يركّز على أتفه جوانب الانفصال

«قصة زواج» يتحطم نتيجة جشع محاميي الطلاق

صورة

قد يكون «قصة زواج« أفضل ما صنع المخرج الأميركي نوا بومباك منذ فيلمه الأول الشبيه موضوعاً بعنوان «الحبار والحوت» عام 2005. منذ ذلك الوقت عكف الرجل على صناعة أفلام لم يبتعد فيها كثيراً عن موضوع فيلميه المذكورين. المهم أن كل أفلامه عائلية أو تتناول العلاقات الشخصية بشكل أو بآخر، كما يفعل وودي ألن.

في فيلم Marriage Story «قصة زواج» والمستلهم بشكل كبير من تجربة المخرج الشخصية عام 2013، فإن المخرج لا يتردد في إطلاق مشاعره لتطغى على تحفظه، بمعنى أنه يركز على أتفه جوانب الطلاق ولكنها الأكثر ضرراً للطرفين، كما أنه ينتقد وبشدة قانون العائلة في الولايات المتحدة.

معظم مواقف الفيلم تبث عواطف محسوسة لأي مشاهد من أي مكان في العالم ولا تعني الأميركي دون غيره، ويحسب للمخرج إبرازها على الشاشة بصدق تام. لكن الشخصيات الرئيسة ليست عادية بل شخصيات تعيش داخل فقاعاتها الخاصة وبمشكلات تعنيها فقط دون أن تتأثر بها الفئة الأقل مستوى وثراء.

وفي أحيان كثيرة يصعب تجاهل نفحات غرور تبثها الشخصيات. رغم اتصالنا العاطفي مع الشخصيات كبشر لكن لا يمكن التعمق أكثر من حد معين، وهذا الفرق الشاسع بين قصة زواج والفيلم الكلاسيكي الأرفع مستوى والأفضل بكثير «كريمر ضد كريمر» الحائز أوسكار أفضل فيلم لعام 1979.

كما كان «كريمر ضد كريمر»، فهذا الفيلم بمثابة تشريح للزواج؛ عندما يبدأ الفيلم نرى نيكول (سكارليت يوهانسن) وتشارلي (آدم درايفر) يخوضان إجراءات انفصالهما، لا نرى أيامهما السعيدة إلا خلال مونتاج/‏‏مونولوغ البداية: عرض تقديمي لكل منهما عما يحبه في الآخر. هذه الجزئية تحديداً تعكس أفضل مهارة عند بومباك لأنها تخبر المشاهد بما فقده الزوجان وبوعي الشخصيات عما افتقداه.

كل الفيلم (ساعتان وربع) مخصص لتفاصيل إجراءات الطلاق، تعود نيكول إلى لوس أنجلوس لتصبح ممثلة تلفزيونية وهي مهنة أعادت إحياءها بعد أن كانت في سبات عميق، بينما يبقى المخرج المسرحي تشارلي في نيويورك ليرعى مسرحيته في برودواي.

يذهب الابن برفقة الأم بينما يسافر تشارلي من الساحل الشرقي إلى الغربي ليرى ابنه. يُفقد الانفصال الزوجين المودة بينهما بتدخل محاميي الطلاق اللذين يركزان على مصالحهما فقط على حساب كل شيء آخر، ومصالح المحاميين هي الفوز والتربح من القضية. بينما كل ما يريده طرفا الانفصال هو المضي بحياتهما بأقل قدر ممكن من الألم والنكد.

تختار نيكول محاميتها الحازمة نورا (لورا ديرن)، وبعد أن اختار تشارلي المحامي الصقر جاي ماروتا (راي لايوتا) يتراجع ويختار الهادئ والأحكم بيرت سبيتز (ألن ألدا)، الذي يبدو أن جنوحه للتهدئة يجعله فريسة سهلة لأي محامٍ آخر.

يعطي الفيلم تلميحات عدة أن القضية قابلة للحل وحتى الشخصيات نفسها تشعر بذلك، ولكن كلاهما تنقصه فضيلة الشجاعة للتراجع عن القرار بسبب وسوسة المحاميين. هناك مشهد ينهار فيه تشارلي بكاء بسبب قسوة التجربة وتحتضنه نيكول تعاطفاً معه، ورغم ذلك يقرران المضي في الانفصال بدل بحث مسألة رأب الصدع والتفكير في سبل التضحية بأي شيء لإنقاذ الزواج. قد يكون هذا أكثر المشاهد تعبيراً عن لوم المخرج لنظام الأحوال الشخصية في أميركا.

وسط كل هذه المعركة الطاحنة نجد الطفل هنري الذي يقول طرفا الانفصال إنه أهم شيء في حياتهما لكنهما ينفقان الأموال المخصصة لدراسته على محاميهما وهذه أكثر لحظة يسخر فيها بومباك من النظام القضائي الأميركي.

هنري مثل بقية أقرانه في مثل هذه المواقف بمثابة الشيء المرهون، حيث تصبح مصالحه شيئاً ثانوياً لأولوية المحاميين: الفوز. وهو ما تبرره المحامية نورا بلا أي تحفظ أو خجل. رغم أن بومباك ينجح في نزع قشور الشخصيتين والمحافظة على نوع من التعاطف المتبادل بينهما رغم الأنانية الظاهرة. لكن أسلوبه لم يكن دائماً موفقاً.

هناك مشهد معركة كلامية حادة جداً بين نيكول وتشارلي تنقصها العفوية تماماً وتبدو مكتوبة ومصطنعة (بالضبط مثل المسلسلات الخليجية والعربية البائسة)، تتسم الحوارات بانتقاء الكلمات المعبرة ولا تعكس أي عفوية وتزيد جرعة الميلودراما عن حدها.

في هذا المشهد تحديداً ربما يحق للمشاهد أن يفعل شيئاً آخر لإشغال نفسه عن الفيلم لأن السؤال المهم هو: لو تشاجر زوجان أمامك في مقهى أو شارع فأنت قد تهتم لدقيقة بسبب الجلبة التي يحدثانها، لكن هل ستهتم بأسباب الخلاف؟

هناك مشهد آخر يجرح فيه تشارلي نفسه بالخطأ بسكين تستخدم في فتح الصناديق (لا يستخدم كسلاح أو للطعام)، مشهد النزيف بدا نشازاً في الفيلم. وهناك أغنيتان في الفيلم، واحدة يغنيها تشارلي والثانية تغنيها نيكول، تفقدان الفيلم نبرته وأفضل ما تفعله خلالهما الضغط على زر تسريع المشهد!

نجح فيلم «كريمر ضد كريمر» بسبب الأداء الاستثنائي لميريل ستريب ودستن هوفمان، في «قصة زواج» يؤدي درايفر ويوهانسن دورهما فيه بشكل جيد. درايفر رغم بعض لحظات النشاز في أدائه، جيد كنرجسي مهووس بالسيطرة يظن أنه ضحية. يوهانسن على الطرف الآخر تعطي أفضل أداء في مسيرتها السينمائية وربما أفضل من أدائها في Lost in Translation عام 2004.

بالنسبة لبومباك، يمثل «قصة زواج» خطوة بعيدة عما عكف على صنعه، فهذا الفيلم يمكن للجميع مشاهدته مقارنة بأفلامه السابقة الصالحة للنخبة من المشاهدين أكثر من العامة.

قد يرى البعض أن نبرة الفيلم «نكدية» أكثر من اللازم، لكننا نقدر بشدة أن درايفر ويوهانسن على هيئتهما الطبيعية، هذا درايفر عندما لا يكون كايلو رين وهذه يوهانسن بلحمها وشحمها خارج عباءة بلاك ويدو. بكلمات أخرى، نحن نعيش زمناً علينا فيه أن نقدر قيمة أي فيلم رغم عيوبه، خصوصاً إذا لم يأتِنا من عالم مارفل السينمائي الاصطناعي.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


نحن نعيش زمناً علينا فيه أن نقدر قيمة أي فيلم رغم عيوبه، خصوصاً إذا لم يأتِنا من عالم مارفل السينمائي الاصطناعي.

معظم مواقف الفيلم تبث عواطف محسوسة لأي مشاهد من أي مكان في العالم، ولا تعني الأميركي دون غيره.

تويتر