5 دقائق

أهم جهاز في حياتنا

عبدالله القمزي

دار نقاش بيني وبين صديق عندما قال إن أهم جهاز في حياتنا اليومية هو الهاتف الذكي، فرفضت ذلك وأشرت إلى السقف وقلت بل هو ذلك. استغرب من اختياري لمكيف الهواء وقال لو كنت في موقف طارئ فماذا ستفعل بالمكيف؟ وأجبت فوراً: عند عقد مقارنة بين جهازين تأكد أنهما صنعا للغرض نفسه، ثم إن الطارئ دائماً موقف استثنائي وليس عادياً.

نحن دائماً نبالغ في تبسيط الأمور ونربط المكيف بالحر وهذا صحيح، لكن الصورة أكبر من ذلك بكثير، فهذا الجهاز غيّر في السياسة والاقتصاد، وأحدث ثورة في علم الهندسة، وشكل مجتمعات ومدناً وقرى، بل وصنع العالم الحديث، وليس مجرد جهاز في السقف لتبريد الجو.

عندما اخترع الأميركي ويليس كارْيَر المكيف عام 1902 لم يكن هدفه القضاء على الحرارة بل الرطوبة، حيث عانت شركة الطباعة التي يعمل بها من تأثير الرطوبة في طباعة الحبر على الأوراق وإفسادها، فاخترع الرجل جهازاً للحد من تأثير الرطوبة ونجح الجهاز في المهمة ومنه انطلق كارْيَر إلى فكرته الأكبر وهي جهاز تبريد الهواء الذي عرف باسم المكيف.

انتشر المكيف تدريجياً في المنازل فترة الكساد العظيم وكان اقتناؤه مكلفاً، وكانت دور السينما أول الأماكن العامة التي جذبت الناس إليها بسبب المكيفات وحققت أرباحها، خصوصاً في الصيف بسبب وجود تلك الأجهزة.

في دولة صحراوية مثل الإمارات أصبحت الهجرة من الساحل إلى الداخل الصحراوي ممكنة بسبب المكيفات، وشيدت منازل وفنادق ومؤسسات في مناطق كانت صحراوية، وتحولت إلى أماكن سياحية، فضلاً عن تكون مناطق حرة استقطبت أكبر الشركات العالمية في أبوظبي ودبي وبقية إمارات الدولة، وكل هذا بسبب وجود هذا الجهاز.

في الدولة تشكلت عندنا ثقافة السياحة الداخلية التي لم تكن لتخطر على بال أحد بسبب المكيفات، في الصيف ليس هناك أماكن للتجمع والترفيه والتسوق وتمضية الوقت إلا المراكز التجارية التي كونت بدورها ثقافة جديدة تسمى «تسوق الأماكن المغلقة»، وهو الذي جعل كل مراكزنا التجارية مزودة بخدمات شاملة يستفيد منها المتسوق من لحظة دخوله المركز إلى خروجه، وهي خدمات غير موجودة في أي مركز تجاري في العالم، إلى درجة أن مراكز التسوق في أوروبا مثلاً تبدو متخلفة مقارنة بمراكزنا.

دول مثل سنغافورة وشنغهاي طقسها بائس بفعل الرطوبة لكن بسبب المكيفات أصبحت مراكز سياحية عالمية. هناك دراسات أثبتت أن معدل الإنتاجية يصل إلى الذروة في الأماكن المكيفة، وهذا معناه أننا نعمل أفضل بوجود هذه الأجهزة.

نحن لا ننام دون تكييف، وفي أوروبا تضع الفنادق لوحة «هذا الفندق مكيف» لجذبنا إليه، والمكيف هو السبب في تغيير تصاميم البيوت، حيث اختفت الشرفة في بعض البيوت وأصبحت الغرف توسع على حسابها، وكذلك أصبحت البيوت تصمم بطريقة تتلاءم مع أجهزة التكييف الحديثة.

ختاماً: ينسب المؤرخون فوز الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان 1981-1989 بالانتخابات الرئاسية إلى انتشار المكيف في ولايات حزام الشمس الجنوبية المحافظة التي صوتت له، وقد شهدت تلك الولايات موجات هجرة من 1950 إلى عام 2000، وزاد عدد سكانها وأصبحوا يشكلون 40٪ من سكان الولايات المتحدة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر