5 دقائق

حدّثنا القرآن الكريم عن واقعة بدر التي هجم فيها عدو الله وعدو المسلمين، الشرك الوثني، والجهل القبلي على عصبة الإسلام ورسول الأنام، بعُدته وعدده على أمة لا تملك عتاداً كافياً ولا عدداً وافياً، هي أمة سيدنا محمد المصطفى الذي أرسله الله رحمة للعالمين ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فرمتهم العرب عن قوس واحدة، لجهلهم بهذا النور ولما جبلوا عليه من الفجور، فما وسع عصبة الإسلام إلا الالتجاء للواحد الديان، الذي أمرهم بالثبات وصدق الالتجاء إليه؛ لأنه المالك للأمر والقاهر فوق عباده، ففعلوا، فجاءهم وعد الله الذي لا يخلَف، المعبر عنه بقوله: {فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، وقال لأولئك المدد من الملائكة الكرام: {فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان}، ثم بيّن علة ذلك بقوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار}، هذا هو وعد الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر المبين كما قال سبحانه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، فقد تحقق يوم بدر وهم قلة قليلة، ويوم حنين يوم أن ولّى الناس الأدبار، ويوم الأحزاب يوم أن بلغت القلوب الحناجر وظن المنافقون بالله الظنونا، أفلا يتحقق اليوم والشعوب الإسلامية بلغت ملياراً ونصف المليار، كلها تستغيث بلسان واحدة من ذلك العدوان الظالم الذي تشنه آلة الدمار الصهيونية على أمة الإسلام وبلاد المسلمين، أترى يذهب الدعاء أدراج الرياح؟ كلا والله، فإن وعد الله لا يُخلَف، وسنته لا تتبدل، ونصره المحتوم لن يتأخر، كل ذلك ما لم ييأس المسلمون من روح الله ونصره، ومن ظن ممن يلاقي الحروب بأن لا يُصاب فقد ظن عجزاً،

وإنما النصر الثبات، والنصر الثقة بالله، والثقة بعدالة القضية، والنصر عدم الاستسلام، فيستشعر المرء أنه إن خسر البقاء في الدنيا فإنه سينتقل إلى حياة الآخرة التي أعدت للمتقين، الذين يصبرون في السراء والضراء، حياة الشهداء الذين هم عند ربهم يرزقون، حياة الذكر الحسن لأجيال الغد الذين يسطرون حياة الأبطال بأحرف من نور، فيحيون بذلك حياة ثانية، والذكر للإنسان عمر ثان، هذه حياة لا تفارق السعادة، فهذا النصر الذي يتحقق لأهل غزة العزة، وغزة الإباء، وغزة الصبر، والتضحية لا يقل عن نصر من خاض غمار الموت في الصدر الأول لهذه الأمة، فإن الشهادة التي تكتب لأهل غزة هي الشهادة التي كتب الله لأهلها الخلود، أليسوا قد أخرجوا من ديارهم؟ أليسوا يقاتلون عدو الله وعدوهم؟ أليسوا يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا؟ فلا يقاتلون حمية ولا عمية ولا بطراً ورئاء الناس، وقد وعد الله المقاتلين في سبيله إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، فهم محققون ذلك إن شاء الله تعالى، فمنهم من يقضي نحبه فتسرح روحه في الجنة التي يسعى لها، ومنهم من ينتظر فتقرّ عينه بما يفعل الله تعالى ببني قريظة، وما يقوم لهم من كيان وسؤدد إن شاء الله تعالى.

فهذا هو عزاؤنا في هذه الحرب الضروس التي تتفطر لها قلوب الأسوياء من بني البشر. فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي

تويتر