كـل يــوم

الأثر المباشر أفضل من كثرة العدد..

سامي الريامي

تمرّ الدولة اليوم بمرحلة مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً، فمرحلة اليوم هي مرحلة نضجت معها تجاربنا وأداؤنا الاقتصادي، والإمارات اليوم هي أكبر ثاني اقتصاد عربي، ودولة مؤثرة وثقيلة في وزنها الاقتصادي إقليمياً وعالمياً، وعلى مستوى البنية التحتية فهي تُصنف ضمن أفضل وأرقى الدول في بنيتها التحتية، وفي بيئتها الاستثمارية المشجعة، لذلك فهي الآن محط تنافس شركات العالم للحصول فيها على موطئ قدم، ففوائد الاستثمار وأرباحه هنا مرتفعة ومشجعة.

لذلك لابد أن نسعى الآن إلى زيادة جلب الشركات الضخمة، وزيادة استقطاب رؤوس الأموال، هذا أمر ضروري لا خلاف عليه، ولكن علينا ألا ننسى مصلحتنا في ذلك، ومصلحتنا تكمن في الفوائد المباشرة التي سيجنيها اقتصادنا من الاستثمار الخارجي، وليس في زيادة عدد الشركات الضخمة فقط من دون الالتفات إلى انعكاس أثرها الإيجابي الحقيقي في الاقتصاد، وفي الدولة بشكل عام!

لابد أن ننظر إلى وجود الفوائد الحقيقية للاستثمار الأجنبي، وهذا ما يسعى إليه كثير من دول العالم، إن لم يكن جميعها، فهي تهدف من وراء الجهود المشجعة لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاستفادة مما تمتلكه الشركات الأجنبية من تكنولوجيا ومعرفة فنية وإدارية، إذ إن بعض البلدان قد تتوافر فيها الأموال اللازمة لإقامة المشروعات، إلا أن عدم توافر التكنولوجيا الحديثة يحول دون تنفيذ تلك المشروعات، لذلك فهي تفتح أبوابها للاستثمار الأجنبي رغبة في الاستفادة منه تكنولوجياً.

هذا جانب، لكن بشكل عام فإن فوائد الاستثمار الأجنبي كثيرة، منها على سبيل المثال، تدريب وتوظيف العمالة المحلية التي تتاح لها فرص العمل بفروع الشركات الأجنبية، وإكسابها المهارات التكنولوجية الحديثة، ويقوم العاملون في هذه الفروع بنقل واستخدام مهاراتهم، ومعرفتهم العلمية والفنية والإدارية، إلى الشركات الوطنية عند الالتحاق بها للعمل.

كما تتوطد علاقات علمية بين فروع الشركات الأجنبية وبين المراكز المحلية للبحث العلمي والتطوير، ما يؤدي إلى اكتساب تلك المراكز أحدث ما توصلت إليه الشركات العالمية من تكنولوجيا وأساليب علمية متطورة في الإنتاج والتصنيع، إضافة إلى قيام فروع الشركات متعددة الجنسيات، بتوفير احتياجات الشركات الوطنية من الآلات والمعدات والمساعدات الفنية بشروط ميسرة في السوق المحلية، ما يتيح للشركات الوطنية فرصة إنتاج السلع بالمواصفات العالمية، وبالتالي القدرة على تصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية.

والأهم من ذلك هو إضافة الاستثمارات الأجنبية إلى التكوين الرأسمالي لاقتصادات البلدان، وتعويض نقص المدخرات المحلية نتيجة التدفق المتجدد لتلك الاستثمارات أو إعادة استثمار عوائدها، وسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة، إذ تؤدي هذه الاستثمارات إلى حصول الدولة المضيفة على إيرادات جديدة تزيد من إمكاناتها على الإنفاق، ومن ثم سد فجوة الإيرادات التي تعانيها.

هذه بعض من فوائد الاستثمار الأجنبي وتدفقاته، وعلينا الآن أن نتأكد من حجم استفادتنا المباشرة جراء التسهيلات والمزايا كافة التي نمنحها للمستثمرين، بالتأكيد لن نحقق جميع الفوائد، ولكن على أقل تقدير لا نترك الحصة الأكبر تخرج من أيدينا، ونكتفي بالسعي لزيادة عدد الشركات المستقطبة فقط، من دون الالتفات إلى حجم تأثيرها الإيجابي فينا، لأن الاستثمار الأجنبي كما له من إيجابيات عديدة، فإن له في مقابل كل إيجابية سلبية، إذا لم تسعَ الدول لخلق توازن بين مصلحتها ومصلحة المستثمر.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر