بغضّ النظر عن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين ودمار البنى التحتية للمدن

بوتين يهدف بتدخله القوي في حرب سورية إلى تحقيــق نصــر نهائـي لمصلحة الأسد

صورة

قبل نحو ثلاث سنوات كان النظام في سورية على وشك السقوط، لولا التدخل القوي للجيش الروسي، ما جعل كفة الحرب ترجح لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد، الذي بدأ باسترجاع المواقع التي خسرها بمساعدة الطيران الروسي العنيف، الذي دمّر البنى التحتية للعديد من المدن والبلدات السورية، حيث كان يستهدف بصورة خاصة المشافي والعيادات الطبية في كل من الغوطة وحلب ودرعا وغيرها. وفي الرابع من سبتمبر الجاري، بدأ السكان المحليون يتحدثون عن الغارات الروسية والسورية الكثيفة على ضواحي إدلب، المدينة الوحيدة التي لاتزال خارج سيطرة النظام السوري. وحذّرت الأمم المتحدة من أن ثلاثة ملايين مدني في هذه المدينة عالقون بين قوات النظام والحدود التركية المغلقة.

في الخامس من سبتمبر الجاري، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي «لو تذكرون أننا بدأنا تقديم المساعدة لبشار الأسد في سبتمبر 2015، عندما وصل تنظيم (داعش) إلى قلب دمشق، وكان النظام على وشك الانهيار»، وأعلنت روسيا أخيراً، أنها قامت بـ39 ألف غارة فوق المدن والبلدات السورية منذ 2015. لكن تركيز الغارات الأميركية كان ضد تنظيم «داعش»، في حين أن هدف روسيا في سورية كان دائماً أكبر من ذلك. وقال المحلل في قضايا الشرق الأوسط في موسكو يوري بارمين، «كانت الغارات الروسية تعتمد على تحقيق أهداف سياسية، وليس القضاء على مجموعة معينة»، ولهذا كان ثمة أمل في إيجاد حل سياسي في إدلب، التي كانت تعيش تحت غطاء اتفاق وقف إطلاق نار جزئي بين تركيا وروسيا وإيران. واجتمع الرؤساء الثلاثة، الأسبوع الماضي. لكنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق.

ومن المعروف أن روسيا لا تكترث مطلقاً لحياة المدنيين خلال أعمال القصف، بل إن قتل المدنيين يبدو مسألة متعمدة ومحسوبة، وقالت الباحثة من معهد دراسة الحرب في واشنطن ماتي سومنارو، «في منتصف سبتمبر من العام الماضي، وبينما كانت الحرب مشتعلة في إدلب، استهدفت الطائرات الروسية عمداً معظم المنشآت الطبية في جنوب المدينة».

وعلى الرغم من وحشية القصف الروسي، الذي بات مألوفاً بالنسبة للسوريين، حيث كانت الغارات الجوية الروسية تؤدي إلى مقتل المئات في يوم واحد، إلا أنه ربما يكون هناك ما هو أسوأ للمدنيين في إدلب، وذلك استناداً إلى تاريخ روسيا والاتحاد السوفييتي العسكري. ولم تلتزم روسيا بأي وقف لإطلاق النار، على الرغم من أنها تكون قد وافقت عليه، فخلال حصار حلب قامت الطائرات الروسية بتدمير جميع المشافي الموجودة في شرق حلب، حيث قالت لجنة تابعة للأمم المتحدة، إن التدمير كان متعمداً ومنهجياً، يستهدف المنشآت الطبية كجزء من استراتيجية تهدف إلى إجبار المعارضين على الاستسلام.

ونجحت هذه الاستراتيجية الوحشية، حيث تمكنت روسيا وحكومة النظام السوري من التوصل إلى صفقة في منتصف ديسمبر الماضي، تقضي بخروج نحو 34 ألف شخص من حلب إلى إدلب.

وتظهر الأرقام الأخيرة الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية حجم القوى العسكرية التي نشرتها لدعم نظام الأسد. وإضافة إلى 39 ألف غارة جوية، ومقتل نحو 83 ألفاً من الميليشيات، فقد تم نشر نحو 63 ألف محارب روسي حتى الآن. وبالطبع فإن تعداد القتلى في صفوف الروس بسيط جداً، نظراً إلى أن الروس كانوا يركزون على الغارات الجوية. ومعظم أطقم الطائرات الذين قتلوا بسبب حوادث التحطم، وإن كان عدد الطائرات التي تم إسقاطها قليلاً.

وعلى الرغم من أن أعداد القتلى الروس الرسميين قليل جداً، إلا أن تعداد الروس المتعاقدين كان غير ذلك، ففي فبراير 2018 قتل العشرات بل المئات من المرتزقة الروس، عندما هاجم مسلحون تابعون للنظام قاعدة لقوات سورية الديمقراطية (قسد) في شرق سورية، حيث يرابط الجنود الأميركيون.

وترجع رغبة الروس في تقليل عدد قتلاهم إلى أدنى حد ممكن، إلى تجربة مريرة عانوها قبل ثلاثة عقود، عندما احتل الاتحاد السوفييتي السابق أفغانستان عام 1979، ومُني بمقتل عدد ضخم، في حين أن الكتلة الشيوعية كانت على وشك الانهيار. وقالت الباحثة كاتيا سوكيريانسكايا، الخبيرة في مركز تحليل الصراعات والوقاية «لاتزال أعراض أفغانستان، أي ذكريات حرب أفغانستان، قوية في مجتمعنا».

وعلى الرغم من أن روسيا لم تنس حرب أفغانستان إلا أن سوكيريانسكايا، أشارت إلى حرب الشيشان لتشرح كيف تحارب روسيا في المناطق المأهولة. وخلال حربين في مناطق ذات غالبية مسلمة في تسعينات القرن الماضي، وبداية العقد الماضي، دمّر الروس هذه المناطق، وخاصة العاصمة غروزني، التي تمت تسويتها بالأرض. وأضافت سوكيريانسكايا «عملت حول الصراعات المسلحة المتعلقة بروسيا منذ 17عاماً، ولاحظت أن القصف كان عشوائياً في كل الحالات. وكانت الشيشان مثالاً قوياً على ذلك، في حين أن سورية مثال مصغر، ففي غروزني التي يعيش فيها نصف مليون مدني، لم يبق منزل ولا مبنى دون تدمير»

ويمكن مقارنة صور الدمار في حلب والغوطة الشرقية بالصور المشينة التي ظهرت في مدينة غروزني (وينشر الروس هذه الصور على وسائل التواصل الاجتماعي معربين عن سعادتهم بها، حيث يجرون المقارنة بين حلب وغروزني)، وقتل الآلاف من الجنود الروس وهم يقاتلون أمام مدينة غروزني، وقال الباحث من مركز الروسي للتحليل والبحوث مايكل كوفمان «كانت حرب الروس في غروزني درساً مفاده لا تضحوا بجنودكم مقابل الحفاظ على المناطق المأهولة».

ولم تكن حرب الشيشان تمثل فشلاً بالنسبة إلى الروس، على الرغم من العدد الكبير من الإصابات في أوساط المدنيين. وقال كير جايلز، من برنامج يوراسيا الروسي، «بالنسبة إلى الروس كانت حرب الشيشان ناجحة، لأن هذا البلد أصبح آمناً الآن وخاضعاً لموسكو، وبالنسبة إلى الروس، فإن معاناة المدنيين تكون أداة يجب استغلالها لكسب الحرب».

وبذل المجتمع المدني السوري والمراقبون جهوداً جبارة لإحصاء تعداد القتلى والمصابين في الحرب السورية، بمن فيهم ضحايا الغارات الروسية. ولكن هذه التقارير ليس لها أي قيمة داخل روسيا، إذ إن غالبية الروس لا علم لهم بهذه الآلاف من القتلى. وقالت سوكيرياناسكايا «يفضل كل من الإعلام والمواطنين الروس، عدم التركيز على الكوارث الإنسانية، لإبعاد أنفسهم عن هذه القضية، فالجميع يدرك أن ما يحدث في سورية، هو حمام دم، أما نحن الروس، فإننا نعمل على استعادة السلام ومحاربة الإرهابيين».

وفي رده على سؤال حول قيام القوات الروسية والحكومية السورية بقتل الآلاف من المدنيين، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمحطة «فوكس نيوز» الأميركية، في يوليو 2018، إن الضربات الأميركية الأخيرة أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين أيضاً. وقال «قتل الكثير من سكان الرقة المدنيين. لقد تم مسح المدينة عن وجه الأرض. وهو ما يذكرني بمدينة ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية»، وكان بوتين يقصد من كلامه أن مثل هذا التدمير والقتل للمدنيين مسألة حتمية في الحرب على المدن، بغض النظر عن من يشارك فيها.

وبعد أسابيع من المفاوضات الطويلة التي كانت فاشلة على ما يبدو، ربما سيعود الروس والنظام الروسي إلى لعبة تدمير المدنيين في إدلب. ويملك المدنيون هناك كل الحق للخوف من الغارات الروسية. واستناداً لما قالته مصادر الأمم المتحدة يوجد ثلاثة ملايين مدني تحت الخطر في إدلب، معظمهم من الذين هجّروا إليها أصلاً. وربما أنه لايزال هناك بعض الأمل للتوصل إلى حل دبلوماسي يمنع حدوث مذبحة مرعبة في المدنيين الذي يعيشون في إدلب، وليس لهم مكان يمكن أن يلجؤوا إليه سوى البقاء، وتحمل الحالة المزرية التي ستنجم عن القصف الروسي المتوحش إذا اندلعت الحرب.

وفي حال سقوط الضحايا، فإنهم سينضمون إلى قائمة طويلة من الذين سبقوهم. وخلال ثلاث سنوات، منذ دخول الجيش الروسي هذه الحرب في 30 سبتمبر 2015، قتلت الغارات الجوية الروسية 18 ألفاً و485 مدنياً. وعلى الأقل 5917 منهم تم ذكر أسمائهم في وسائل التواصل الاجتماعي أو السجلات التي تحصي الإصابات. وعلى الرغم من أنه يجري العمل على تحديد هوية 18 ألف شخص قتلتهم الغارات الروسية من قبل منظمات غير حكومية، إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان ذكر أن تعداد القتلى المدنيين الذين سقطوا حتى نهاية يونيو 2018 هو 7800 ضحية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أخيراً، إنه سيتم اتخاذ بعض الإجراءات لحماية المدنيين «المستسلمين» في إدلب. تماماً كما ادعى ذلك في شرق حلب والغوطة. وأضاف لافروف «كنا دائماً نحدد ممرات إنسانية آمنة، وكنا دائماً نبذل ما بوسعنا للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع المعارضة المستسلمة. وقامت الحكومة السورية بإصدار عفو عنهم، وسلموا أسلحتهم وانخرطوا في الحياة السلمية في سورية».

ولكن بالنسبة إلى مخططي الجيش الروسي، فإن أي قلق على سلامة المدنيين لن تكون له أي أهمية أمام أهمية الهدف النهائي الذي تريد موسكو تحقيقه، والمتمثل في تحقيق النصر النهائي لبشار الأسد.

63

ألف محارب روسي تم

نشرهم في سورية

لدعم نظام الأسد.

18485

مدنياً قتلوا نتيجة

الغارات الروسية خلال

ثلاث سنوات.

39

ألف غارة شنتها روسيا

فوق المدن السورية

منذ عام 2015.

تويتر