناء الأميركيين لديها.

وأخيراً، يوظف نجاحه في إطلاق سراح القس «أندرو برونسون» الذي تم القبض عليه في تركيا لاكتساب مزيد من الشعبية قُبيل الانتخابات المقبلة، وهو ما بدا في حفاوة استقباله للقس الإنجيلي «برونسون» داخل المكتب البيضاوي، وقد يُساعد الإفراج عن «برونسون» في تمكين الرئيس الأميركي من الحفاظ على أصوات الإنجيليين.

- استقالة نيكي هايلي

مثَّلت استقالة نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مفاجأة في أوساط السياسة الأميركية، خصوصاً أن هايلي تدعم بشدة سياسات الرئيس ترامب داخل أروقة الأمم المتحدة، ما جعل البعض يراها أنها تمثل السياسة الترامبية أكثر منها الأميركية، وعلى الرغم من ذلك فإن استقالة هايلي يمكن اعتبارها مخاطبة للداخل قُبيل الانتخابات، خصوصاً أنها كانت تُمثل صوتاً متشدداً داخل أروقة الأمم المتحدة، وهو ما بدا في موقفها الداعم بشدة لانسحاب واشنطن من مجلس حقوق الإنسان، وهو ما يرفضه الديمقراطيون.

- تعديل اتفاقية نافتا (NAFTA):

اعتبر ترامب أن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) مجحفة للولايات المتحدة، حيث يستهدف من تعديلها معالجة العجز في التبادل التجاري الذي يُقدر بنحو 71 مليار دولار لصالح المكسيك، و17 مليار دولار لصالح كندا، لذلك عمل على تعديلها من خلال عقده اتفاقية ثنائية مع المكسيك، وأرغم كندا على الانضمام لها أخيراً.

ويمكن القول إن تعديل الرئيس الأميركي لـ«نافتا» قبل انتخابات التجديد بمثابة ورقة رابحة ستؤثر في الناخبين، إذ كان من المقرر تعديلها بعد انتخابات التجديد النصفي، وهو ما سيؤثر في العمالة الأميركية في القطاعين الصناعي والزراعي.

- المفاوضات مع كوريا الشمالية:

يُروج ترامب أنه نجح في ما فشل فيه الرؤساء السابقون، وذلك بعد دفعه كوريا الشمالية للجلوس على مائدة المفاوضات، وتمكنه من إيقاف تجارب بيونغ يانغ النووية التي تهدد أمن واشنطن وحلفائها، بالإضافة إلى أنه قام برعاية لقاءات مباشرة بين زعماء الكوريتين بهدف تطبيع العلاقات.

- الحرب التجارية مع الصين:

يشير ترامب إلى أن الهدف من الحرب التجارية مع بكين يرجع إلى أن عجز الميزان التجاري بين البلدين قد وصل في نهاية عام 2017 إلى 375.5 مليار دولار لصالح الصين، لذا عمل الرئيس الأميركي على خفض هذا المعدل من خلال فرض مزيد من الرسوم الجمركية.

واتهم ترامب بكين بمحاولة التأثير في انتخابات التجديد النصفي بعد فرضها رسوماً جمركية كرد فعل على قرار «ترامب»، حيث صرح في سبتمبر 2018: «إنهم لا يرغبون في أن أحقق أي نتائج إيجابية ولا يريدون الفوز لنا، لأنني أول رئيس أميركي يتحدى الصين تجاريّاً».

- الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي

في إطار نجاحاته في حروبه التجارية مع الصين، ودول «نافتا»، نجح «ترامب» في عقد اتفاق مع دول الاتحاد الأوروبي يقضي بتصفير الرسوم الجمركية بين واشنطن ودول الاتحاد في مجال المنتجات الصناعية باستثناء قطاع السيارات.

انتقادات الديمقراطيين

ركّزت الدعاية الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على إخفاقات الرئيس ترامب في مجال السياسة الخارجية، والطبيعة الصراعية لسياسته الخارجية، فقد ركزوا على تسبب سياسته الخارجية في اتساع الهوة بين الولايات المتحدة وحلفائها ضمن حلف الناتو، ومجموعة دول السبع الصناعية الكبرى، وتآكل الثقة بوفاء واشنطن بالتزاماتها الدفاعية تجاه حلفائها في أوروبا وآسيا، خصوصاً عقب التصريحات المتكررة لـ«ترامب» حول ضرورة تحمل الدول الحليفة تكلفة مواجهة التهديدات الخارجية.

وعلى مستوى آخر، تزايدت حدة انتقادات الديمقراطيين للإرباك السياسي الذي سببه ترامب للسياسة الخارجية الأميركية، وهو ما يرتبط بالمعدلات المرتفعة للإحلال الوظيفي في المؤسسات والقيادات التي تقوم بتنفيذ السياسة الخارجية، والتي كان آخرها استقالة هايلي ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، كما يتصل ذلك بتراجع التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في عدد كبير من دول العالم.

وفي هذا السياق، نشر موقع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تقريراً في 12 أكتوبر 2018 عن الدول التي لا يوجد بها تمثيل دبلوماسي أميركي على مستوى السفراء، إذ يخلو ما لا يقل عن 20 دولة من أي سفراء أميركيين، ولم يتم ترشيح من يشغل هذه المناصب، أضافة إلى أنه تم ترشيح سفراء لشغل المناصب الشاغرة في نحو 30 دولة، ولم يتم إقرار هذه الترشيحات من جانب مجلس الشيوخ.

وامتدت حالة الفراغ في هياكل تنفيذ السياسة الخارجية الأميركية إلى بعض المؤسسات الدولية التي باتت تفتقد ممثلين عن الولايات المتحدة، مثل: الوكالات والهيئات المتخصصة في الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي انسحبت الولايات المتحدة منها سابقاً.

وينتقد الديمقراطيون أيضاً تقليص ميزانية وزارة الخارجية الأميركية لمستويات غير مسبوقة، حيث قام الرئيس الأميركي بخفض مخصصات وزارة الخارجية الأميركية بنسبة 39% في ميزانية عام 2017.

صناعة صورة

تكشف مراجعة الحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين والجمهوريين عن تصاعد توظيف قضايا السياسة الخارجية في الحملات الانتخابية، إذ يسعى ترامب لصناعة صورة حول قيامه بتوظيف السياسة الخارجية في خدمة الداخل الأميركي، ما ينعكس على تراجع معدلات البطالة نتيجة تبني السياسات الحمائية، بينما ينتقد الديمقراطيون التوترات المتصاعدة مع حلفاء الولايات المتحدة وحالة الإرباك السياسي التي تهيمن على مؤسسات تنفيذ السياسة الخارجية.

- ركزت الدعاية الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس على إخفاقات الرئيس ترامب في مجال السياسة الخارجية، والطبيعة الصراعية لسياسته الخارجية.

تويتر