تصبّ في مصلحة دور النشر ووكالات الأنباء.. و«شبكات التواصل» تنتقد

تشريعات أوروبية تلزم ناشري المحتوى عبر الإنترنت بالدفع لأصحاب حقوق التأليف

الإصلاحات الجديدة تضمنت تغيير واستحداث فقرات في قوانين حقوق التأليف والنشر الإلكتروني. من المصدر

صوّت البرلمان الأوروبي، أخيراً، لمصلحة تمرير تعديلات جديدة على قوانين حقوق التأليف والنشر، تلزم مجمعي وناشري وناقلي المحتوى عبر الإنترنت بالدفع لمنتجي ومالكي المحتوى الأصليين أصحاب حقوق التأليف والنشر، وهو ما اعتبره كثير من المحللين في مواقع تقنية عدة، «يوماً أبيض» لدور النشر ووكالات الأنباء وصناع السينما والموسيقى والأغاني، بينما كان «أسود» لشركات الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي العملاقة، وفي مقدمتها «غوغل» و«فيس بوك» و«تويتر».

واعتبر المؤيدون للتشريعات الجديدة أنها بمثابة «إعادة الحقوق لأصحابها» وحماية المبدعين من عمالقة الإنترنت، بينما رآها المعارضون اعتداء على حرية التعبير وتضييق سيفشل في تحقيق أهدافه.

حقوق التأليف

وقال عضو البرلمان الأوروبي والسياسي الألماني، من الحزب الديمقراطي المسيحي والمسؤول عن كتابة مشروع قانون «إصلاح قانون حقوق التأليف والنشر»، أكسيل فوس، إن «تاريخ القوانين المنظمة لحقوق الملكية الفكرية الخاصة بالنشر في الإنترنت يعود إلى عام 2001، ويُعد هذا مثابة العصر الحجري للإنترنت، حيث إنه في ذلك الوقت، لم تكن هناك منصات فيديو مثل (يوتيوب)، وإنما يمكن تحميل محتوى محمي، مثل أحدث الفيديوهات، كما أنه لم تكن هناك محركات بحث كبيرة مثل (غوغل)، التي تقدم قصاصات أو مقتطفات من مقالات صحافية عبر محركات البحث الخاص بها».

وأضاف فوس أنه بعد كل هذه السنوات وما شهدته من تغيرات عميقة وثورية في عالم الإنترنت والمحتوى الرقمي، بات من المتعين تغيير هذه القوانين وإصلاحها، لإنهاء حالة الفوضى على الإنترنت، والتي غالباً ما تقوض حقوق أصحاب المحتوى الأصلي، لذلك تحاول الإصلاحات إنشاء «حقوق مجاورة» أو قوانين مجاورة، تمكن دور النشر والإبداع السينمائي ووكالات الأنباء والصحف، من تقاضي مبالغ مادية لقاء إعادة استخدام محتواها ومنتجاتها عبر الإنترنت.

بدل مالي

وتضمنت الإصلاحات الجديدة تغيير واستحداث العديد من الفقرات والبنود في قوانين حقوق التأليف والنشر عبر الإنترنت، أبرزها ما تضمنته (المادة 11) من مشروع القانون، والتي نصت على فرض رسوم تسمح للصحف ووكالات الأنباء بالحصول على بدل مالي عند إعادة استخدام تقاريرها وأخبارها على الإنترنت، حيث يطلق على هذا البدل «ضريبة الارتباط»، كما يجب على أي شخص يستخدم مقتطفات من المحتوى الصحافي عبر الإنترنت الحصول أولاً على ترخيص من الناشر.

وسينطبق هذا الحق الجديد للناشرين لمدة 20 عاماً بعد النشر، ما يعني أن المنصات الرقمية الكبرى مثل «فيس بوك» و«غوغل» و«يوتيوب»، عليها أن تدفع رسوماً جديدة لملاك المحتوى، لأنها تحصل على عوائد مادية كبيرة من خلال الإعلانات، وبالتالي يجب مشاطرة ذلك مع أصحاب المحتوى الأصليين.

كما أن هناك «المادة 13» التي تطلب أن تقوم المنصات الرقمية بتحسين ورفع مكافآت مبتكري المحتوى المنشور على هذه المنصات، بمعنى أن تزيد منصات كـ«يوتيوب» على سبيل المثال المدفوعات للمبدعين والمبتكرين الذين يقومون بنشر إبداعاتهم ومحتواهم على الموقع، وبالتالي الاتفاق مع صاحب حقوق التأليف، وإلا عليها إزالة المحتوى في حال تعذر الاتفاق.

وفي هذه الحالة يتعين على هذه المنصات تركيب «فلاتر تحميل»، وهي برامج تفحص تلقائياً المواد التي تم تحميلها لمعرفة ما إذا كانت الصور أو مقاطع الفيديو أو الموسيقى محمية بموجب حقوق الطبع والنشر.

اعتراضات

وأفادت مواقع تقنية بأنه كانت هناك اعتراضات من جانب المنصات الرقمية على «المادة 11»، والتي تمثلت في أن ذلك سيضر بالشركات والمنصات الصغيرة على الإنترنت، التي لن تستطيع دفع تلك الضريبة، لكنها لن تؤثر كثيراً في المنصات الكبرى، مثل «فيس بوك» و«غوغل».

وذكر المعارضون أن «المادة 11» ستدفع منصات تجميع ونشر المحتوى إلى الحد من نشر نتائج محركات البحث لديها أو عبر الشبكات الاجتماعية، لتتجنب الدفع، مشيرين إلى أن هذا الأمر حصل في إسبانيا عندما أقرّت مدريد قانوناً مماثلاً. وقالوا إن الدراسات التي قامت ببحث الآثار المترتبة على القانون، أظهرت أن الصحافة الإسبانية اختفت من قسم الأخبار على محرك البحث «غوغل».

أمّا الاعتراضات على «المادة 13»، فتركزت على أن هذه المادة تعد أداة من أدوات الرقابة على المحتوى وليس تنظيمه وضمان حقوق منتجيه.

وبحسب ما قاله مؤسس «ويكيبيديا»، جيمي ويلز، فإن تلك المادة ستؤثر سلبياً في حرية التعبير، لأن المواقع يجب أن تراقب المواد كي تضمن عدم خرقها لحقوق النشر، موضحاً أنه مثلًا في «يوتيوب» لن تكون هذه الخوارزميات مضمونة، إذ اشتكى صانعو المحتوى في «يوتيوب» لسنوات من حذف الموقع لبعض موادهم بصورة خاطئة بسبب اعتباره أنها تخرق حقوق النشر.

كما يرى معارضو المادة «المادة 13» أن ثمة محدودية تكنولوجية في نظام كهذا، لافتين إلى أنه «إذا كانت منصة ما مجبرة على ضمان عدم ظهور محتوى محمي، فكل ما قد يعتبر انتهاكاً لحقوق الملكية سيتم حذفه».


التنفيذ الفعلي

على الرغم من موافقة البرلمان الأوروبي على القانون، إلا أنه لن يطبق على الفور، حيث لايزال الطريق طويلاً حتى يدخل حيز التنفيذ، حيث إن القانون يحتاج إلى تصويت برلماني آخر في يناير المقبل. ولو حصل على الموافقة، سيأتي الدور على دول الاتحاد الأوروبي لكي توافق على التعديلات، ثم تحويلها إلى قوانين وطنية، وهو أمر يستغرق عامين على الأقل، على غرار ما حدث مع القانون العام لحماية البيانات.

تويتر