دعا إلى عدم التعامل معها «ديكوراً»

الحسن: الثقافة في الإمـارات غير مستقرّة

يوسف الحسن: عوامل عدة وراء غياب الحوار النقدي في الثقافة. تصوير: إريك أرازاس

أرجع الدبلوماسي والكاتب الإماراتي، د.يوسف الحسن، غياب الحوار النقدي عن الساحة المحلية إلى أن الثقافة في الإمارات مازالت، «في طور التشكيل ولم تستقر بعد». موضحاً ان هناك إشكاليات متعددة وراء ندرة النقاد المتخصصين، من أبرزها الانفصال بين العملية التعليمية من جهة والثقافة من جهة أخرى، وعزلة وإقصاء الجسم الأكاديمي التعليمي عن المشاركة في الانشطة المجتمعية، إلى جانب عدم التعامل مع الثقافة باعتبارها جزءاً من العمل الإنتاجي في المجتمع والدولة. وقال إن «مؤسساتنا الثقافية نفسها بحاجة الى التفاعل مع الناس حتى لا يظل العمل الثقافي نخبوياً وقاصراً على المدن فقط، ولعل تجربة القوافل الثقافية التي تتبناها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، في الفترة الاخيرة، تكون بداية جيدة في الخروج للقرى والمناطق النائية، فيجب ألا تكون الثقافة مجرد ديكور في المجتمع». واعتبر الحسن أن هيمنة ثقافة الصورة إحدى أبرز إشكاليات الثقافة في المجتمعات العربية، إلى جانب تزايد مشكلة الضجيج الاعلامي والمعلوماتي، وفي المقابل تقليص قدرة المتلقي على تصنيف الغث من السمين، وهي اشكالية كبيرة في الوقت الحالي.

واستعرض الحسن، أول من أمس، في الامسية التي افتتح بها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فرع أبوظبي، موسمه الجديد، رحلته مع الكتابة، مؤكداً أن «حجم ما يقدم الكاتب ليس هو المقياس، ولكن ان يكون هناك معنى لما نكتب، وان يحقق اثراً ويتضمن منحى انسانياً، حتى لا تصبح الكتابة مجرد زفير يتبخر بمجرد إطلاقه في الهواء». واصفاً الكتابة بأنها «تعب ذو مذاق خاص لاذع يغري المصاب بها بمزيد من الحفر لتعميق الأسس، واجتراح الرافعات الصعبة لكي لا يسقط الانسان في شباك الاحباط، أو الصدأ السياسي، أو يسهم في تهريب أسئلة الثقافة والامل، وقبول الواقع باعتباره خاتمة التاريخ».

 «اعتذار إلى البحر»

قال الدبلوماسي والكاتب يوسف الحسن، إن مجموعته القصصية «اعتذار إلى البحر» التي صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أثارت أسئلة عن التغيرات الثقافية والاجتماعية، وقدمت بعض الهموم الانسانية، ومعاناة المثقف حين يغرد خارج السرب، وغضب البحر وهو يبحث عن جيرانه الذين رحلوا. معترفاً ان لمسة السياسة كانت طاغية في كثير من هذه القصص.

 

ثنائية المثقف والدبلوماسي

أكد الدكتور يوسف الحسن أن «الدبلوماسية لا تتطلب من صاحبها ان يكون من دون ضمير، ولكن ربما مطلوب منه الا يكون هذا الضمير دائم الاشتعال. معتبراً ان الدبلوماسي العارف المثقف، هو الاقدر على تنفيذ سياسات بلده الخارجية، بما يملكه من مهارات في التعبير ودقة في الإنشاء، واستيعاب للتنوع الانساني. فهذه الثنائية قادرة اذا ما امتلكت الحكمة والموضوعية، على مقاومة مرارات الإحباط، واللحظات الصارخة في وحشيتها».

محطات

قسّم الذي قدّم للمكتبة العربية ما يزيد على 30 كتاباً، مشواره مع الكتابة إلى مراحل رئيسة، بدأت بالشخبطات الاولى في المدرسة، «مروراً بسوالف ديوان الجد، وحكايات أبي زيد، وكتب الجيب المترجمة، وروايات أعلام تركوا بصماتهم في حياة وفكر وثقافة جيل الستينات، ونشاط سياسي طافح بالأمل ويتسع لاحتضان العالم». وأضاف في الأمسية التي حملت عنوان «كاتب وكتاب»، أن «النوافذ كانت مفتوحة، والخربشات الأولى هي مرحلة الحرية، وجاذبية «قاهرة» الستينات برموزها الفنية والادبية والسياسية، تدفعك بقوة العاصفة إلى سلطان القراءة، وبدايات الطريق نحو الكتابة السياسية والبوح الأدبي، كان الزمن مغرياً لتعلّم الكتابة وطرح الاسئلة، وهي غاية الأدب، كان الزمن عربياً بامتياز».

وأوضح الحسن أن ثمار هذه المرحلة جاءت في الشارقة مع صيف ،1970 في أزمنة الخيارات الصعبة، وفي لحظات «اللايقين» التي سادت وهيمنت، من خلال تأسيس جريدة «الخليج» وقبلها بشهور مجلة «الشروق»، حيث كان أول رئيس تحرير لهما، ومعهما بدأ في الكتابة السياسية، كما نشر في «الشروق» أول قصة قصيرة له، بعنوان «من القاهرة إلى الشارقة»، تلك القصة التي اثارت غضب المعلمات في الشارقة، وتم سحب أعداد المجلة من السوق على إثر ذلك.

السياسي والدبلوماسي

المرحلة الثانية في مشوار الحسن ارتبطت بالعمل الرسمي السياسي والدبلوماسي في الخارج (1968 - 1972)، واتسمت بالنضج الفكري، وامتلاك الأدوات العلمية في الكتابة السياسية، والبحث في فضاءات مفتوحة خارج نطاق المحلية، فتركزت معظم كتاباته حول العلاقات الدولية، إلى جانب كتاباته كدبلوماسي، والتحديات التي تواجه الدبلوماسي في الخارج. واتسمت المرحلة التالية، التي بدأت مع عودته إلى الإمارات في منتصف الثمانينات، بالمزيد من التحرر من قيد الدبلوماسية، لتميل كتاباته، كمواطن تشغله هموم الناس اليومية وأسئلة الثقافة في المجتمع، إلى طرح سؤال الهوية ومناقشة أنساق القيم المستجدة، وتراجع الوعي باهمية الثقافة في حياة الناس، وبدورها في التطوير والتكيف والمعرفة.

وأشار إلى أن النشاط الحكومي كان، وربما مازال، هو المحرك الاول لهذه الثقافة، في مقابل المبادرات الأهلية التي بدت باهتة، في الوقت الذي أخذت فيه ثقافة الاستهلاك طريقها الى الصعود، حتى تسربت تحت جلودنا. في تلك المرحلة صارت الكتابة السياسية غير كافية للتعبير عن تطلعات النفس في توقها للبوح، بحسب ما أوضح، فاتجه للمرة الاولى إلى الأدب الساخر، وكتب عموداً اسبوعياً في الخليج تحت توقيع رمزي هو «صامت بن غلبان»، كان يفيض بالسخرية من الاوضاع العربية والخليجية المتردية التي قادت إلى غزو العراق للكويت، وبدء مسلسل الانكسارات المستمرة حتى اليوم.

انشغل د. يوسف الحسن، في ذاك الوقت، بالحوار بين الثقافات واتباع الديانات المختلفة، وشارك في تأسيس «الفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي» عام .1995 لافتاً إلى أن «جوهر كتاباتي في هذا المجال هو توخي المعرفة الموضوعية عن الآخر، وتفهّم المغايرة واحترام الخلاف، ومناهضة الاقصاء». واتجه د. الحسن في السنوات الأخيرة، الى إعطاء مساحة أكبر في كتاباته للشأن الوطني، والتنمية الثقافية والسياسية، وناقش خلالها العديد من القضايا المجتمعية في كتاباته التي زادت على 10 كتب ومئات الدراسات في هذا الشأن.

تويتر