عرض «خورفكان» استعان بكوادر «الشارقة الوطني» رغم حضور المنافسة

«ما بعد الإنسان».. مخرج يُحاكم «البشرية» على الخشبة

صورة

أفرد مهرجان أيام الشارقة المسرحية خشبة دورته الـ28، أول من أمس، لعرض وحيد، قدّمه مسرح خورفكان الوطني بعنوان: «ما بعد الإنسان»، لكنه استعان بالعديد من الكوادر التي ارتبطت بمسرح الشارقة الوطني، ومنها مخرج العمل الشاب مهند كريم الذي لم يغفل الإشارة إلى أسماء عديدة بـ«الشارقة الوطني»، شكلت دعماً له وللعمل، على نحو يؤكد أن منافسات جوائز المهرجان العريق، ليست على حساب حالة مثالية من التعاون بين الفرق والمسارح الإماراتية المختلفة.

اختار المخرج الشاب، في العمل المشارك بالمسابقة الرسمية للمهرجان، إبراز رؤية سعى إلى إيصالها، بعيداً عن «النص» الأصلي، بل بعيداً حتى عن كولاج نصوص عالمية ومحلية استند إليها، وراح يحاكم البشرية على خطايا اعتبرها متكررة وأصيلة في الجنس البشري، باختلاف الحقب والظروف.

خروج عن النص

تخلّلت «ما بعد الإنسان» جملة جاءت على لسان أحد الممثلين الشباب في العرض، وأخذت التأويل الدرامي للعمل، باتجاه مختلف، أثناء استعراض جيوش أوروبا في ما قبل عصر النهضة، ليقول أحد الجنود بالعرض: «باسم الله».

مخرج العمل مهند كريم قال بعد أن طُولب بمغزاها: «خرج الممثل عن النص، وسيحاسَب قطعاً على ذلك».

نصوصي لكم

أثنت الكاتبة الكويتية تغريد الداوود على ما سمّته «الروح المشاكسة للعرض الذي يخاطب الفكر لا العاطفة»، مضيفة: «تحية لروح شباب تابعتهم بشغف في العرض».

وتابعت: «لم يسبق لي أن قمت بعرض نصوصي، ولكن مع هذا الإبداع الذي رأيته، فأنا أعرض نصوصي بالفعل عليكم».

«مقاتل» في الندوة

فاجأ الناقد الجزائري، عبدالناصر خلاف، حضور الندوة التطبيقية بارتدائه ملابس مقاتل ينتمي إلى عصور ما قبل النهضة الأوروبية، مبرّراً ذلك بقوله: «العرض تلبّسني». لكن خلاف أشار إلى ميزة، نفاها بالأساس في ما بعد المؤلف نفسه، الذي أكد أنه لم يعد مسؤولاً عن النص بعد تصرفات المخرج العديدة فيه، حيث قال خلاف: «شعرتُ بتجانس هائل بين المؤلف والمخرج».

واستوعب «ما بعد الإنسان»، وهو العمل الثاني المشارك بهذه الدورة لمؤلفه أحمد الماجد الذي أصر على إعادة جهد إعداد النص هنا للمخرج مهند كريم، كتيبة ممثلين شباب، معظمهم في تجاربه الأولى، لكن تلك الكتيبة أظهرت أداءً منضبطاً، في المجمل، أسهم مع عناصر العمل الأخرى في تحقّق متعة الفرجة، وفي إثراء الفعل المسرحي على الخشبة.

عناصر بيد «كريم»

وفي مقابل ديكور مقتصد إلى حد الاكتفاء باللازم والضروري منه، ذهب المخرج بالإضاءة إلى حدود قصوى، لامست منتهى جمالياتها في مواضع، ووقعت في شرك البذخ، وربما الاستعراض في استخدامها، بمواضع أخرى، على عكس المؤثرات الصوتية التي غاصت بهدوء في عمق الحالات النفسية المضطربة للشخصيات.

كل هذه العناصر التي أمسك بتلابيبها مهند كريم، وجدت نصاً صعباً يستمد مكمن صعوبته الأساسية من كونه نصاً قلقاً، بين الكتابة الأساسية لمؤلف العمل، حسب كتيّب العرض، أحمد الماجد، استمده أصلاً من أربعة مصادر متباينة، منها العالمي، وهو مسرحية «ريتشارد الثالث» لوليام شكسبير، وكتاب «الإنسان الأعلى» لفريدريك نيتشه، ومنها الذاتي للمؤلف نفسه عبر نص مسرحية أخرى بعنوان «مطر تصاعدي»، بل ومنها التشكيلي أيضاً ممثلاً في عمل بعنوان «ما بعد الإنسان.. الأثر» لأحمد جاريد.

هذا هو سر القلق الحقيقي في «ما بعد الإنسان»، الذي جاء بعيداً عن عنوانه، وعن نص مؤلفه، وربما يكون بعيداً أيضاً عن الرؤية التي أرادها المخرج، من دون قصد، فما بين كابوس الملك ريتشارد الثالث الذي غاص فيه في مستهل العرض، وبين يقظته منه قبل الحرب، تفاصيل مسرحية لم تؤدِّ بنا إلى «ما بعد الإنسان»، وهو العنوان الذي اختاره، رغم غيابه عن المحتوى الدرامي. لم يبعد مهند كريم، بشخصياته الست عن الإنسان، بل جاءت الأحداث، لتنصب ما يشبه المحاكمة الدرامية لسوءات البشرية، ودارت حركة الشخصيات لتدين شيوع التملق والنفاق والخيانة والخوف والخديعة والتآمر، وترسم نهاية حتمية لكل ذلك، في هلاك قادم لا محالة، لكننا نظل في دائرة «الإنسان»، ودوائر أمراض نفوس بشرية، لا بعدها.

بداية مجهدة

وفي حين اختار المخرج بداية مُجهدة للجميع، بمن فيهم الممثلون والجمهور، بعد أن احتاج الى 15 دقيقة ليؤهب للعرض بتمارين رياضية على المسرح، وكأنها رسالة مبدئية تأخذنا إلى عوالم العروض الفانتازية الساخرة، جاءت النهاية دون حاجة لأي مقدمات، ليكون ختام المسرحية - المحاكمة، الهلاك للجميع.

فالجزيرة الباقية، التي يحكمها ريتشارد كآخر قلاع البشرية، تفنى، بمشهدية درامية عالية، إذ يقترب سقف المسرح، بكامل أضوائه وتجهيزاته الفنية، ليضيق ويحصر جميع الشخصيات، في حين يبدو الساعون إلى النجاة باعتلاء السقف المتدلي أسرى محاولات يائسة، ليعمّ الظلام، والعقاب أيضاً.

تويتر