لا يمكن إبقاؤهم رهن الحجز.. وترحيلهم إلى أوروبا غير وارد

مقاتلــون أجـانب فــي سورية ضمن صـفقات تبــادل سرّية

صورة

أفرج حلفاء الغرب، في شمال سورية، عن مشتبه فيهم أجانب من تنظيم «داعش» الإرهابي، من خلال صفقات تبادل أسرى سرية، ما أثار مخاوف من عودة المسلحين إلى ساحة المعركة، وربما يعودون إلى أوروبا. وقد شملت صفقات التبادل، حتى الآن، عدداً من المواطنين الفرنسيين والألمان، فضلاً عن أعداد كبيرة من مواطني الشيشان والعرب، لكن هناك ثلاثة سجناء بريطانيين تحتجزهم عناصر من حزب «قوات سورية الديمقراطية»، يمكن إدراجهم في صفقات التبادل المستقبلية.

خطر متزايد

حذر زميل معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشارلز ليستر، من أن المقاتلين الذين تم إطلاق سراحهم في تلك الصفقات - بمساعدة المهربين - يمكن أن يفروا إلى تركيا، ومن هناك يصلون إلى أوروبا، «إن احتمال قيام المئات من المقاتلين غير السوريين بالتجول بحرية في بيئة نزاع ما بعد (داعش)، من شأنه أن يزعزع صانعي السياسة في الغرب»، ودعا التحالف الدول الأعضاء فيه لتحمل مسؤولية مواطنيها. وحذر المتحدث باسمه، الأسبوع الماضي، من أنه كلما طالت فترة احتجازهم دون محاكمة، زاد الخطر الذي يمثلونه. وأوضح شون ريان: «تُظهر التجارب السابقة أن مراكز الاحتجاز هي أرض خصبة للتطرف».

وقالت دبلوماسية غربية لصحيفة «ديلي تلغراف»، طلبت عدم الكشف عن اسمها، إن هناك مخاوف بشأن قدرة قوات الدفاع الكردية على احتجاز مثل هذا العدد الكبير من المشتبه فيهم بشكل آمن، والقلق من أن قرار الولايات المتحدة الأخير، بسحب قواتها من البلاد، سيتركها دون حافز يذكر لمواصلة القيام بذلك، «لا يمكن للبلدان الأوروبية تسلّم مواطنيها من سورية، كما أن الحصول على أدلة كافية، لتكون واثقة بإدانتهم عند عودتهم، يعتبر أمراً صعباً، لذلك تفضّل تركهم هناك».

وتوقعت الدبلوماسية أن يسحب الرئيس، دونالد ترامب، قوات الولايات المتحدة من التحالف «في غضون ستة أشهر أو نحو ذلك»، ما يترك قوات التحالف في سورية تعاني من «صداع كبير». وقالت: «يجب على الفرنسيين على وجه الخصوص أن يقلقوا، فإن لديهم الكثير من المقاتلين المحتجزين من قبل قوات سورية الديمقراطية، وهناك فرصة أن يتمكنوا من الخروج والعودة إلى ديارهم في وقت توجد فرنسا بمنطقة شنغن.. كل شيء يميل إلى الفوضى».


لا يمكن للبلدان الأوروبية تسلم مواطنيها من سورية، كما أن الحصول على أدلة كافية، لتكون تلك الدول واثقة بإدانتهم عند عودتهم، يعتبر أمراً صعباً، لذلك هي تفضّل تركهم هناك.


هناك مخاوف بشأن قدرة العناصر الكردية على احتجاز مثل هذا العدد الكبير من المشتبه فيهم بشكل آمن، كما أن القلق من تنفيذ قرار الولايات المتحدة الأخير، بسحب قواتها من البلاد، سيتركها دون حافز يذكر لمواصلة القيام بذلك.


احتمال قـيام المئات من المقـاتلين غـير السوريين بالتجـول بحُرّية في بيئة نزاع ما بعد «داعش»، من شأنه أن يزعزع صــــانعي السياسة في الغرب.

وقد رفض الغرب تحمل مسؤولية العشرات من المقاتلين الأوروبيين المحتجزين لدى هذه القوات، التي تقول إنها لا تملك القدرة على إبقاء سجناء التنظيم المتطرف إلى أجل غير مسمى. وقد توصلت المجموعة الآن إلى اتفاقات مع «داعش» لتبادل المقاتلين وعائلاتهم مع مقاتلي قوات سورية الديمقراطية المخطوفين، وفقاً لأشخاص على دراية بالمفاوضات وأقارب أعضاء «داعش» المعتقلين.

وكانت أولى الصفقات قد تمت في فبراير، وضمت نحو 200 مقاتل تم إرسالهم بالحافلات من مراكز الاحتجاز التابعة للقوات إلى المناطق التي مازالت تحت سيطرة «داعش» في محافظة دير الزور، شرق البلاد. وفي أبريل، قيل إن نحو 15 مقاتلاً و40 امرأة وطفلاً، من بينهم مغاربة، بالإضافة إلى فرنسيين وبلجيكيين وهولنديين، تم تبادلهم. وأُعيد معظمهم إلى أراضي التنظيم ضد إرادتهم، بحسب أحد زعماء القبائل الذين توسطوا بين مقاتلين من الأكراد، معظمهم من «قوات سورية الديمقراطية»، والمسلحين. وفي المقابل، سلم التنظيم المتطرف عدداً متساوياً من السجناء الأكراد الذين قُبض عليهم في معركة دير الزور الغنية بالنفط، ووعد بعدم مهاجمة حقول النفط والغاز الواقعة تحت سيطرة «القوات الديمقراطية».

تسميم الوسطاء

أسهم هجوم بقيادة عناصر تابعين لحزب «قوات سورية الديمقراطية»، وبدعم من القوة الجوية الغربية، في طرد «داعش» من معظم أراضيهم في الشرق، لكن المسلحين مازالوا يعملون في أراضٍ على طول الحدود السورية - العراقية. ويقود ما يقدر بـ1000 من القادة والمقاتلين، بقيادة أبوبكر البغدادي، دفاعاً ضارياً عن معاقلهم الصحراوية.

وكانت صفقات تبادل الأسرى حساسة للغاية، إذ أفادت التقارير بأن أربعة من الوسطاء الـ15 الذين شاركوا في العملية، قد اغتيلوا بعد فترة وجيزة، ما دفع بقية الوسطاء إلى الانسحاب من المفاوضات المستقبلية، على الرغم من المبالغ المالية الكبيرة المعروضة عليهم.

إبراهيم محمد واحد من هؤلاء الوسطاء الذين تم تسميمهم، الشهر الماضي، بينما تم العثور على اثنين آخرين مقتولين بالرصاص في منزليهما شمال الرقة. وكانت آخر عملية تبادل قد ضمت 15 من زوجات مقاتلي التنظيم المتطرف، وجرت في السادس من يونيو، بالقرب من مدينة حاجين في محافظة دير الزور، من دون وسطاء.

لم يرد حزب «قوات سورية الديمقراطية» على طلبات بالتعليق على هذه الصفقات. ولا يوجد أي دليل على أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي قام بتدريب وتمويل عناصر الحزب، كان متورطًا أو على علم بالصفقات. وقالت وزارة الخارجية الألمانية إنه تم إبلاغ أفراد عائلات ألمانية يشتبه في وجود أحد أبنائها في التنظيم، بأنهم أعيدوا إلى منطقة يسيطر عليها «داعش».

وقال وسيط طلب عدم الكشف عن هويته: «طلب عناصر (قوات سورية الديمقراطية) بشكل منتظم من الحكومات الأجنبية المزيد من الأموال لإبقاء المسلحين لديهم، لكن هذا ليس السبب وراء الصفقات»، متابعاً «أرادوا استعادة رجالهم، ولا يهتمون بالمقاتلين الأجانب، لأن حكوماتهم لا تريدهم أن يعودوا».

حالة جمود

وتحتجز عناصر الحزب آلاف المقاتلين وعائلاتهم، بما في ذلك مئات الأجانب الذين تم أسرهم، أو سلموا أنفسهم خلال الهجوم على معاقلهم السابقة في الرقة ودير الزور. واستجوب ضباط أميركيون الأسرى، لكنّ هناك حالة من الجمود بين بريطانيا والولايات المتحدة حول ما يجب القيام به بعد ذلك. وتثير الاتفاقات بين أطراف النزاع مخاوف جدية من أن المقاتلين الخطرين يمكن أن يطلق سراحهم أيضاً، ثم يختفون من رادار أجهزة الأمن. كما أن الادعاءات بأن حلفاء الغرب، من الأكراد، يعيدون الأطفال قسرا إلى ساحات القتال، تثير أيضاً تساؤلات أخلاقية خطيرة.

وأكد (حسين)، والد امرأة هولندية قُتل زوجها وهو يقاتل في صفوف التنظيم المتطرف، وهي محتجزة الآن مع بناتها الصغيرات في معسكر تابع لحزب «قوات سورية الديمقراطية» في بلدة عين عيسى، في شمال البلاد، تفاصيل تلك الصفقات. وفي ذلك يقول (حسين) «اتصلت بي مريم، في 18 من أبريل الماضي، لتخبرني أنهم كانوا يرسلون النساء والأطفال إلى مناطق داعش»، متابعاً «وقعت ثلاث نساء من هولندا مع أطفالهن في الأسْر، وبعض النساء البلجيكيات وأطفالهن».

وقال والد (مريم)، الذي سُمح له بزيارة ابنته وبناتها في المعسكر، في أبريل، إن هناك نحو 28 امرأة هولندية محتجزة مع 20 طفلاً، وإنهن «مرعوبات» من إعادتهن إلى إقليم «داعش»، «إنهن يفضلن البقاء في أيدي عناصر حزب (قوات سورية الديمقراطية) أو العودة إلى ديارهن، بالنسبة للبعض العودة إلى داعش تعني الموت، لأنه يراهن خائنات، ويبدو أن عناصر الحزب لا يملكون ما يكفي من المال لإطعامهن وأطفالهن، مع عدم القدرة على محاكمتهن».

لقد أخبر الأكراد الحكومة الهولندية علانية بأنهن عبء لا يمكنهم تحمله، لكن الحكومة الهولندية تخشى الرأي العام، وهذا هو السبب في أنها لا تفعل شيئاً. وفي ذلك تقول الباحثة بمعهد الحوار الاستراتيجي في لندن، أمارناث اماراسينجام، معلقة «هؤلاء مواطنونا وهم مسؤوليتنا»، متابعة «يمكن أن يواجه العديد من هؤلاء السجناء الموت والتعذيب عند عودتهم إلى داعش، أو يمكنهم العودة إلى ساحة المعركة، كلا الخياران سيئ من منظور أخلاقي ومنظور الأمن القومي، للأسف من المرجح أن تؤثر الخيارات التي نتخذها الآن في مستقبلنا لاحقاً».

 

تويتر