مقتبس من فيلم قصير للمخرج نفسه

«بشرة».. جيد ومتماسك رغم المعالجة الضيقة

صورة

فيلم Skin (بشرة) المعروض في صالات السينما حالياً ليس أول عمل يطرح العنصرية في السينما، لكنه يأتي في التوقيت الصحيح، فهو من جهة يُعرض في أعقاب تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضد نائبات كونغرس ديمقراطيات، ومطالبته إياهن بالرحيل والعودة من حيث أتين، رغم أن بعضهن مولود في الولايات المتحدة، وتصريحاته المتواصلة ضد المهاجرين المكسيكيين.

ومن جهة ثانية، فهو يُعرض في توقيت تصاعد موجة اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا الجنوبية، وهذه الموجة تعلن صراحة عداءها للهجرة، وتنظر إلى المهاجرين باستعلاء.

يتناول الفيلم القصة الحقيقية لحليق الرأس بريون وايدنر (جيمي بيل) المغطى بالوشم في كامل جسده تقريباً، وكل وشم يعكس جريمة كراهية ارتكبها في حياته، كأنه رمز للتفاخر. نشأ وايدنر على يد والديه بالتبني، وهما العنصريان شيرين (فيرا فارميغا) وفريد كريغر (بيل كامب)، اللذان يديران معسكراً يستقطب الشباب البيض (يسمون أيضاً نازيون جدد)، ليتحولوا إلى مجموعة تؤمن بأيديولوجية تفوّق العنصر الأبيض على بقية عناصر المجتمع الأميركي.

يستهدف فريد وشيرين الشباب التائهين والجائعين، ليكونوا أعضاء جدداً يتغذون على معتقدات كراهية الآخر، من مسلمين ويهود وسود وصينيين، وكل مكونات المجتمع الأميركي. الأمور تتغير بالنسبة لبريون عندما يلتقي مع جولي (دانييل مكدونالد) في أحد تجمعات الكراهية، ويقع في حبها ويتزوجها عام 2006، ثم يكتشف مدى الخطأ الذي ارتكبه، ومن ثم يبحث عن طريق التراجع والتوبة والعودة إلى درب الصواب.

جولي، عضو سابق في حركة الكراهية وأعلنت توبتها وتراجعت، أم عازبة لديها ثلاثة بنات، ولا تريد أن تعرضهن لثقافة الكراهية. الانشقاق عن عائلته بالتبني الشرسة ليس بالأمر السهل بالنسبة لوايدنر، والفيلم بأكمله عن رحلة الخروج المؤلمة نفسياً وجسدياً، والمحفوفة بمخاطر جمة وصلت إلى محاولة قتله.

يتسم الفيلم بمعالجة ضيقة نوعاً ما، وهو أقل ديناميكية من الفيلم العنيف «أميركان هيستوري إكس»، الذي طرح منذ 20 عاماً والذي بدا وقتها خيالاً جامحاً نظراً لاختلاف السياق السياسي آنذاك. لكن «بشرة» يعوض عن المعالجة بعناصر جيدة جداً وقوية، على رأسها أداء بطل الفيلم. من ناحية المعالجة هو لا يفسر طريقة تفكير مجموعة الكراهية ولا يتعمق أكثر في استراتيجية التجنيد، ولا كيفية إقناع الأعضاء باعتناق الأفكار المتشددة.

لا نعلم كيف جندت المجموعة وايدنر ولا نعلم شيئاً عن جرائم الماضي رغم أهمية هذه الجزئية في تكوين الشخصية، لكن القصد مفهوم هنا، وهو رغبة الكاتب والمخرج، غاي ناتيف، في تسليط الضوء على رحلة التوبة التي سلكها وايدنر، ولو شاهدنا جرائم الماضي لكان من الصعب جداً التعاطف مع الشخصية.

تبقى هناك أسئلة مهمة، هي: هل قتل وايدنر أشخاصاً من قبل؟ لا نعلم، لكنه تردد بشدة قبل إحراق مسجد، خصوصاً عندما رأى أن فعلته ستقتل أبرياء يسكنونه، وشجع الضحايا على الهرب، ورفض قتلهم عندما اختطفهم فريد ومجموعته، وطلب من وايدنر قتلهم، هذه كلها مؤشرات إلى أن الرجل غير مؤمن بمعتقدات مجموعته، وأن علاقته بها تعكس مصالح معينة: مأوى ووظيفة مقابل المشاركة في أعمال تخريبية وارتكاب اعتداءات.

السؤال الأهم ما الذي جعل بريون وايدنر يتراجع؟ جولي التي أحبها وتزوجها وأنجب منها؟ أم شيء آخر؟ هذه نقطة بقيت غامضة في الفيلم، بكلمات أخرى ما دوافع الرجل لترك مجموعة الكراهية؟

وايدنر الموجود على قائمة المراقبة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ندم بشدة على تشويه وجه صبي أسود واتصل بالناشط السياسي داريل جنكنز (مايك كولتر)، وأخبره برغبته في تغيير مسار حياته. وجنكنز ناشط أسود متخصص في إقناع العنصريين البيض بالعودة إلى الطريق القويم، عن طريق إدراجهم في برنامج حماية الشهود مقابل تسليمهم معلومات عن مجموعاتهم العنصرية.

«بشرة» فيلم جيد جداً عن دراسة سلوك شخصية، لا يتشتت رغم وجود عوامل من الممكن أن تدفعه خارج السكة، بسبب تركيزه على التطور الداخلي لشخصية بريون وايدنر، وهي الدافع الرئيس للفيلم، فمثلاً شخصية الناشط داريل وحدها تستحق الاستكشاف، ربما أكثر من وايدنر، لكن تبقى حنكة المخرج ناتيف وتركيزه على الطور العام لشخصية الأخير، هما ما يعطي الفيلم تماسكه.

من ناحية أخرى، فإن الفيلم يأتي على قصة فرعية، وهي تجنيد فريد وشيرين لشاب جائع اسمه غافين (راسيل بوزنر)، وتحويله إلى عنصري جديد، هذه القصة الفرعية تستحق الاستكشاف هي الأخرى، لكن ناتيف يوظفها ببراعة لتكون مرآة تعكس خلفية وايدنر الذي لا يأتي الفيلم على ماضيه.

بكلمات أخرى، كأن الفيلم يروي القصة في خطين متعاكسين، الأول خط وايدنر ويبدأ من النهاية، والثاني خط غافين وهو من البداية، أي أن قصة وايندر هي نفسها قصة غافين. يخلو الفيلم من أي مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، لكنه يكشف ما يحدث لاحقاً عندما يقرر وايدنر إزالة الوشوم من بشرته في عملية منهكة استغرقت عامين.

عملية إزالة الوشوم لها رمزية هنا، فهي تعكس أن وايدنر يدين أيديولوجيته السابقة، وفي الوقت نفسه تشير إلى آلامه النفسية والجسدية الناتجة عن ندمه على ماضيه، وعدسة الكاميرا مسلطة على بشرة وايدنر المتألم، لتقول إيحاء أن البشر يتألمون ويتغيرون بغض النظر عن ألوانهم. في النهاية هو مجرد لون بشرة، فلِمَ التعالي والغرور وإيذاء الآخر لمجرد اختلاف لون بشرته؟

عملية إزالة الوشوم كذلك ترمز إلى شخص يولد من جديد، هذه الأخيرة ربما أقوى جزئية في الفيلم، فما أجمل شعور المشاهد عندما يرى شخصاً يعاني ليتغير إلى الأفضل، وهنا أقوى لحظات الشخصية العاطفية.

يذكر أن هذا الفيلم مقتبس من فيلم قصير بالموضوع نفسه، والعنوان للمخرج نفسه، الذي حاز أوسكار أفضل فيلم قصير عام 2018. يذكر أيضاً أن قصة بريون وايدنر كانت مادة فيلم تسجيلي بعنوان Erasing Hate «محو الكراهية» عام 2011.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


الفيلم يتناول قصة حقيقية لبريون وايدنر المغطى بالوشم في كامل جسده، وكل وشم يعكس جريمة كراهية ارتكبها.

عملية إزالة الوشوم ترمز إلى شخص يولد من جديد، وهذه ربما أقوى جزئية في الفيلم، فما أجمل شعور المُشاهد عندما يرى شخصاً يعاني ليتغير إلى الأفضل.

تويتر